يقول إيلون ماسك إن هناك إمكانية جني أموال طائلة من تحويل خام الليثيوم إلى مواد كيميائية تدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، لكن تقلص هوامش أرباح التكرير يشير إلى أن التعدين ربما لا يزال يشكل رهاناً أفضل.
في الشهر الماضي، وصف ماسك تكرير الليثيوم بالجزء الأصعب في العملية المعقدة لتعدين المواد الخام من باطن الأرض، ومن ثم إدخالها في صناعة سيارات "تسلا"، معتبراً هذا النشاط التجاري بمثابة "رخصة لطباعة النقود" لمن ينجحون فيه، على حد قوله.
كان الملياردير الأميركي محقاً، فقد ارتفعت هوامش الأرباح في وقت سابق من العام الجاري، حيث أدى ازدهار الطلب الذي عززته شركات صناعة السيارات إلى ارتفاع قياسي في أسعار المواد الكيميائية المتخصصة التي تنتجها "شركات التكرير" العاملة في مجال شراء ومعالجة المواد الخام من منتجي الليثيوم.
غير أن أرباح شركات التكرير يمكن أن تذوي سريعاً حال ارتفاع أسعار المواد الخام بشكل أسرع من كيماويات الليثيوم التي تبيعها. استمرت أسعار المواد الخام المعدنة في الارتفاع رغم تأثر الطلب على المنتجات النهائية من جانب مصنعي البطاريات والسيارات في الأشهر الأخيرة بالإغلاقات الصينية على خلفية تفشي "كوفيد".
شركات الصين تبذل الغالي والنفيس من أجل الليثيوم
نتيجة لذلك، تراجعت هوامش أرباح شركات تكرير الليثيوم، حيث ما تزال معالجات المعدن الرائج تحقق أرباحاً قوية تاريخياً، لكن هوامش أرباحها انخفضت بأكثر من النصف عن ذروة مارس، وفقاً لوكالة "فاست ماركتس" (Fastmarkets) التي تتعقب أسعار منتجات الليثيوم والسلع الأخرى.
يعد هذا التقلب بمثابة تذكير لمدى كون المصافي؛ بل وسلسلة توريد السيارات الكهربائية بأسرها، تحت رحمة شركات التعدين وقدرتها على جلب إنتاج جديد بسرعة كافية لتلبية الطلب المتزايد. تشيع الاستجابات المتأخرة للعرض في أسواق السلع الأخرى، وهذا هو السبب في تحقيق نصيب الأسد من الأرباح عادةً في مرحلة التعدين، وليس التكرير.
قال بيتر هانا، كبير مديري تطوير الأسعار في "فاست ماركتس": "قد لا تعمل شركات التكرير بشكل جيد في أي سوق للسلع المعدنة، كونها قد تتعرض للضغط من كلا الطرفين. لا أعتقد أن هذه الهوامش ستكون سمة طويلة الأجل للسوق".
في غضون ذلك، يواصل منتجو المواد الخام تحقيق أرباح كبيرة. أعلنت شركة "إس كيو إم" (SQM) التشيلية، ثاني أكبر مورد للمواد الكيماوية، عن أرباح ربع سنوية قياسية في وقت متأخر من يوم الأربعاء، قائلةً إنها تتوقع استمرار ارتفاع الأسعار لبقية العام.
رغم تسليط الضوء على شركات تكرير الليثيوم بعد تعليقات ماسك، إلا أن "تسلا" وغيرها من شركات تصنيع السيارات تتأهب بشكل متزايد لخطر مواجهة أزمة طويلة الأجل في إمدادات التعدين. ومن ثم، وقعت شركات صناعة السيارات، بما في ذلك شركة "فورد موتور" و"جنرال موتورز"، سلسلة من صفقات التوريد طويلة الأجل لمعادن البطاريات في الأشهر الأخيرة مع كل من شركات التعدين وشركات معالجة المواد الخام على حد سواء، حيث تبرز الأسعار المرتفعة خطر تعطل خطط التوسع في تصنيع السيارات الكهربائية من دون الوصول إلى ما يكفي من المواد الخام.
كم طناً من الليثيوم يحتاج العالم في المستقبل؟
تتبنى "فورد" و"جنرال موتورز" استراتيجية تتعارض وجوهر ممارسات الشراء التقليدية في الصناعة فيما يتعلق بالتعاقدات الآنية، حيث تبرمان حالياً صفقات مع شركات التعدين بشكل مباشر على نحو متزايد، حتى في الحالات التي تكون فيها المشاريع على بعد سنوات من الإنتاج.
قال ماكس ريد، محلل أسواق المواد الخام الداخلة في صناعة البطاريات لدى "وود ماكنزي" لأبحاث واستشارات الطاقة: "لا يوجد نقص في الليثيوم، لكن ما من مشاريع كافية سيتم تشغيلها في الوقت المناسب لتلبية الطلب في هذا الإطار الزمني. نحن واثقون بدرجة معقولة من أن عجزاً سيتجلى في عام 2030 بسبب نقص الاستثمارات الجديدة في أوائل هذا العقد".
كانت شركة "تسلا" رائدة في تحويل نهج الصناعة إلى التعاقد مع معدني المواد الخام؛ بل حتى شراء حقوق التعدين في ولاية نيفادا في عام 2020.
مع استمرار جموح أسعار كيماويات الليثيوم، وارتفاع أسعار المواد الخام المعدنة المعروفة باسم الإسبودومين، ألمح ماسك إلى احتمالية قيامه بمزيد من المغامرات إلى حد بلغ إنذار الصناعة بصورة نهائية في مكالمة مع المستثمرين الشهر الماضي، قائلاً: "إذا لم يحل موردونا هذه المشكلات، سنحلها بأنفسنا".