ساعد الفائض التجاري الهائل لدى الصين على تعويض تدفقات رأس المال إلى الخارج خلال النصف الأول من العام الجاري، ما أدى إلى ترسيخ ميزان مدفوعاتها، في وقت تعمل زيادة أسعار الفائدة بقوة من جانب الاحتياطي الفيدرالي على تغذية تخارج رؤوس الأموال من الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء.
بلغ صافي تسوية النقد الأجنبي في البلاد، والذي يقيس تحويل العملات الأجنبية إلى اليوان 85.2 مليار دولار في النصف الأول من 2022، ليوسع المكاسب على مدار العامين الماضيين.
كما سجلت الإيرادات والمدفوعات العابرة للحدود، وهي مقياس آخر للتدفقات، فائضاً قدره 83.4 مليار دولار وفقاً لبيانات من إدارة الدولة للنقد الأجنبي.
يُظهر تحليل الأرقام أن التدفقات القوية من تجارة السلع والاستثمار الأجنبي المباشر قد عوضت التدفقات الخارجة من خلال الاستثمار في الأوراق المالية وتحويلات الشركات وتجارة الخدمات والتي تقلصت منذ عام 2020، حيث يمكن لعدد قليل من الصينيين السفر إلى الخارج أثناء الوباء.
نتيجة لذلك، صمدت العملة بشكل جيد نسبياً، انخفض اليوان في التعاملات الخارجية بنسبة 5.7% مقابل الدولار منذ بداية 2022، ما يجعله رابع أفضل عملة من حيث الأداء من بين 12 عملة آسيوية منذ مطلع العام الجاري.
قال وانغ جو، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي ومعدلات الفائدة للصين الكبرى في بنك "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas SA) "إن ضغط تدفق العملات الأجنبية للخارج بالتأكيد أصغر هذه المرة" مقارنة بدورات التشديد النقدي السابق التي نفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
أضاف: "على عكس الفترتين 2015-2016 و2018-2019 من انخفاض قيمة "الرنمينبي" الصيني، كان العملاء من غير البنوك مورداً صافياً للدولار".
سجل الفائض التجاري الصيني رقماً قياسياً بلغ 98 مليار دولار في يونيو مع ارتفاع الصادرات بعد خروج شنغهاي من عمليات الإغلاق، في حين قفز الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد إلى 723 مليار يوان (112 مليار دولار) في النصف الأول من العام الجاري.
أعطت هذه التدفقات الوافدة للداخل الصين مساحة كافية لتطبيق سياسة نقدية مستقلة نسبياً، ما قلل من أي حاجة للسلطات للتدخل في سوق الصرف الأجنبية أو تشديد السياسة النقدية.
من ناحية أخرى، خفضت الصناديق الخارجية حيازة السندات الصينية بمقدار 510 مليارات يوان في الأشهر الخمسة حتى يونيو، حيث انعكس عائد السندات الحكومية الأميركية والصينية لمدة 10 سنوات لأول مرة منذ عام 2010.
في حين باع المستثمرون بالخارج الأسهم في مارس وأبريل، اشتروا المزيد منها خلال مايو ويونيو، تاركين القيمة الإجمالية لحيازتهم بشكل أساسي دون تغيير منذ نهاية يناير.
تتوخى السلطات الصينية الحذر بشأن التدفقات المالية إلى الخارج مع استمرار الضوابط الصارمة على حركة رأس المال.
يجد المقيمون من أصحاب الثروات الكبيرة صعوبة أكبر في نقل الأموال خارج الصين منذ بداية 2022، حيث زادت أوقات إصدار جوازات السفر وأصبحت متطلبات التوثيق أكثر صعوبة.
توخّي الحذر
كما طُلب من المنظمين توخّي مزيد من الحذر، عندما يتعلق الأمر بمراجعة الخطط الجديدة للإنفاق والاستثمار بالخارج.
في الأسبوع الماضي، وضعت إدارة الدولة للنقد الأجنبي خططها لبقية العام، حيث قال المسؤولون إنهم "سيمنعون بشكل فعال المخاطر المتعلقة بتدفقات رأس المال عبر الحدود"، ويعززون التوجيه بشأن التوقعات.
تعتمد إمكانية استمرار الفائض التجاري الهائل على الطلب الخارجي بالنسبة للسلع الصينية، والذي يمكن أن يبدأ في الضعف خلال الأشهر المقبلة، حيث تؤثر مخاطر التضخم والركود على الاقتصادات الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تحويل حصة متناقصة من الفائض التجاري إلى اليوان، وهو ما يحدث عندما تضعف العملة وتضيق هوامش أسعار الفائدة، وفقاً لبحث أجراه "غولدمان ساكس"، وهذا يمكن أن يقوض الدعم المقدم من التدفقات التجارية للعملة.
خفض التوقعات
لكن ضغط تدفق رأس المال للخارج قد يخف أيضاً، حيث تعمل الأسواق على خفض التوقعات بشأن مدى تشديد السياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الفترة المتبقية من 2022.
قال شينغ جاوبينغ كبير المحللين الاستراتيجيين المتخصصين في شؤون الصين لدى "أستراليا ونيوزيلندا بانكنغ غروب ليمتد" (Australia & New Zealand Banking Group Ltd) إن "تدفقات المحفظة للخارج ستتباطأ في النصف الثاني لأن مؤشر الدولار قد تجاوز ذروة مؤقتة".
وفقاً لـ"شينغ" سيظل فائض الحساب الجاري قوياً، ومن المحتمل أن يساهم في وجود ميزان مدفوعات إيجابي خلال النصف الثاني من العام.