أسعار الغذاء تتراجع.. فلماذا تبقى أزمة الجوع؟

عامل يحمل رزماً من القمح المحصود في مزرعة في قرية رحمة، الفيوم، مصر. - المصدر: بلومبرغ
عامل يحمل رزماً من القمح المحصود في مزرعة في قرية رحمة، الفيوم، مصر. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يبدو أنَّ أزمة الغذاء في 2022 تنحسر بنفس سرعة اندلاعها.

ارتفع القمح الربيعي الأحمر إلى ما يقرب من 13 دولاراً للبوشل في مارس، مما دفع مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، إلى خفض قيمة عملتها، ويتداول القمح حالياً قرب 8 دولارات، منخفضاً بأكثر من الثلث. وأوقفت إندونيسيا صادرات زيت النخيل في أبريل لمواجهة ارتفاع مماثل في الأسعار، لكن هبطت الأسعار الآن بأكثر من 40% من الذروة، وتراجعت أسعار الذرة بنحو الربع منذ بداية مايو، وسجل السكر وحبوب البن العربي أدنى المستويات في عام وتسعة أشهر على التوالي في الأسابيع القليلة الماضية.

سيناريو غير محتمل

من المغري النظر إلى ذلك كإشارة على انتهاء الأزمة التي دفعت الجوع بين سكان العالم إلى أعلى مستوى منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أخيراً، للأسف؛ من غير المرجح أن تكون هذه هي الحال.

ويعود ذلك، برغم كل الاهتمام الموجه نحو مشاكل انعدام الأمن الغذائي، إلى أنَّ تسعير عقود السلع الزراعية في البورصات الرئيسية ليس سوى واحد من العديد من العوامل التي تساهم في الجوع حول العالم، وفي كثير من الحالات، ليس أكثرها أهمية أيضاً.

أسعار القمح تواصل الصعود والتركيز ينصب على شحنات أوكرانيا

قلة من الجياع في العالم، على سبيل المثال، يدفعون ثمن طعامهم بالدولار الأميركي، وهذا يعني أنَّ تقلّبات العملة لا تزيد أهمية عن التغيرات في مؤشرات أسعار السلع الأساسية في تحديد السعر المدفوع على أرض الواقع.

أدى ارتفاع أسعار السلع الأساسية منذ نهاية عام 2021 إلى صعود سعر القمح بالدولار الأميركي بنحو 23%، لكنَّ انخفاض قيمة الجنيه المصري كان صاحب التأثير الأكبر، إذ أضاف 25% أخرى إلى الأسعار بالعملة المحلية، وفي تركيا، ثالث أكبر مشتر للقمح؛ رفعت الليرة المنهارة التكاليف بما يناهز 171%، أما في باكستان؛ فقد أدى انخفاض قيمة الروبية إلى رفع سعر القمح بنسبة 53%.

ضغوط غير مسبوقة

يمكن أن تمتد تأثيرات العملات تلك لفترة طويلة، فغالباً تدعم الاقتصادات الناشئة المعتمدة على الاستيراد المواد الغذائية القادمة من الخارج، مما يفرض ضغوطاً على موازنة الحكومة كلما ارتفعت أسعار السلع الأساسية، وتتعرض المالية العامة لمعظم البلدان بالفعل لضغوط غير مسبوقة الآن بفضل جائحة كوفيد 19، ولا يوجد مجال لمزيد من التدهور.

وفي حال تسبب تقلّص الموازنات الحكومية واحتياطيات النقد الأجنبي في حدوث أزمة عملة بعد عام أو عامين، فلن يكون انخفاض أسعار المواد الغذائية بالدولار كافياً لوقف ارتفاع التكلفة المحلية للمنتجات المستوردة.

أزمة بقالة تلوح في الأفق وسط ندرة زيوت الطعام

وهذا ليس التأثير طويل الأمد الوحيد بالنسبة إلى كوفيد على قطاع الغذاء؛ فقد انخفض عدد العاملين على مستوى العالم في عام 2020 لأول مرة منذ جيل على الأقل، إذ تعرّض أكثر من 100 مليون للتسريح أو مكثوا في منازلهم لمواجهة آثار الوباء، وهناك رقم مماثل، إذ انزلق 97 مليون شخص إلى ما دون خط الفقر العالمي البالغ 1.90 دولار في اليوم، وانخفضت دخول 40% من سكان العالم من الطبقة الدنيا بنسبة 6.7% العام الماضي عن المستويات المتوقَّعة قبل الوباء، مقارنة بانخفاض نسبته 2.8% لأغنى 40%.

وكانت النتيجة متمثلة عبر دخل متاح أقل لدفع تكاليف التغذية، مما فاقم مشاكل القطاع العام المجهد، وكما أوضح الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل أمارتيا سين في دراسته التاريخية لعام 1981 حول المجاعة؛ فإنَّ معظم نوبات الجوع الشديد لا تنتج عن النقص المطلق في الغذاء، ولكن بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بما يتجاوز قدرة أفقر أفراد المجتمع على دفع ثمنها.

أهم سبب للجوع

يعقّد الصراع هذه المشاكل، والذي ما يزال السبب الأهم للجوع في جميع أنحاء العالم، ويمكن للحرب والاضطرابات أن تخنق سلاسل التوريد، وتحطم العملات، وتدمر الوظائف، وترفع الأسعار في الوقت نفسه، كما أنَّ الحرب في أوكرانيا ليست سوى أحدث مثال على مثل هذه الانهيارات، وبلغ عدد الأشخاص النازحين بسبب الصراع، وهو مؤشر عادل للخسائر البشرية العالمية من الاضطرابات، في أواخر عام 2021 أعلى مستوى له منذ بدء تسجيل البيانات، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بزيادة 8% عن العام السابق، وضعف المستوى قبل عشر سنوات.

المحاصيل الروسية تنجو من مقصلة العقوبات الغربية بتمويل أميركي

أخيراً، هناك تأثير كوارث المناخ والطقس الذي يجب أخذه في الحسبان، وبالنسبة للأشخاص في البلدان منخفضة الدخل الأكثر عرضة لخطر المجاعة؛ غالباً ما تكون أسعار السلع العالمية غير ذات صلة تقريباً لأنَّهم يفتقرون إلى السيولة أو روابط التوريد للشراء من الأسواق الدولية، وفي الواقع، في أجزاء العالم التي تعتمد على صادرات المحاصيل النقدية مثل زيت النخيل أو الكاكاو أو القهوة، من المرجح أن يتسبّب انخفاض أسعار المواد الغذائية في مشكلات بقدر ارتفاع الأسعار من خلال خنق دخل المزارعين.

وهذا يجعل الفيضانات مثل تلك التي اجتاحت باكستان الأسبوع الماضي، أو الجفاف الذي دمر شرق أفريقيا في السنوات الماضية، يمثلون تهديداً كبيراً بقدر الجغرافيا السياسية.

ربما يوفر انخفاض أسعار المواد الغذائية، في حال استمراره، بعض الراحة على الأقل لنحو 768 مليون شخص يعانون من نقص التغذية في العالم، لكنَّه لن يكون كافياً لعكس اتجاه أربع سنوات من تزايد انعدام الأمن الغذائي لأنَّ ذلك يتطلّب معالجة العالم للمشاكل العميقة من الجذور، بدءاً من التأثير طويل المدى لكوفيد إلى الآثار المستمرة لعدم المساواة والحرب والصراع.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة