تلوح كلمة "الركود" المفزعة في الأفق بين الأميركيين، حيث ينكمش الاقتصاد ويزيد بنك الاحتياطي الفيدرالي من أسعار الفائدة.
هبط الناتج المحلي الإجمالي بطريقة غير متوقعة للربع الثاني على التوالي، ما زاد من احتمالات حدوث ركود خلال السنة الجارية. صدرت البيانات عقب يوم واحد من إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن قفزة ضخمة في أسعار الفائدة للشهر الثاني على التوالي.
بالنسبة للكثيرين، يستحضر الركود فقط ذكريات سيئة للأزمة المالية 2008 ويؤجج المخاوف إزاء خسارة الوظائف. حالياً، تجتمع عوامل التضخم المحتدم، والتدابير الحازمة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وأسواق الأسهم المتقلبة لإحداث الجولة المقبلة من المشكلات.
احتمالات الركود
أظهر استطلاع للرأي أجرته "بلومبرغ" مع خبراء اقتصاد أن احتمال حدوث ركود خلال الـ12 شهراً المقبلة يصل إلى 50% تقريباً، لكن العديد من الأسر والشركات تشعر أنه موجود بالفعل. يقول معهد "ويلز فارغو إنفستمنت إنستيتيوت" إن هذا الافتراض صحيح.
من جهتها، قالت لورين غودوين، خبيرة الاقتصاد والخبيرة الإستراتيجية لمحفظة الأصول لدى شركة "نيويورك لايف إنفستمنتس" (New York Life Investments): "هناك كلام كثير حول ما إذا كنا نمر فعلاً بحالة ركود..ربما تكون البيانات الرسمية حول الركود الاقتصادي بمثابة مؤشر متأخر. لا يُعدّ ذلك أمراً مفيداً بالضرورة للأشخاص الذين يُصدرون في الوقت الراهن القرارات الخاصة بحياتهم اليومية واستثماراتهم".
وفيما يلي نستعرض ما تحتاج إلى التعرف عليه حول فترات الركود وطريقة الاستعداد له:
ما هو الركود؟
يتنوّع التعريف الرسمي، حيث يعرّف البعض الركود بأنه ربعان متتاليان من السنة يتراجع فيهما الإنتاج، وهو الأمر الذي حدث للتوّ. ورغم ذلك، فإن المكتب القومي للبحوث الاقتصادية هو المسؤول تقنياً عن إعلان فترات الركود، والتي يعرّفها بأنها "هبوط هائل في النشاط الاقتصادي الذي ينتشر في كافة أنحاء الاقتصاد ويتواصل لما يزيد عن بضعة شهور".
تجتمع اللجنة سراً، وتتشكّل من خبراء اقتصاد وأكاديميين، أو "مثقفين"، بحسب أحد الأعضاء السابقين. ومن المعتاد أن يستغرق الأمر نحو سنة حتى يتم إصدار قرار حول إطلاق مسمى الركود.
من الممكن أن يختلف طول مدة الركود بطريقة هائلة. وكمثال على ذلك، فقد دام الركود الناجم عن وباء فيروس كورونا خلال سنة 2020 لمدة شهرين فقط، بينما استمر الكساد الكبير لمدة 18 شهراً تقريباً.
هل نعيش حالة الركود؟
يعتمد ذلك على من هو الشخص الذي توجه له هذا السؤال، حيث يقول غالبية خبراء الاقتصاد إن هذا لم يحدث بعد، رغم هبوط الناتج المحلي الإجمالي للربعين المتتاليين.
وفقاً لمارك هامريك، كبير المحللين الاقتصاديين في شركة "بنكريت" (Bankrate)، إن استمرار قوة سوق العمل يعقّد الموقف. وزادت الولايات المتحدة من الوظائف في يونيو الماضي بما يفوق التوقعات، وتراجعت طلبات الحصول على التأمين ضد البطالة في الولايات المتحدة لأول مرة منذ 4 أسابيع.
علاوة على ذلك، فإن الإنفاق الاستهلاكي ثابت بصفة عامة، رغم أن الكثير من الأشخاص يغيّرون عادات التسوق لديهم.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "لن نكون في حالة ركود اقتصادي"، حيث احتج مسؤولو الإدارة الأميركية بأن المشهد الاقتصادي معقّد نتيجة مشكلات سلاسل التوريد وأسعار السلع الأساسية المتقلبة.
هل يمكن تفاديه؟
يُعدّ ذلك ممكناً، رغم أنه ليس مرجحاً. من أجل التصدي لارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يزيد أسعار الفائدة، بهدف تهدئة الاقتصاد بالقدر الملائم لتنظيم ما يطلق عليه عملية "الهبوط السلس". وأضاف البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة 75 نقطة أساس للشهر الثاني على التوالي.
يكمن الخطر في أن الارتفاعات تحدّ من طلب المستهلكين بطريقة هائلة، ما يسفر عنه تراجع أرباح الشركات وفقدان وظائف. وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في أواخر يونيو الماضي، إن بلوغ هذا التوازن المثالي سيشكّل "تحدياً هائلاً".
هناك أيضاً أثر نفسي شديد على العمل. وفي حال اعتقد المستهلكون أن البلد يمر بحالة ركود اقتصادي أو أنه سيشهد حالة من الركود في وقت قريب، فربما يكبحون عمليات الإنفاق، ما يلحق الضرر بالاقتصاد. ويُعدّ ذلك مخاطرة حقيقية مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر من نصف الأميركيين يؤمنون بأن الولايات المتحدة تعيش في الوقت الراهن حالة ركود، بحسب مجلة "إيكونوميست" وشركة "يوغوف بول". كما أن صعود معدلات التضخم -زادت أسعار المستهلكين بنسبة 9.1% في يونيو الماضي بالمقارنة مع السنة السابقة- قد يضطر الأشخاص أيضاً إلى شراء كميات أقل.
على النقيض من الركود الأخير، تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي قوة مهيمنة على حياة الأميركيين، وفي كثير من الأحيان تكون المكان الذي يعربون فيه عن مخاوفهم إزاء الركود، بحسب ما ذكر شون ماسليك، الذي يعمل مخططاً مالياً معتمداً ومقدم برنامج "أكثر كلمات التمويل المكروهة"، وهو برنامج "بودكاست" يتعلق بموضوع التمويل الشخصي. وقال: "يمكن أن يسفر ذلك عن تفاقم المشكلة لأن الخوف والقلق يهيمنان".
هل سأُطرد من العمل؟
في الوقت الحاضر، ما زالت سوق العمل تتمتع بالقوة. وفي يونيو الماضي، أضاف أصحاب الأعمال 372 ألف وظيفة، ووصل معدل البطالة حالياً إلى نسبة 3.6% فقط. هناك بعض الجيوب بها مواطن ضعف، لكنها تتركز غالباً في قطاع شركات التكنولوجيا، حيث سجلت الشركات تراجعاً سريعاً في أسعار أسهمها. كما تم خفض الوظائف أيضاً في شركات العملات المشفرة على غرار شركة "كوينباس غلوبال" وشركة "جيميني تراست".
بالنسبة لأولئك المهتمين بعملية تسريح الموظفين، حاولوا تكوين مدخرات طوارئ لا تقل عن 3 إلى 6 شهور من نفقات المعيشة، بحسب ما يقول الخبراء. وإذا تعرضت لخسارة الوظيفة، عليك أن تذكر أنك تمتلك خيارات، حيث ما يزال يوجد الكثير من الوظائف الشاغرة.
قال بيل آدامز، كبير خبراء الاقتصاد في بنك "كوميريكا بنك" (Comerica Bank) في مدينة دالاس: "يعثر غالبية العمال الذين يفقدون وظائفهم على وظائف جديدة بطريقة سريعة".
ما الذي يمكنني فعله أيضاً؟
النصيحة الأكثر شيوعاً من خبراء ماليين: لا تفزع. قالت "غودوين" إن الوقت الراهن لا يُعدّ وقتاً ملائماً لاتخاذ قرارات صارمة أو تحويل جميع استثماراتك إلى أموال نقدية، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار معدل التضخم العالي.
رغم ذلك، من الجيد أن تدرس تقبلك للمخاطر والتأكد من تنويع استثماراتك. تحبّ "غودوين" مجالات على غرار السندات المحلية أو الأسهم المتوقع صعود قيمتها، وهي غير باهظة التكلفة بالمقارنة مع الأرباح. وتُعدّ سندات الادخار من الفئة الأولى الأميركية المفضلة أيضاً حالياً، لأنها تقدّم وسيلة منخفضة المخاطر نظراً لسعر فائدة مربوط تبلغ نسبته 9.62%.
يوصي نوح دامسكي، وهو مخطط مالي في شركة "مارينا ويلث أدفيسورز" (Marina Wealth Advisors)، بالتزام قدر من "شد الحزام" بصفة عامة. ويُعتبر تخفيض النفقات غير الضرورية وزيادة المدخرات فكرة جيدة على الدوام، بصفة خاصة عندما يكون الركود الاقتصادي على وشك الظهور.