قد يواصل الجنيه المصري هبوطه إلى مستوى 20.5 جنيه للدولار الأميركي، وفقاً لما قاله محللون لـ"الشرق" استناداً إلى أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي عن مصر بشأن التقييم اللاحق لبرنامج الاستعداد الائتماني الذي حصلت البلاد بموجبه على 5.2 مليار دولار قبل عامين.
هبط سعر الجنيه المصري، أكثر من 20% منذ مارس الماضي حتى نهاية الأسبوع الجاري ليصل إلى 18.97 مقابل الدولار، بعد أن سمح المركزي بتحريك العملة أمام الدولار في مارس الماضي لأول مرة منذ 2016، في الوقت الذي رفع فيه أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة أساس في محاولة منه لامتصاص الموجات التضخمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية.
آية زهير، محللة الاقتصاد المصري في "زيلا كابيتال"، ترى أنَّه في ضوء بيان صندوق النقد بأنَّ الاقتصاد المصري ما زال بحاجة لتضييق الاختلافات بشأن سياسة العملات الأجنبية، إلى جانب حرب العملات العالمية أمام الدولار، إذ قد يشهد الجنيه مزيداً من التراجع حتى مستوى 20.5 مقابل الدولار بنهاية ديسمبر المقبل.
يَعتبر الصندوق أنَّ اعتماد تحريك أكبر لسعر الصرف خلال تنفيذ اتفاق الاستعداد الائتماني، كان يمكن ترسيخه لتجنّب تراكم الاختلالات الخارجية وتسهيل التكيف مع الصدمات، وفقاً لبيان صدر هذا الأسبوع. ورحب مسؤولو الصندوق بالخطوات الأخيرة للسلطات المصرية بشأن إعطاء دور لمرونة سعر الصرف في مجموعة أدوات سياسة مواجهة تداعيات كورونا.
اتفقت عليا ممدوح، محللة الاقتصاد المصري، مع رأي زهير، في أنَّ الجنيه قد يسجل ذلك المستوى بنهاية العام في ظل الضغوط على السيولة بالعملة الأجنبية ومدفوعات خدمة الدين الخارجي لدى البنك المركزي، والتي تقدّر بنحو 8 مليارات دولار خلال النصف الثاني من هذا العام.
"لدينا مرونة بعض الشيء في العملة المحلية، لكنَّنا في حاجة لمرونة أكثر وتعويم مدار، لأنَّ تثبيت سعر العملة يخلق بيئة غير صالحة للتضخم والمستهلكين والمستثمرين الأجانب... الاستثمار الأجنبي عادة ما ينتظر تحريك سعر العملة للدخول للسوق حتى لا يدخل عند سعر ثابت ثم يتم التحريك، ويخسر جزءاً من رأسماله في خفض العملة"، وفقاً لما ذكرته عليا ممدوح.
حصلت مصر من الصندوق، بموجب اتفاق استعداد ائتماني، على 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع، مما ساهم بتخفيف تأثيرات جائحة كورونا.
الفئات الأكثر احتياجاً
كما يقول آلن سانديب، رئيس البحوث في "نعيم المصرية" إنَّ "سعر الصرف المرن دائماً يعد خطوة جيدة من وجهة نظر اقتصادية طويلة الأجل، ويساهم في تنمية الصناعات المحلية من خلال جذب الاستثمار الأجنبي... مصر كانت تنتقل بنفسها في هذا الاتجاه، ولكن بطريقة تدريجية، حيث يتعين عليها أيضاً تحقيق توازن جيد مع مراعاة الفئات الأفقر من السكان المعرضين بسهولة للصدمات الاقتصادية، في ظل الوضع الحالي من عدم اليقين الجيوسياسي".
وأضاف: "مصر خفّضت بالفعل قيمة الجنيه بنحو 20% ، هذا في رأينا خطوة جريئة، نتوقَّع انخفاضاً معتدلاً إلى 19.50 جنيه مقابل الدولار بنهاية العام".
ومع ذلك؛ يرى سانديب أنَّ فوائد التخفيض الحاد لقيمة العملة لا تفوق تأثيرات دفع التكلفة، لاسيما في سياق التشوهات الخارجية الحالية.
وقررت مصر الثلاثاء الماضي صرف مساعدات استثنائية لـ9 ملايين أسرة لمدة 6 شهور قادمة، وهو ما يقدّر بنحو ثلث الأسر المصرية، بتكلفة إجمالية تبلغ 11 مليار جنيه للأسر الأكثر احتياجاً لمجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، كما يبلغ عدد الأسر المصرية 25.5 مليون أسرة، بحسب أحدث بيانات متاحة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء.
ستتوسع مصر أيضاً في طرح عبوات من السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، ويتم توزيعها من خلال منافذ القوات المسلحة.
انخفض معدل الفقر في مصر إلى 29.7% في السنة المالية 2019-2020 من 32.5% في 2017-2018، وارتفع متوسط الدخل السنوي الصافي للأسرة على مستوى الجمهورية 14.4% إلى 69.1 ألف جنيه في 2019-2020 من 60.4 ألف جنيه في 2017-2018، وفقاً لأحدث بيانات متاحة.
النقد الأجنبي
تقول آية زهير إنَّ مصر "بحاجة للتحول في النظرة الموجهة لسعر الصرف من هدف إلى أداة، خسائر احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي المصري خلال الأشهر القليلة الماضية تشير إلى استمرار الضغط علي سعر الصرف. من الممكن أن تساعد مرونة العملات الأجنبية الأكبر في ضغط عجز الحساب الجاري بمرور الوقت، والحفاظ على القدرة التنافسية الخارجية، واستعادة الوصول إلى الأسواق، وتقليل احتياجات الاقتراض الخارجي".
قال البنك المركزي المصري إنَّ صافي الاحتياطيات الأجنبية تراجع إلى 33.375 مليار دولار في نهاية شهر يونيو 2022 بشكل مبدئي، فاقداً بذلك 5.95% من قيمته على أساس شهري، كما تراجع بـ18.45% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
تعاني مصر من نقص في العملات الأجنبية بعد أن تسبّبت جائحة فيروس كورونا في تراجع أعداد السياح، كما سحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية، وارتفعت أسعار واردات السلع نتيجة الأزمة الأوكرانية.
شهدت مصر تدفق حوالي 20 مليار دولار للخارج بعد خروج المستثمرين في أدوات الدين المحلي، وكانت تمثل سوقاً مفضّلة.
إلى ذلك ترى إسراء أحمد، محللة الاقتصاد المصري في "الأهلي فاروس"، أنَّ تحرك سعر الصرف يمتص الصدمات الخارجية، مما يجنّب تآكل الاحتياطيات الدولية لمصر، وتراجع مستويات الثقة في اقتصاد بعينه.
الاستقرار المبالغ فيه لسعر الصرف بتقويم العملة المحلية بأعلى من قيمتها يعتبر بمثابة دعم غير مباشر للمستوردين، وهو ما يسبب خللاً هيكلياً في أداء الميزان التجاري للدولة، وفقاً لأحمد.
أضافت أنَّ "ثبات العملة المحلية بشكل مطوّل لا يعكس تطورات أداء الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي، وهو ما يكون له أضراره الشديدة، حيث يتسبب في تراكم ضغوط على مدار فترات يصبح بعدها تحريك العملة حركة عنيفة أمراً شبه حتمي، مما يتبعه موجة تضخمية كبيرة".