تصطدم واردات الصين من السلع الأساسية برياح معاكسة عاتية في النصف الثاني من العام، والتي يمكن أن تسبب منغصات للمنتجين في جميع أنحاء العالم، حيث يعتمدون على محركها الاقتصادي لدعم الطلب على الطاقة والغذاء والمواد.
عادة ما يكون النمو السريع في أكبر اقتصاد بآسيا كافياً لدفع الواردات للارتفاع كل عام، ما خلق دعماً مسانداً للاستهلاك العالمي، وكان سبباً في دورة الطلب الفائقة التي بلغت ذروتها منذ حوالي عقد من الزمان، لكن هذا النمو يتباطأ، بسبب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد، والتي يمكن القول إن السبب وراءها هو سياسة الحكومة، فضلاً عن تدهور الأوضاع العالمية.
هوت واردات الطاقة على وجه الخصوص في يونيو الماضي، لتميّز النصف الأول الضعيف الذي قد ينذر بتراجع سنوي نادر في المشتريات عبر العديد من السلع. ويبدو النفط الخام والغاز والفحم وزيت النخيل وخام الحديد عرضة للانخفاضات الحادة في الطلب. وتُعدّ شحنات النحاس واحدة من المجالات القليلة التي خالفت الاتجاه السائد في الأشهر الستة الأولى.
تحاول بكين تدبير تعافٍ من شأنه أن يساعد في إنعاش استهلاك السلع، لكن من غير المحتمل أن يكون كافياً للتعويض الكامل عن التهديدات المتزايدة للنشاط من قبل القيود الصارمة المتعلقة بالفيروسات، وأزمة عميقة في قطاع العقارات وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، واحتمالية دخول الاقتصاد العالمي في ركود.
اقرأ أيضاً: هل ستواصل الصين الاعتماد على السلع الأساسية الروسية؟
النفط الخام
رجّحت نتائج أحدث استطلاع أجرته "بلومبرغ" أن يتوسع الاقتصاد الصيني بـ3.9% فقط في عام 2022، وهو معدل أقل من هدف الحكومة البالغ 5.5% ونمو العام الماضي البالغ 8.1%. وقال هينيك فانغ، المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، في مذكرة إن هذا الوضع نذير شؤم بالنسبة إلى الطلب على السلع والذي "قد يختبر قوة بقاء النفط فوق 100 دولار للبرميل".
تعتمد واردات الصين من الخام بشكل كبير على نشاط السفر والنقل، ومن المحتمل أن تتراجع للعام الثاني على التوالي حيث خفّضت المصافي مشترياتها، بينما لا تزال البلاد مهددة بالإغلاق المرتبط بالفيروس. ولا تزال المخزونات مرتفعة، كما تؤدي زيادة الأسعار عالمياً إلى التأجيل من جانب المشترين، لذلك من المحتمل أن يتأخر أي شكل من أشكال الانتعاش حتى الربع الرابع. وقبل عام 2021، لم تنخفض واردات الصين منذ 2005 على الأقل.
الغاز والفحم
تتطلع الصين إلى انخفاض غير مسبوق في واردات الغاز الطبيعي، وهو الوقود الأنظف والذي يوصف بأنه بديل للفحم، وتمضي في طريقها نحو تحقيق انبعاثات صافية صفرية.
تتوقع دانييلا لي، محللة "بلومبرغ إن إي إف"، انخفاضاً بـ5.5% إلى 158 مليار متر مكعب، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض الطلب على الشحنات المنقولة بحراً من الغاز الطبيعي المُسال، والتي يمكن أن تنخفض بنسبة تصل إلى 15%.
وفقاً لمذكرة من "وود ماكنزي" (.Wood Mackenzie Ltd)، فإن هناك أسباب متعددة لتراجع الاهتمام بالغاز الطبيعي المسال، تشمل ضعف الاقتصاد وارتفاع الأسعار العالمية، والدعم الحكومي للفحم النظيف، وشتاء أكثر دفئاً من المعتاد، ونمواً في استخدام الطاقة المتجددة. كما أدى ارتفاع إنتاج الغاز المحلي وزيادة الإمداد من خطوط الأنابيب إلى خفض الشحنات الواردة.
يعتبر حدوث انخفاض شبه مؤكّد في شراء الفحم لأول مرة منذ عام 2015 أكثر وضوحاً. وعززت الصين التعدين المحلي إلى مستويات قياسية، وفرضت مستويات قصوى للأسعار تجعل الواردات غير مربحة، بعد نقص الكهرباء العام الماضي وارتفاع الأسعار الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ستنخفض الواردات بـ22% لتصل إلى 250 مليون طن هذا العام، وفقاً لاتحاد نقل وتوزيع الفحم في الصين.
طالع أيضاً: الصين تعمّق اعتمادها على الفحم
زيت النخيل
انهارت بالفعل مشتريات الصين من زيت النخيل، حيث تراجع حجم الواردات في يونيو البالغ 70 ألف طن بنسبة 81% عن العام الماضي، ووفقاً للبيانات تعود أقل كمية تم استيرادها إلى العام 2004. وشكّل ذلك أبرز علامة مميزة في الواردات على مدار نصف عام على الإطلاق. وعانى الطلب على زيوت الطعام الأكثر انتشاراً، حيث تسببت القيود المفروضة بسبب الفيروسات في الصين بحالة جمود في المطاعم وصناعات الإمداد والتموين.
أدى الانخفاض الأخير في الأسعار العالمية إلى إغراء المشترين لترتيب المزيد من الشحنات لشهري أغسطس وسبتمبر، وفقاً لشركة "هويشانغ فيوتشرز" (.Huishang Futures Co). ومع ذلك، فإن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها بكين لتمديد الحظر على الفنادق التي تستضيف الأعراس والحفلات والمؤتمرات، على الرغم من قلة عدد الحالات في العاصمة، تسلط الضوء على التحديات التي سيواجهها القطاع طالما استمرت الصين في سياسة "صفر كوفيد".
الحديد والنحاس
جاءت واردات خام الحديد حتى يونيو متراجعة بنحو 4% عن وتيرة العام الماضي، بعد أن هبطت في عام 2021، حيث أمرت الحكومة مصانع الصلب بتقليص الإنتاج من مستويات قياسية، في محاولة للحد من انبعاثات الكربون. وتم تخفيض آخر لعام 2022.
في الوقت نفسه، فإن صناعة الصلب الضخمة في الصين تشهد حالة من الفوضى، فيما يُعدّ جرس إنذار بشأن الأزمة نتيجة ضعف الطلب وهبوط الأرباح. وعلى الرغم من أن هناك احتمال بأن تطلب بكين المزيد من السبائك، حيث تتجه إلى الإنفاق على البنية التحتية لإنعاش الاقتصاد، إلا أن هذه المشاريع تمتد على مدار فترات زمنية طويلة. وبالتزامن مع ذلك، تدهور الطلب في قطاع أكثر أهمية، ممثلاً في سوق العقارات، حيث علّق أصحاب الرهن العقاري المدفوعات على المساكن غير المكتملة.
كنتيجة لسياسة الصين المتمثلة في محاولة تقليص اعتمادها على الموردين الأجانب عبر زيادة الإنتاج المحلي للمعادن، فمن المحتمل أن تتراجع خطوة إنتاج فولاذ أنظف من الخردة وواردات خام الحديد للعام الثاني، ووفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس".
يعتبر كلاً من النحاس وخام النحاس علامة مضيئة بين الواردات، حيث استمرت شحنات كليهما قبل العام الماضي. وكانت كمية النحاس غير المُعالجة في الصين خلال يونيو هي الأعلى في عام 2022. ونظراً لاستخدامه في البناء، يبدو أن هذا يتعارض مع ضعف خام الحديد، وفقاً لمذكرة من "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics)، على الرغم من أن أحد التفسيرات هو أن التجار كانوا "يستفيدون من فرصة المراجحة بين أسعار النحاس في شنغهاي ولندن".
وعلى أي حال، لا تزال السوق الداخلية متراجعة، وفقاً للتعليقات الأخيرة من التنفيذيين، في ظل ارتفاع الواردات وزيادة الإنتاج المحلي والذي من المرجح أن يُبقي الأسعار تحت الضغط في الوقت الحالي.