من المرجح أن يبقي الكرملين تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عند أدنى مستوياتها طالما استمرت المواجهة مع أوكرانيا مما يزيد الضغط على الاتحاد الأوروبي بشأن موقفه المتشدد من الغزو الروسي، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفكير القيادة.
في حال استمرار الضغط بورقة الغاز في الشتاء؛ فقد يترك القارة، وهي أكبر سوق تصدير لروسيا تقليدياً، تعاني من نقص شديد في الوقود.
بصورة علنية، تقول روسيا إنَّ المشكلات الفنية مثل صيانة التوربينات أجبرتها على خفض الإمدادات خلال الأسابيع الأخيرة.
لكن في الواقع، يستخدم الكرملين التعطل في "نورد ستريم"، خط الأنابيب الرئيسي المتبقي الذي يزود أوروبا، لزيادة الضغط السياسي على القادة هناك لإعادة النظر في العقوبات المؤلمة التي فرضوها ودعمهم لكييف، كما قال الأشخاص الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة المداولات الداخلية.
يتوقَّع الأشخاص أن يواصل الكرملين و"غازبروم" عملاقة الغاز التي تديرها الدولة، البحث عن أسباب لإبقاء التدفقات محدودة، مما يمنع العملاء الأوروبيين من تراكم الإمدادات التي يحتاجون إليها لتلبية الطلب في الشتاء.
يحذر مسؤولو الاتحاد الأوروبي بالفعل من مغبة حدوث اضطراب اقتصادي كبير في حال عدم استئناف التدفقات، ويطالبون المستهلكين بخفض استخدام الوقود الحيوي.
زيادة المخاطر
الخلاف على الغاز هو أحدث زيادة في المخاطر بشأن أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، ويظهر استعداد الكرملين للتخلي عن عشرات المليارات من الدولارات قيمة عائدات التصدير لتعزيز أهدافه الجيوسياسية.
قللت "غازبروم" من التأثير المحتمل لوقف الإمدادات في حال استمراره حتى العام المقبل وفقاً لشخص مطلع على الوضع، ووجدت وسائل للحد من الأضرار المالية بفضل ارتفاع الأسعار والإيرادات منذ بداية 2022.
بشكل خاص، أعرب البعض في الكرملين عن دهشتهم من أنَّ الرئيس فلاديمير بوتين لم يتحرك سريعاً لوقف تدفق الغاز نظراً لفرض أوروبا عقوبات شاملة على روسيا وتزويد أوكرانيا بالأسلحة على حد قول أحد الأشخاص.
قال الأشخاص إنَّ روسيا تستخدم نفوذها في مجال الطاقة كأداة سياسية للرد بالمثل. في الأيام الأخيرة، أصبح الموقف العام الروسي أكثر صلابة.
قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف يوم الإثنين إنَّ المشاكل في "نورد ستريم" مرتبطة بفرض أوروبا عقوبات بسبب الحرب، محذّراً أمس من أنَّه بينما روسيا في الوقت الحالي "غير مهتمة" بقطع الغاز خلال الشتاء؛ لكنْ "قد يتغير الوضع".
مصانع معطلة
اليوم الثلاثاء، ذهب دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ورئيس مجلس إدارة شركة "غازبروم" والآن هو أحد كبار مسؤولي الكرملين المعروف بمنشوراته الكئيبة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أبعد من ذلك.
كتب في إشارة إلى ألوان العلم الأوكراني أنَّ "الهستيريا ذات اللونين الأزرق والأصفر قد تسبّبت في إسهال شديد من الخوف من التجمد في منازلهم الباردة، والنظر من النوافذ المغطاة بالصقيع إلى المصانع غير العاملة".
تعد أوروبا إلى حد بعيد أكبر سوق لتصدير الغاز الروسي، ويعتمد التكتل على جارته الشرقية في تدبير حوالي ثلث وارداته.
خفض الاستهلاك
وافقت دول الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء على خطة لخفض استخدام الغاز بنسبة 15% خلال الشتاء استعداداً لمزيد من الانقطاعات في الإمدادات.
قد يؤدي وقف تدفقات الغاز للاتحاد الأوروبي إلى خفض نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي؛ إذا كان الشتاء بارداً، ولم يتم تقليص الطلب، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
قال أندريه كورتونوف رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي الذي أسسه الكرملين: "في خضم ما يرقى إلى حرب اقتصادية شاملة بين روسيا والغرب، من الصعب أن نتوقَّع من أي من الجانبين الالتزام الصارم بالاتفاقات السابقة".
ضغوط سياسية
قال كورتونوف: "ليس من المحتمل أن تأمل روسيا جدياً أن تؤدي مشاكل الطاقة إلى تغيير موقف الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا".
"لكن من الناحية النظرية؛ من الممكن أن تؤدي الصعوبات الداخلية المتسارعة إلى إحداث تغييرات في الحكومات لدى عدد من الدول الأوروبية، وسيكون القادة الجدد أكثر تركيزاً على الشؤون الداخلية، وأقل تركيزاً على أوكرانيا".
توصل الاتحاد الأوروبي لاتفاق بعد يوم من إعلان شركة "غازبروم" أنَّها ستحد من التدفقات عبر "نورد ستريم" إلى 20% فقط من طاقته، حيث أشارت للحاجة إلى الصيانة الدورية لـ"توربين" يغذي خط الأنابيب بالغاز.
جاء ذلك في أعقاب مزاعم روسية بأنَّها لم تتلق الأوراق اللازمة لإعادة تركيب توربين آخر، والذي تمت إعادته من الصيانة في كندا بفضل الإعفاء الخاص من العقوبات.
المشكلات الفنية حقيقية، وفقاً لشخص مطلع على الوضع، لكن ما يزال بإمكان "غازبروم" شحن كميات أكبر عبر "نورد ستريم" عن طريق تأخير الصيانة المخطط لها لبعض التوربينات.
"غازبروم" تعلن القوة القاهرة على تدفق الغاز لأوروبا
مجازفة روسية
كما قال الشخص أيضاً إنَّ ذلك من شأنه أن يشكل مخاطر إضافية على عمليات خط الأنابيب، ولا ترى روسيا أي سبب للقيام بذلك في ضوء الموقف الأوروبي المتشدد تجاه أوكرانيا.
قالت أوكسانا أنتونينكو، مديرة شركة "كونترول ريسكس" (Control Risks) في لندن: "قد يأتي هذا التوجه بنتائج عكسية".
أوضحت أنَّ تصرفات روسيا ستسرّع تحركات الاتحاد الأوروبي للتنويع بعيداً عن الغاز الروسي، وتحرم الكرملين من سوق رئيسية لن يكون قادراً على استبدالها قريباً.
مع ارتفاع الأسعار؛ اتهم زعماء الاتحاد الأوروبي روسيا باستخدام الغاز كسلاح سياسي. ولكن بعد عقود من الاعتماد على الوقود الرخيص للتدفئة وتوليد الطاقة والصناعة؛ فإنَّ القارة لديها القليل من البدائل المتاحة بسهولة.
تنفي روسيا تسييس صادراتها من الوقود. كما أنَّ لديها خيارات قليلة سريعة لتحويل الإمدادات، إذ إنَّ الغالبية العظمى تمر عبر خطوط الأنابيب التي يستغرق تشييدها سنوات.
قفزت التدفقات إلى الصين هذا العام، لكنَّها ما زالت تتضاءل مقارنة بما كانت تشحنه روسيا إلى أوروبا.