متداولو السندات يثقون بقدرة "الفيدرالي" على كبح غول التضخم

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يعدّل نظارته خلال جلسة استماع أمام لجنة البنوك والإسكان والشؤون الحضرية بمجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة.  - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يعدّل نظارته خلال جلسة استماع أمام لجنة البنوك والإسكان والشؤون الحضرية بمجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تريد سوق السندات أن تصدّق بأن جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، سينجح في السيطرة على التضخم.

ومن غير الواضح متى قد يشهد الاقتصاد تباطؤاً فعلياً في مكاسب أسعار المستهلك، والتي تمضي حالياً بأسرع وتيرة منذ أربعة عقود.

ولكن في ظل استعداد المستثمرين للزيادة المقبلة للفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء، تشير إجراءات سوق السندات إلى أن توقعات المتداولين حيال التضخم قد تقلّصت وعادت إلى ما كانت عليه في فبراير الماضي، قبل الحرب الروسية الأوكرانية التي أدّت إلى صعود أسعار السلع الأساسية وتفاقم مشكلات سلسلة التوريد العالمية. وقد شجّع هذا أيضاً المستثمرين على المراهنة على أن الاحتياطي الفيدرالي قد يُنهي زيادات أسعار الفائدة في وقت مبكر وبمستوى أقل مما كان يُعتقد سابقاً.

هبط المؤشر الرئيسي لتوقعات المستثمرين بشأن التضخم، والمعروف باسم معدل التعادل لخمس سنوات والآجل لخمس سنوات، يوم الخميس ليصل إلى 2.02%، وهو أقل بقليل من المستوى الذي كان عليه في الثامن عشر من فبراير الماضي وأدنى مستوى إغلاق منذ أوائل عام 2021. وبينما ارتفع المؤشر يوم الجمعة الماضي، كان المؤشر أقل بكثير من مستوى 2.57% الذي وصل إليه مجدّداً في أبريل وأقرب بكثير من معدل 2% الذي يحاول البنك المركزي الأميركي ترسيخ السياسة حوله.

عوامل خارج السيطرة

قال جو بويل، مدير منتجات الدخل الثابت في "هارتفورد فندز" (Hartford Funds) والذي يشرف على أصول بـ148 مليار دولار: "يصرّون حقاً على أنهم سيهتمون بالتضخم، وبينما توجد عوامل خارجة عن سيطرتهم، فإنك عندما تلقي نظرة أطول على مدى 5 و10 سنوات، تتبيّن ثقة السوق بأن التضخم أصبح تحت السيطرة".

يتمثّل جزء كبير من الصورة في القلق المتزايد من أن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً قد يؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي، والذي يميل إلى أن يكون له تأثير مضاد للتضخم. يقول بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه إنه واثق من قدرته على المضي على الخط الفاصل بين محاربة التضخم والركود، لكن الأسعار المتدنية للأسهم والمنحنيات العكسية لعوائد سوق الخزانة، والتي يعتبرها الكثيرون أنها تنذر بالانكماش الاقتصادي، تشير إلى أن المستثمرين غير مقتنعين بذلك.

كما أدّت الموجة الأخيرة للبيانات الاقتصادية الأميركية التي جاءت أضعف من المتوقع إلى إضافة زخم لتقارير الركود، والتي بدورها شجّعت مراقبي السوق على التراجع عن وجهة نظرهم حول وتيرة التشديد التي يمضي بها الاحتياطي الفيدرالي.

حفزت البيانات الساخنة لمؤشر أسعار المستهلك في وقت سابق من الشهر الجاري البعض على توقع زيادة كاملة بنقطة مئوية في سعر الفائدة الفيدرالية في اجتماع الأسبوع المقبل، بعد التحرك البالغ 75 نقطة أساس من يونيو الماضي. لكن هذه الدرجة من التشديد ثبت أنها لم تدم طويلاً نسبياً. وبحلول نهاية هذا الأسبوع، أدى التحول الهبوطي الجذري في أسعار الفائدة المُسبقة إلى أن المتداولين لا يراهنون على 75 نقطة أساس ليوم الأربعاء فحسب، ولكن يُنظر الآن إلى تحرك بمقدار 50 نقطة فقط على الأرجح في اجتماع سبتمبر المقبل.

في أعقاب كل هذه التحركات، يرى المتداولون الآن زيادات في مؤشر الاحتياطي الفيدرالي تحوم بالقرب من مستوى 3.3% بدلاً من المستوى الذي يزيد عن 4% الذي كان واضحاً في السابق، بينما يصل إلى الذروة عند نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل بدلاً من التوغل في عام 2023.

ارتياح

ساعد التراجع الأخير للارتفاعات الضمنية بالطبع في تغذية الارتداد الذي سُجّل يوم الجمعة في توقعات التضخم المستندة إلى السوق، ولكن من المحتمل أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي لديه شعور بالارتياح لأن المستثمرين يعبرون عن قدر من الثقة بأنه سيثبت موقفه في النهاية. وتعهد باول بالحيلولة من أن تترسخ مخاوف التضخم في أذهان الجمهور، وبإقناع الأسواق المالية بأنها جزء مهم من ذلك.

وفي الوقت نفسه، فإن المزاد الأخير لسندات الخزانة لأجل 10 سنوات والمفهرسة وفق مقياس أسعار المستهلك قد رسم أدنى نسبة عرض إلى تغطية منذ يوليو 2017، وهي إشارة محتملة إلى أن الطلب على التحوط من التضخم آخذ في التضاؤل.

لا يقتصر الأمر أيضاً على التوقعات طويلة المدى، حيث يكتسب الاحتياطي الفيدرالي قوة دفع، ولكن على النهاية الأقصر للمنحنى أيضاً. تراجع معدل التعادل لمدة عامين على سندات الخزانة المحمية من التضخم من أكثر من 4.9% في مارس إلى نحو 3.1%.

يقول غانغ هو، الشريك الإداري في "وينشور كابيتال بارتنرز" (Winshore Capital Partners)، إنه استناداً إلى حساباته فإن مقايضة التضخم تُظهر أن المستثمرين يتوقعون أن تعود الزيادة الشهرية في المؤشر الأساسي لأسعار المستهلك إلى اتجاهها السابق للوباء بنحو 0.2% بحلول نوفمبر. سيشكّل هذا تراجعاً دراماتيكياً من أعلى مستوى بلغ 0.7% في يونيو.

ليس الكل مقتنعاً بأن التضخم تحت السيطرة. ويقر مايك سيويل، مدير محفظة في شركة "تي. رو برايس" (T. Rowe Price) ، بأن حالة من الرضا الشديد تسود السوق.

وفي الواقع، فقد ثبت أن هذا هو الحال في الماضي. أشار المشاركون في السوق والمسؤولون في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الأخيرة إلى أن التضخم وصل الذروة أو اقترب منها، لكن ضغوط الأسعار أظهرت أنها ذات قاعدة عريضة ومستمرة.

اهتمام وثيق

أحد التدابير الرئيسية الجديرة بالمراقبة سيكون مقياس الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الذي يوليه الاحتياطي الفيدرالي اهتماماً وثيقاً. وهذا من المقرر أن نشهده بنهاية الأسبوع المقبل كجزء من تقرير الدخل والإنفاق الشخصي.

أضاف سيويل: "يأمل سوق السندات في حدوث انحسار سحري للتضخم لمساعدة بنك الاحتياطي الفيدرالي".

بالنسبة إلى المضاربين على ارتفاع السندات، فالأمر المختلف حالياً هو أن الاقتصاد يظهر المزيد من علامات التدهور. طلبات إعانة البطالة آخذة في الارتفاع، وثقة المستهلك تتراجع، وسوق الإسكان المحمومة تهدأ.

كما سيشهد الأسبوع المقبل تقديم الحكومة قراءتها الأولى للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني. بعد الانكماش الفعلي على أساس ربع سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، من المتوقع حالياً أن يتوسع الاقتصاد بشكل محدود في الفترة من أبريل إلى يونيو، على الرغم من عدم حدوث شيء قوي بشكل خاص. ومن المرجح أن يظهر التقرير، الذي يصدر بعد يوم واحد من قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي، نمواً ربع سنوي بـ0.4%، وفقاً لمتوسط ​​التقدير باستطلاع أجرته "بلومبرغ".

وفي الختام، فإن ضغوط الأسعار الناجمة عن نقص العرض تظهر قدراً من علامات التراجع. وتستقر أسعار السلع الأساسية، في حين انخفض مقياس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الخاص بضغوط سلسلة التوريد العالمية في يونيو إلى أدنى مستوى منذ مارس 2021.

قالت باربرا آن برنارد، مؤسسة صندوق التحوط "وينكريست كابيتال" ( Wincrest Capital): "السوق تتوقع أن تكون هذه هي ذروة التضخم، مع تركيز المخاوف حالياً بشأن حدوث الركود".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك