كشف تحقيق موسّع أجرته الجهات التنظيمية ارتكاب الشريك الهندي لشركة "شرودرز"، والذي يعتبر أحد أكبر مديري الأصول في الهند، انتهاكات قد تُعرّض صناعة صناديق الاستثمار المشتركة في البلاد التي يقدّر حجمها بـ465 مليار دولار، لهزة كبيرة.
في مايو الماضي، أقالت شركة "أكسيس أسيت مانجمنت" (Axis Asset Management)، وهي سابع أكبر شركة لإدارة صناديق الاستثمار في الهند، ومملوكة جزئياً لشركة "شرودرز"، اثنين من موظفيها، من بينهما كبير وسطاء التداول، في إطار تحقيق داخلي ما زال جارياً حتى الآن.
اقرأ أيضاً: جهات تنظيمية تحقق مع الشريك الهندي في شركة إدارة الثروة العالمية "شرودرز"
قدّمت الشركة في مطلع يوليو، نتائج التحقيق إلى الجهات التنظيمية، إذ قالت إنَّ هناك أدلة على احتمال انتهاك المديرَين التنفيذيَين اللذين أنهت خدماتهما، لقانون الأوراق المالية. في الوقت ذاته، كان "مجلس الأوراق المالية والبورصة" في الهند يجري تحقيقاته الخاصة بشأن احتمال وجود تداولات استباقية يقوم بها الرجلان، وفق ما قاله شخص مُطلع على تحقيق الهيئة، طلب عدم الكشف عن هويته لأنَّه يناقش معلومات خاصة.
اقرأ المزيد: شركة عملاقة للتحويلات المالية في الهند تخطط لنظام يضاهي "سويفت" لخدمة المغتربين
التداول الاستباقي، هو تداول أسهم عن طريق شخص على دراية بمعلومات عن صفقة كبيرة على وشك الإعلان عنها، من شأنها أن تحرك الأسعار. قال الشخص المطلع، إنَّ تلك الممارسات تعتبر غير قانونية في الهند، مضيفاً أنَّ الجهة التنظيمية للسوق أجرت عمليات بحث ومصادرة واسعة في مكاتب ومساكن المديرين التنفيذيين لشركة "أكسيس أسيت مانجمنت"، وغيرهما من المتداولين ووسطاء تداول الأسهم. وأشار إلى أنَّ تحقيقات الجهة التنظيمية شملت 30 موقعاً في مدن مختلفة عقب تلقي تنبيهات وبيانات رقابية من البورصة بشأن الاشتباه في التداولات الاستباقية لصندوق "أكسيس" الاستثماري من قبل أطراف معينة.
اقرأ أيضاً: بينها أبوظبي.. صناديق سيادية تتأهب للاستثمار في مؤسسة الهند للتأمين على الحياة
كشفت مقابلات مع 9 أشخاص مطلعين على التحقيقات، كيف أنَّ الطفرة التي شهدها قطاع الاستثمار في الهند خلال فترة الوباء، قد تجعل عملية إدارة تداعيات هذا النمو الهائل أمراً صعباً على المديرين التنفيذيين وعلى الجهات التنظيمية أيضاً.
يذكر أنَّ شركة الاستثمار البريطانية العملاقة، "شرودرز"، تمتلك حصة تبلغ 25% في "أكسيس أسيت مانجمنت"، فيما يمتلك "أكسيس بنك" (Axis Bank) النسبة المتبقية.
انسحاب الشركات
قال شخص آخر مطلع على الأمر، طلب عدم ذكر اسمه لأنَّه غير مخول بالتحدث علناً عن الموضوع، إنَّ بعض الشركات سحبت أموالاً من صناديق الشركة الهندية عقب ظهور هذه الادعاءات. لم يرد صندوق الاستثمار المشترك "أكسيس" على الاستفسارات بشأن عمليات سحب الشركات للأموال، لكنَّه أكد في بيان أنَّ الشركة اتبعت الإرشادات التنظيمية في كل الأوقات، وأنَّها تعتقد أنَّ سلوك الأفراد المعنيين ليس له أي تأثير على السيولة أو على عمليات الشركة. ولم ترد "شرودرز" وكذلك "أكسيس بنك" على رسائل البريد الإلكتروني التي طلبت التعليق.
اقرأ المزيد: أسهم "باي تي أم" الهندية تنهار بعد فرض قيود على وحدتها للمدفوعات
رفع فيريش جوشي، رئيس وسطاء التداول سابقاً، دعوى قضائية اتهم فيها الشركة بإنهاء خدماته تعسفياً، مطالباً بدفع 542.6 مليون روبية، بحسب ما قالت الشركة القانونية التي تمثله "مانسوكلال هيرالال آند كو" (Mansukhlal Hiralal & Co) في رسالة بالبريد الإلكتروني. أما الموظف الآخر، واسمه ديباك أغراوال، وفق ما جاء في تحقيق الشركة، فقد تعذّر الاتصال به عبر الاتصال المباشر والرسائل النصية على رقم الهاتف الخلوي الذي يُعتقد بأنَّه كان يستخدمه، كما لم تتمكن "بلومبرغ" من الحصول على أي بيانات اتصال أخرى له، أو أي ممثلين عنه قد يكون وظّفهم.
توسّع التدقيق
في الوقت ذاته، يتوقَّع الخبراء القانونيون مزيداً من التدقيق في كل قطاع الصناديق الاستثمارية في الهند.
قال سوميت أغراوال، مؤسس "ريغستريت لو أدفيزورز" (Regstreet Law Advisors)، والمستشار القانوني السابق للجهة التنظيمية للسوق: "نطاق القضية الذي تُحقق فيه الجهة التنظيمية، يجعلنا نعتقد أنَّ مجلس الأوراق المالية والبورصة جاد في الاستجابة لتلك الأعمال، إذ نتوقَّع سرعة في التحقيق واتخاذ الإجراءاءت بما قد يؤدي إلى إصدار لوائح أكثر صرامة تُنظم عمل مديري الصناديق".
توقَّع أغراوال أن يكون هناك تدقيق متزايد في الحسابات المصرفية والإقرارات الضريبية لمديري الصناديق ووسطاء التداول وأقاربهم المباشرين في المستقبل.
وفرت الصناديق الاستثمارية، التي تتراوح مخاطر الاستثمار فيها بين تداول الأسهم عالية المخاطر والودائع المصرفية منخفضة العائد، عروضاً جذابة للمستثمرين الشباب في الهند، وكذلك للمستثمرين الأكبر سناً الذين يتجنبون المخاطرة. ونما هذا القطاع بنحو 5 أضعاف خلال العقد الماضي، ليصل إجمالي الأصول إلى ما يزيد على 37 تريليون روبية (465 مليار دولار) بنهاية يونيو الماضي، وفقاً لاتحاد الصناديق الاستثمارية في الهند.
اقرأ أيضاً: صندوقا الثروة النرويجي والسنغافوري يستثمران بأكبر اكتتاب عام في الهند
سجلت استثمارات الأسهم من خلال الصناديق صافي شراء للشهر السادس عشر على التوالي خلال يونيو الماضي، برغم مخاوف تذبذب سوق الأسهم نتيجة ارتفاع التضخم وتشديد السياسة النقدية.
غرف التداولات
انضم صندوق الاستثمار المشترك "أكسيس" إلى قطاع الصناديق الاستثمارية، وأعلن عن خطته الاستثمارية الأولى في عام 2009، ووصل حجم الأصول لديه إلى 2.5 تريليون روبية (نحو 32 مليار دولار) بنهاية يونيو من ذلك العام. وكان جوشي، من أوائل الأعضاء المنضمين إلى فريق عمل الصندوق في بداياته.
مع مرور السنوات التي تلت إطلاق الصندوق؛ ترقى جوشي في الشركة، وأصبح رئيساً لوسطاء التداول، والمُشرف على عمليات التداول في 2019. وشارك جوشي في تنفيذ الصفقات في غرفة التداولات ذات الجدران الزجاجية في الطابق الأول من مكاتب الشركة، إلى حين تفشي الوباء عام 2020، والذي أجبر معظم أعضاء الفريق على العمل من المنزل.
تُمثل غرف التداولات لدى الصناديق الاستثمارية، مساحات خاضعة للرقابة الصارمة، وهي مُجهزة بشكل يسمح بتسجيل كل نشاط يجري في داخلها. تحتوي غرفة التداولات في صندوق "أكسيس" على كاميرات مراقبة لكل الأنشطة، كما يتم تسجيل مكالمات خطوط الهاتف المكتبي، بينما يُحظر استخدام الهواتف المحمولة فيها.
ثغرات الامتثال
لم يُكشف عن أي معلومات بشأن ما إذا كان جوشي قد عمل من المنزل خلال فترة الوباء، أو من داخل غرف التداول. لكن في يناير الماضي، أبلغ مشاركون آخرون في السوق إدارة الشركة بشكل غير رسمي، عن شبهات في التعاملات التي نفذها جوشي، وفقاً لشخصين مطلعين على تطورات القضية، طلبا عدم الكشف عن هوياتهما أثناء مناقشة تفاصيل سرية. وقالا إنَّ هناك غيابات غير مبررة لجوشي خلال ساعات التداول.
قررت الشركة التحقيق في الأمر، وطلبت من "ألفاريز آند مارشال" (Alvarez & Marsal) المساعدة. في مطلع مايو الماضي، قال صندوق "أكسيس" إنَّه أوقف جوشي ومدير الصندوق الآخر، ديباك أغراوال، عن العمل، لحين الانتهاء من التحقيق الداخلي بشأن مخالفات مُحتملة.
بعد فترة وجيزة، قال أشخاص مطلعون على الأمر لـ"بلومبرغ"، إنَّ "مجلس الأوراق المالية والبورصة" حقق في تورطهما بتداولات استباقية.
كبش فداء
قال شيراغ شاه، المحامي في مكتب المحاماة الذي يمثل جوشي، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نعتقد أنَّ موكلنا أصبح كبش فداء، وأنَّ إنهاء خدماته أمر خاطئ وغير قانوني، فقد حُرم من أبسط مبادئ العدالة. وعندما كتبنا إلى صندوق (أكسيس) لإخبارنا بشأن التكلفة، أو ما إذا كان هناك قرار قضائي؛ لم يقدموا لنا شيئاً".
أشار مكتب المحاماة أيضاً إلى أنَّ شركة إدارة الأصول لم تتخذ أي إجراء بشأن العديد من الشكاوى التي قدّمها جوشي، عندما شهد ارتفاعاً في الأسعار قبل أن يتمكن من تنفيذ أوامر التداول التي تلقاها.
اقرأ أيضاً: دليلك للربح بالسوق الهندية في ظل أكبر رفع للفائدة تشهده آسيا
في رد عبر البريد الإلكتروني، قال صندوق الاستثمار المشترك "أكسيس" إنَّ شركة إدارة الصندوق سوف ترد على ادعاءات جوشي في الدعوى أمام المحكمة. وقالت الشركة في ردها: "لدينا نتائج أكثر من كافية تتعلق بانتهاكات سياساتنا، من بينها عدم التعاون مع التحقيق الداخلي الخاص بنا (خلال فترة وقفه عن العمل)، كما أنَّ لدينا أسباباً قوية للاعتقاد بوقوع انتهاكات جسيمة ومستمرة لقوانين الأوراق المالية".
قواعد أشد صرامة
أثار التحقيق تساؤلات بشأن ثغرات الامتثال المحتملة والممارسات المتبعة خلال فرض قيود "كوفيد-19" على مدى العامين الماضيين، عندما سجلت مؤشرات الأسهم الرئيسية ارتفاعات عدة، فقد تزامن ذلك مع محاولة رئيسة "مجلس الأوراق المالية والبورصة" الجديدة، مادابي بوري بوخ، اتخاذ إجراءات صارمة ضد مخالفات السوق، في الوقت ذاته الذي اجتذبت فيه صناديق الاستثمار مليارات الدولارات من التدفقات الداخلة للسوق.
في أواخر شهر مايو، أرسلت جهة تنظيم السوق تعميماً إلى شركات السمسرة، وشركات إدارة صناديق الاستثمار، تلغي فيه المرونة المتعلقة بالعمل من المنزل للموظفين، الذين يتولون وظائف مهمة مرتبطة بالاستثمارات، والامتثال، وإدارة المخاطر، والوسطاء، ممن اطلعوا على التعميم، ولا يُسمح لهم بالتحدث أو التعليق كتابة. كما لم يرد "مجلس الأوراق المالية والبورصة" على رسالة بريد إلكتروني طلباً للتعليق.
في غضون ذلك، أثار بعض المحللين مخاوف بشأن التداعيات المحتملة على شركة "أكسيس أسيت مانجمنت".
أوصت منصة الأبحاث المالية للمستثمرين الأفراد، "برايم إنفستور دوت إن" (Primeinvestor.in)، بالتخارج من صندوق الاستثمار في الأسهم ذي رأس المال الصغير للشركة، كما وضعت صندوقي الأسهم اللذين يتمتعان برأسمال متوسط، ورأسمال مرن قيد المراجعة. وأرجعت ذلك جزئياً إلى مخاوف بشأن عمليات الاسترداد بسبب التحقيق، بالإضافة إلى تحديات أخرى، مثل ضعف التدفقات بسبب تذبذب السوق. لم يرد مسؤولو العلاقات الإعلامية في "أكسيس" على طلب للتعليق بشأن توصيات شركة الأبحاث.
قالت فيديا بالا، رئيسة البحوث والشريكة المؤسسة في "برايم إنفستور دوت إن": "ما زلنا قلقين بشأن ما إذا كان ذلك الاتهام سيتحول إلى قضية حوكمة متكاملة للشركات. حتى الآن، لم يتضح بعد مدى عمق المشكلة وحجم التداعيات، لكن في مثل هذا النوع من الاتهامات الخطيرة، دائماً ما تأتي أحداث عديدة لاحقاً تُلحق الضرر بحيازات المستثمرين قبل حل المشكلة".