قد يُصاب مستثمرو السلع المُتطلّعون إلى الصين لتغيير اتجاه الهبوط الحاد في أسواق المعادن العالمية بخيبة أمل، نتيجة لعدم قدرة بكين على تقديم هذا النوع من الاستثمار الباهظ الذي دعم الأسواق الصاعدة سابقاً.
تدرس السلطات خطة للسماح للحكومات المحلية ببيع سندات خاصة بقيمة 1.5 تريليون يوان (220 مليار دولار) في النصف الثاني، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. ساعد هذا التعزيز المحتمل للإنفاق على البنية التحتية السلع في تعويض بعض خسائرها الحادة خلال الأسابيع الأخيرة.
لعبت موجات التحفيز الصينية السابقة دوراً في إنقاذ السلع الصناعية من ركود الطلب العالمي بعد الأزمة المالية لعام 2008، ومن أواخر عام 2015، وحتى في عام 2020. لكن الكثير من الحذر يسود الموقف هذه المرة. يُرجّح أن تُستخدم الأموال الإضافية في سد فجوات الميزانية خلال عصر كوفيد ولكنها لن تعالج المشكلة الأكبر التي يواجهها الطلب على المعادن والمتعلقة بسوق العقارات الضعيفة واستمرار معاناة قطاع التصنيع.
في مقابلة عبر الهاتف، توقّعت كارولين باين، كبيرة اقتصاديي السلع لدى "كابيتال إيكونوميكس" أن ينتعش الاقتصاد الصيني ولكن بشكل متواضع في النصف الثاني. وقالت "قد يكون هذا أكثر إيجابية بالنسبة للمعادن ولكننا لا نرى أن الصين ستكون قادرة على إطلاق شرارة صعود جديد.".
سجّلت المعادن الأساسية أسوأ ربع سنوي لها منذ عام 2008 في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، وزاد التراجع في شهر يوليو. انخفض النحاس لمدة قصيرة إلى ما يقل عن 7500 دولار للطن في التعاملات اليومية، الأسبوع الماضي، وهو الأدنى منذ أواخر عام 2020، وقد هبط بنحو 29% عن المستوى القياسي المُسجّل في شهر مارس. كما انخفض خام الحديد بما يقارب الثلث عن أعلى مستوى له هذا العام، فما هبط الألمنيوم بنسبة 41%.
يرى بنك "غولدمان ساكس غروب" إمكانية إيقاف سياسات الصين لهبوط سوق المعادن في نهاية الأمر ولكن هناك حذر عام بشأن احتمالات الطلب في بلاد تُمثِّل نحو نصف الاستهلاك العالمي لكل شيء بدءاً من الزنك إلى الألمنيوم. في نفس الوقت، تقول "وود ماكنزي" للأبحاث" إن الطلب الصيني على النحاس سيُحقّق حجماً ضعيفاً من النمو هذا العام.
تحدي النمو
قالت فان روي، المحللة لدى "غيو يوان فيتشيرز" (Guoyuan Futures): "لم نر حتى الآن ارتفاعاً في الطلب الذي كان من المفترض أن نراه بعد عمليات إغلاق كوفيد. لم يشترِ المستخدمون في المراحل النهائية النحاس مطلقاً وسط تراجع الأسعار، وهذا يؤشر إلى توقعاتهم بشأن المزيد من الانخفاضات".
تمرّ الصين بالعديد من المعوّقات. ما يزال يعاني قطاع العقارات من ركود طويل، وتسود حالة من الشك حجم الإنفاق على البنية التحتية، ويعاني الطلب على الصادرات بشدة. قد ينكمش الاقتصاد في الربع الثاني، وسيؤدي التفشي المتكرر للفيروس إلى صعوبة تحقّق هدف نمو الرئيس الصيني شي جين بينغ البالغ 5.5% هذا العام أكثر من أي وقت مضى.
تشهد الصين حتى الآن انتشاراً متقطعاً لكوفيد-19 وأدى ارتفاع الحالات في شنغهاي إلى إجراء المزيد من جولات الاختبارات الجماعية في المركز المالي. كما يُعتبر ظهور السلالات الفرعية الجديدة تحدياً دائماً لسياسة عدم التهاون المطلق مع الفيروس في البلاد.
أمر الرئيس شي ببذل كافة المجهودات لتعزيز البنية التحتية في وقت سابق من هذا العام. ستضيف خطة السندات الحكومية المحلية التي تدرسها وزارة المالية إلى المبلغ المخصص بقيمة 1.1 تريليون يوان لدعم البنية التحتية المُعلن عنها في الأسابيع الأخيرة.
لا ارتداد
قال شو شيانغتشون، المحلل لدى شركة الأبحاث "ماي ستيل" (Mysteel) عبر الهاتف: "سيكون حجم وتأثير المبالغ التحفيزية هذا العام أضعف من سابقاتها لأننا نعتمد في هذه الجولة على الإنفاق على البنية التحتية فقط. وقطاع العقارات في صدد الوصول إلى القاع وليس من المتوقع أن يكون هناك ارتداد في السياسات".
هذا تحوّل كبير عن دورات النمو السابقة التي اعتمدت كثيراً على التدفقات الائتمانية لإيصال سوق العقارات لمرحلة السخونة. يُعدّ القطاع حيوياً لتوليد الثروة للمستهلكين، وليس أنشطة البناء فقط، من أجل الإنفاق على السلع كثيفة المعادن مثل السيارات والسلع الاستهلاكية.
بلغت دورة العقارات الصينية الأخيرة ذروتها في النصف الأول من عام 2021 وسط التحرك الحكومي لتخليصه من المديونية التي أضرت به. أنهى ذلك أيضاً طفرة غير مسبوقة في صناعة الصلب والتي لم تتعاف منها السوق حتى الآن.
إلا أن هناك بعض المؤشرات على تراجع مشاكل العقارات مثل انتعاش معاملات الأراضي ومبيعات المساكن في شهر يونيو. لكن رئيس شركة البناء الثانية في الصين حذّر من بطء التعافي. تبقى قضايا الديون كذلك مشكلة في القطاع.
كما يختلف نوع البنية التحتية المطروحة عن سابقه، حيث تقل كثافة استخدام المواد في الحوسبة السحابية وشبكات الجيل الخامس ومراكز البيانات عن المطارات والجسور والسكك الحديدية عالية السرعة التي سيطرت على الدورات السابقة.
انخفاض الأسعار
أبدى بعض المحللين آراء أكثر تفاؤلاً، إذ يتوقع بنك "غولدمان ساكس" بدء ارتفاع الطلب الذي تقوده السياسات خلال هذا الربع، ما يساعد على جذب المعادن من بقية العالم ودفع الأسعار إلى الأعلى ثانية. أشارت توقعات البنك الأخيرة إلى وصول النحاس إلى 10500 دولار في نهاية العام. وهبط المعدن، يوم الإثنين، بحوالي 2% إلى 7650.50 دولار للطن في بورصة لندن للمعادن في تمام الساعة 8:05 صباحاً بالتوقيت المحلي.
في غضون ذلك، قال "سيتي بنك" إنه حذّر حيال النحاس "وسط طرح الإجراءات التحفيزية في الوقت المناسب والحاسم" بما يزيد عن تلك المعلنة فعلياً واللازمة لدعم الأسعار عند المستويات الأخيرة. قال البنك في مذكرة بحثية: "ستنخفض الأسعار بدون تلك الإجراءات".
حذّر صُنّاع الصلب في الصين، الذين أصيبوا بخيبة أمل بسبب ضعف الطلب حتى هذا الوقت من العام، من علامات الخطر كذلك، حيث دعا أحد المنتجين الرئيسيين إلى اجتماع، هذا الأسبوع، لمناقشة الاستجابة للانكماش السريع في القطاع، منذراً بأزمة ستستمر لخمس سنوات.