قيّدت الهند صادراتها من النفط ووارداتها من الذهب، في محاولة شاملة للحدّ من العجز المتزايد، بسبب تراجع الروبية الهندية التي وصلت إلى مستويات قياسية. وجاء ذلك على خلفية هروب المستثمرين الذين عانوا من موجات البيع العنيفة التي ضربت الأسواق الناشئة على مدار الأشهر الستة الماضية.
رفعت الحكومة ضرائب استيراد الذهب، بينما فرضت المزيد من الرسوم على صادرات البنزين والديزل، في الوقت الذي تسعى فيه للسيطرة على تزايد فجوة الحساب الجاري. وسط هذه الإجراءات، هبطت أسهم مجموعة "ريلاينس إندستريز" وغيرها من الشركات المصدّرة للنفط، ما أدّى إلى انخفاض المؤشر القياسي بنسبة تصل إلى 1.7%. لتهبط بالتالي الروبية الهندية من جديد.
تسلط هذه الإجراءات الضوء على الضغوط المتزايدة التي تعاني منها الاقتصادات الناشئة، لا سيما تلك التي لديها عجز في كلٍّ من الحساب الجاري والمالي، على عملاتها حيث إن الزيادات القوية في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي تزيد من التدفقات الخارجة.
هبوط متتالٍ
في هذا السياق، سجّلت عملة الهند سلسلة من القيعان القياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من امتلاك الدولة رابع أكبر احتياطي في العالم. من جانب آخر، انخفضت الروبية الإندونيسية، وهي العملة الأخرى ذات العوائد المرتفعة في آسيا، إلى أدنى مستوياتها في عامين اليوم الجمعة.
يواجه صانعو السياسات في العديد من الأسواق الناشئة خيارات صعبة أثناء مكافحتهم التضخم المرتفع وهروب رأس المال مع تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته: مثل رفع أسعار الفائدة والمخاطرة بالإضرار بالنمو ، أو إنفاق الاحتياطيات التي استغرق بناؤها سنوات للدفاع عن العملات، أو ببساطة الابتعاد وترك السوق تحدد مسارها.
تسلّط الخطوة التي اتخذتها الهند الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجهها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع تسارع التضخم في أكبر سادس اقتصاد في العالم، وتدهور التمويل الخارجي. كما يكافح البنك المركزي للحدّ من تراجع قيمة العملة. حيث سيؤدي انخفاض قيمة الروبية بدورهِ إلى تفاقم ضغوط الأسعار، وقد يحفّز على المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة التي تؤثر على النمو.
قال مادهافي أرورا، كبير الاقتصاديين في "إمكاي غلوبال فاينانشيال سرفيسز" (Emkay Global Financial Services) إن الإجراءات "تهدف إلى تقليل الضغط الوشيك على عجز الحساب الجاري وبالتالي على العملة"، وأضاف :"تحقيق التكامل بين جهود السياسة المالية والنقدية يعكس بشكل أساسي الألم الذي يلوح في الأفق على عجز ميزان المدفوعات هذا العام".
بينما يسعى بنك الاحتياطي الهندي لتخفيف انخفاض الروبية البالغ 6% هذا العام، أبلغت البنوك عن نقص في الدولار في ظل تسارع المستثمرين والشركات لمبادلة الروبية بأصول أخرى أو لدفع ثمن الواردات. قالت وزارة المالية يوم الجمعة إن الإجراءات الأخيرة كانت مدفوعة بزيادة مفاجئة في واردات الذهب في مايو ويونيو.
ضغوط السلع
رفعت الحكومة يوم الجمعة رسوم استيراد الذهب إلى 12.5%، بعد أن عمدت إلى خفضها خلال العام الماضي. وقد أدّى رفع الضرائب على تصدير البنزين والديزل إلى انخفاض أسهم شركة "ريلاينس إندستريز" بنسبة تصل إلى 8.7%.
الهند هي ثاني أكبر مستهلك للذهب في العالم، وارتفعت العقود الآجلة المحلية بنسبة 3% في مومباي، مسجلة أكبر ارتفاع خلال يوم منذ قرابة أربعة أشهر ، بسبب صعود تكاليف الاستيراد.
قالت وزيرة المالية نيرمالا سيترامان يوم الجمعة إن الهند تسعى إلى تثبيط واردات الذهب لأنها تساعد في الحفاظ على النقد الأجنبي. وأضافت أن "الأوقات غير العادية" تتطلب مثل هذه الإجراءات، بما في ذلك فرض ضريبة غير متوقعة على صادرات الوقود.
من جهته، أوضح راهول باجويرا، كبير الاقتصاديين في بنك "باركليز بي إل سي" أن التحديات الراهنة نابعة من نفس المصدر، وهو ارتفاع أسعار السلع الأساسية. مُشيراً إلى عدم قدرة الهند على العثور على إمداداتٍ في البر وليس بإمكانها خفض استهلاكها من النفط. وهذا ما يجعل الوضع برمّته أكثر غموضاً سواء من حيث كيفية الخروج منه أو مدى استمراره.
وبالنسبة لسوق الوقود الأوسع نطاقاً، فإن قرار الهند بفرض المزيد من الضرائب على صادرات النفط قد يزيد من تشديد إمدادات الوقود في الأسواق التي تكافح بالفعل من انخفاض الامدادات الروسية وزيادة الطلب ما بعد الوباء.
احتياطي كبير
تسلط إجراءات يوم الجمعة الضوء على خوض البنك المركزي معركة صعبة على الجبهة الخارجية في الأشهر المقبلة. أشار شاكتيكانتا داس، محافظ بنك الاحتياطي الهندي إلى اعتماد البنك المركزي نهجاً متعدد الجوانب للحدّ من تدفقات الدولار الخارجة ولن يسمح بتدهور قيمة الروبية.
وبينما يتابع المستثمرون ضغوط الأسواق الناشئة وصراع سريلانكا مع أزمة الدولار التي أدت إلى التضخم المفرط، يمتلك بنك الاحتياطي الهندي ما يقرب من 600 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. لكن هذه الاحتياطيات آخذة في النضوب مع تصعيد البنك المركزي معركته لوقف تراجع الروبية وسط تدفقات رأس المال الخارجة وفجوة الحساب الجاري التي من المتوقع أن تتضاعف هذا العام.
قال أرفيند شاري، كبير مسؤولي الاستثمار في "كوانت أدفيسورز" (Quant Advisors) في مومباي: "يجب أن يتوقع المستثمرون استمرار انخفاض قيمة العملة". وأضاف: "هل سيؤثر فرض المزيد من الضرائب على الصادرات على نشاط الشركات؟ ربما ليس على المدى القصير، ولكن يمكن أن يحدث على المدى المتوسط إلى الطويل".