دبي.. سويسرا الجديدة لتجّار السلع الروسية

سوق دبي المالي، عام 2020 - المصدر: بلومبرغ
سوق دبي المالي، عام 2020 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يسارع تجّار السلع الروسية نحو تأسيس شركات في دبي، في محاولة للتغلب على الحواجز المتزايدة التي تفرضها سويسرا على التعامل مع موسكو.

وتُعدّ سويسرا على مدى عقود موطناً لوسطاء يعملون كحلقة وصل بين المنتجين الروس والمشترين من حول العالم، إلا أن تصعيد العقوبات في الآونة الأخيرة حفّز الهجرة إلى الإمارة المطلة على الخليج العربي.

في هذا الصدد، بدأ أكبر ثلاثة منتجين للنفط في روسيا دراسة فكرة نقل أعمالهم التجارية إلى دبي، فيما انتقلت شركات أخرى عديدة بالفعل إلى هناك. وبالنسبة لسويسرا، يبدو أن نوعاً من الهجرة الجماعية منها، أمراً لا مفر منه بعد أن اتبعت خطوات الاتحاد الأوروبي وحظرت الصادرات القادمة من روسيا.

تعليقاً على ذلك، قال ووتر جاكوبس، مدير مركز "إيراسموس" للسلع والتجارة في جامعة "إيراسموس" في روتردام: "التجارة ستستمر، وستكسب الدول الشرقية والشرق أوسطية أهمية أكبر من تلك التي تتبنى الموقف الأوروبي حتى الآن فيما يخص أعمال السلع".

وكانت العقوبات المتزايدة تدريجياً سبباً في تصعيب التجارة على الشركات الحكومية في روسيا، بما فيها تلك التي تنقل سلع البلاد. كذلك شكلت العقوبات غير الرسمية داخلياً في روسيا مشكلة أيضاً، حيث أوقفت البنوك خطوط التمويل الهامة للصفقات، بينما أوقفت شركات الشحن والتأمين خدماتها. وأتاحت هذه الأمور الفرصة أمام دبي، التي لم تفرض عقوبات على الأفراد والكيانات الروسية، ما زاد من حدة المنافسة التي تواجهها سويسرا بالفعل باعتبارها مركز هام لتجارة السلع العالمية.

العقوبات السويسرية

بالرغم من أن سويسرا تدعّي الحياد وترفض نقل أسلحتها إلى منطقة الصراع، إلا أنها اتبعت الاتحاد الأوروبي في فرض قيود صارمة بشكل متزايد على بعض السلع والبنوك والأفراد الذين يعتبرون مقربين من الكرملين.

وبحلول نهاية عام 2022، سيكون لدى الاتحاد الأوروبي قيود تحظر تأمين وتمويل نقل النفط الروسي إلى دول خارج الكتلة الأوربية، وقالت سويسرا إنها ستتبع نهجاً مماثلاً.

تعليقاً على الأمر، قال متحدث باسم أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية (SECO) عبر الهاتف: "أعلن المجلس الفيدرالي أنه سيفعل الشيء نفسه تماماً، بالتالي فإن هذه الخطوات جزء من العقوبات. الأمر نفسه حقاً، نحن نأخذ كافة قوانين الاتحاد الأوروبي وندرجها ضمن القانون السويسري".

وإذا تم سن تلك القوانين بالكامل، فإن التعامل مع النفط الروسي سيصبح على الأرجح أكثر صعوبة وسيضاف إلى الحظر المباشر الذي فرضته سويسرا على السمسرة والمبيعات وتقديم الخدمات المالية على الفحم الروسي في أبريل. وستساهم الأنظمة الجديدة أيضاً في انتقال بعض الشركات إلى أماكن أخرى.

عن ذلك، قال جاكوبس: "تجارة الطاقة بين روسيا والصين تتم عادةً من قبل دار تداول السلع في سويسرا وبدعم مالي من مصارف في لندن، فمن يريد فعل ذلك الآن؟ من المحتمل أن تنتقل الجماعات التي تقوم بذلك إلى دولة جديدة حتماً".

انتقال الشركات

توجّه مسؤولون تنفيذيون من شركة "روسنفت، وهي أكبر منتج للنفط في روسيا خلال مايو الماضي إلى دبي لاستكشاف فكرة إنشاء مشروع تجاري هناك. في غضون ذلك، تتطلع شركة "غازبروم نفط" وهي ثالث أكبر منتج للنفط في روسيا، إلى توسيع وجودها في الإمارة، بحسب مصادر مطلعة.

كذلك، تتطلع "ليتاسكو" (Litasco)، وهي ذراع المبيعات والتجارة لعملاق الطاقة الروسية "لوك أويل" (Lukoil)، ثاني أكبر منتج للنفط في روسيا، لنقل بعض موظفي التجارة والعمليات الروس من جنيف إلى دبي استعداداً لجعلها المركز الرئيسي الجديد للشركة والتركيز على عدد صغير من التجّار المتواجدين هناك بالفعل.

بينما افتتحت شركة "سولاريس كوموديتيز" (Solaris)، وهي شركة لتداول الحبوب الروسية وأحد الأطراف القوية الأخرى في جنيف، مكتباً لها في دبي مؤخراً، بحسب مصدر مطلع رفض ذكر اسمه نظراً لسرية المعلومات.

ورغم أن العقوبات المفروضة على روسيا لا تشمل المنتجات الزراعية، إلا أن "سولاريس" وجدت صعوبة في الحصول على التمويل نظراً لابتعاد البنوك السويسرية عن السلع الروسية، سواء كانت تخضع لعقوبات أم لا، على حد قول المصدر.

تضرر أيضاً التمويل الموجه لتجّار السلع، حيث تدخلت البنوك الروسية لإقراض الشركات، مع قيام بنوك، مثل "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas) و "إيه بي إن أمرو" (ABN Amro)، بخفض التمويل أو الانسحاب من القطاع تماماً. وكان بنك "سبيربنك" (Sberbank)، الذي أُضيف مؤخراً إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات، شهد تضاعف حجم تمويل تجارة السلع الأساسية في سويسرا العام الماضي، مع تدفق الأموال بشكل أساسي إلى قطاعات البتروكيماويات والمعادن والحبوب والأسمدة، لكن هذه التدفقات أصبحت باتت الآن مستحيلة.

في الوقت نفسه، تعاني مدن سويسرية أخرى من حالات الهجرة. إذ لطالما كانت مدينة زوغ مركزاً لتجارة السلع الأساسية بسبب ضرائبها المنخفضة للغاية، لكنها اكتسبت سمعة سيئة حول العالم في الثمانينيات بعد أن أصبحت ملاذاً من العدالة الأميركية للتاجر الأسطوري، مارك ريتش.

وتتطلع شركات السلع هناك أيضاً للتوجّه نحو الشرق الأوسط. حيث تخطط شركة "سويك" (Suek)، وهي مُسوّق حصري للفحم القادم من أكبر منتج في روسيا، وتتخذ من زوغ مقراً لها، إلى إنشاء شركة في دبي. وتعمل "يوروكيم" (EuroChem Group)، وهي أحد أكبر منتجي الأسمدة بالعالم وتتواجد غالبية أصولها بروسيا، أيضاً على إنشاء مشروع في دبي. وكلا الشركتين كانتا مملوكتين في السابق للملياردير، أندريه ميلينشينكو، واستمر ذلك حتى نشوب الحرب في أوكرانيا.

وقالت مصادر مطلعة إن العديد من الشركات الصغيرة في دبي ذات الصلة ببعض المؤسسات التجارية الكبرى تتطلّع أيضاً إلى الصفقات الروسية.

استراتيجية دبي

اجتذبت الإمارات العربية المتحدة الأثرياء الروس وأموالهم منذ غزو أوكرانيا، والآن تتبع الشركات الحكومية وشركات السلع الخاصة خطوات مماثلة.

وكانت الإمارات طورّت بنيتها التحتية المالية لهذا النوع من اللحظات، فضلاً عن أن بنوك الدولة نمت في الأعوام الأخيرة لتصبح دعامة أساسية في تمويل تجارة السلع، وهي تتمتع بسمة منتظمة في التسهيلات الائتمانية المتجددة والمجتمع والصادرة عن أكبر دور الصناعة. وثبت بالفعل وجود عدد كبير من مناطق التجارة الحرة في دبي وقربها من منتجي الطاقة في الشرق الأوسط، فضلاً عن أن الضرائب المنخفضة أثبتت أنها مغرية، حتى لو كانت المدينة ما زال لديها بعض الأمور لإتمامها حتى تصل إلى المراكز العالمية مثل سنغافورة ولندن وجنيف وستامفورد.

من جهة أخرى، استضاف مركز دبي للسلع المتعددة خلال العام الماضي حدثاً أُجري بالتعاون مع غرفة التجارة في موسكو بهدف جذب الشركات الروسية لإنشاء شركات هناك.

وقالت نجلاء القاسمي، مديرة الشؤون العالمية في مركز أبحاث "بوث" (B’huth) التي نقلت مقرها إلى دبي من جنيف: "برزت دبي كمركز عالمي حقيقي للسلع العالمية، فهي تتمتع بالبنية التحتية ووسائل النقل والخدمات المناسبة لدعم هذه الشركات".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك