"المركزي" البرازيلي يبدأ تغييراً ثورياً في مجال المدفوعات الفورية

There’s a free app for that - المصدر: بلومبرغ
There’s a free app for that - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في وقت سابق هذا العام وفي خضمّ مواجهة البرازيل لفيروس كورونا، تعرّضتُ لمشكلة تسريب في مطبخي، وكان الأصعب في الأمر هو كيفية إيجاد عامل صيانة مستعدّ لاستخدام وسائل النقل العامّ في ريو دي جانيرو من أجل مهمة عمل لمرة واحدة فقط، وفي منزل شخص غريب.

حالفني الحظ حينها لأجد أنطونيو، الذي كان يعمل سبّاكًا بدوام حُرّ، ويُعَدّ جزءًا من "اقتصاد الظلّ" الواسع الحضور في أمريكا اللاتينية، حيث يخطط الناس لحياتهم يومًا بيوم. ولكن لسوء الحظ، يفضّل معظم العمّال اليدويين في البرازيل التعامل النقديّ، وهو أمر يدعو للقلق، وكنت أرفضه تمامًا في أوقات كوفيد.

أداة دفع فورية جديدة

واتفقت مع أنطونيو أخيرًا على إجراء تحويل مصرفيّ، وبعد بضع نقرات عبر تطبيق على هاتفي ورسوم تحويل ضخمة، كنت قد حوّلت الأموال من حسابي إلى حسابه، أو كذلك ظننت، وبعد يومين، وأربع مكالمات هاتفية وعدّة رسائل نصية قلقة من أنطونيو، وصلت الأموال إليه أخيرًا.

ولحسن الحظ فإنّ تلك الأيام المفعمة بالقلق قد تكون معدودة، إذ يُنتظر أن يطلق البنك المركزي البرازيلي في نوفمبر أداة دفع فورية جديدة. هذه الأداة يُطلَق عليها "بيكس" (PIX)، وهي أداة تُبشّر بمعاملات خالية من المتاعب في غضون ثوانٍ لأيّ شخص مع هاتف محمول وحساب مصرفيّ، كما أنها مجّانية. وقد سجّل البنك بالفعل أكثر من 39 مليون طلب من عملاء محتملين لـ"بيكس"، سواء لشركات أو أفراد متحمّسين للحصول على الخدمة.

بنوك تجارية متطورة

منذ فترة طويلة، كان من المفترض حدوث تغييرات في البنوك البرازيلية، إذ يضمّ الاقتصاد البرازيلي المميز في أمريكا اللاتينية بعضًا من أكبر البنوك وأكثرها ربحية في العالم، إذ نجحت مجموعة من رجال المال البارعين في التغلب على التضخم المفرط واللعبة الوهمية لخطط الحكومة لتحقيق الاستقرار، وذلك من خلال تبنّيهم نهجًا حكيمًا في السوق وتشجيع الابتكار.

ومع ذلك، لا تزال هذه البنوك ذات العلامات التجارية المتطورة تقدّم عديدًا من خدماتها الرئيسية باتباع قواعد ساعات العمل العادية من القرن الماضي، وغالبًا ما تكون بأسعار ورسوم إقراض مرتفعة. ولذلك، فإنه من غير المستغرب أنّ نحو 45 مليون برازيليّ لا يملكون حسابًا مصرفيًّا، وما يزال 71 في المئة من المواطنين يفضّلون التعاملات النقدية.

من جهته، يقول باولو بيليك، الرئيس التنفيذي لشركة "Rio Bravo Investimentos"، وهي شركة لإدارة الأصول في مدينة ساو باولو: "لطالما هيمنت قلّة من اللاعبين الكبار على قطاع البنوك البرازيلي، وهم يتحكّمون في العميل وكأنه أسير فعليًّا".

وتعزيزًا لهذا النظام العتيق، جرى وضع قانون يقتضي إيداع رواتب 11.4 مليون موظف حكوميّ من الفئة ذات الأجور الجيدة نسبيًّا في بنوك لم يختاروها، فيما من المفترض أن يسهل النظام الجديد التحويلات من خلال جعل دفع الفواتير أبسط وأسرع وأرخص. ويوضح بيليك: "هذا مكسب للاقتصاد والاندماج الاجتماعي".

أكبر بنك رقميّ في العالم

واستشعارًا لهذه الفرصة، بدأت الجهات التنظيمية في الاستعداد منذ أوائل العقد الماضي لوقف الاحتكار المالي من خلال إعطاء الضوء الأخضر للبنوك الافتراضية، التي تبيع الحسابات المالية والادخار وبطاقات الائتمان والخصم عبر الإنترنت بشكل حصريّ وبتخفيضات كبيرة، ليرتفع الاستثمار في التكنولوجيا المالية في البرازيل منذ ذلك الحين من 52 مليون دولار في 2015 إلى 1.6 مليار دولار في 2019.

وتُعتبر البرازيل الآن موطنًا لأكبر بنك (رقميّ فقط) في العالم، هو "نوبنك" (Nubank)، وهو يخدم 20 مليون عميل محليًّا، وقد وسع نطاق خدماته ليشمل الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك.

منصّة المدفوعات الموحّدة

وتُعَدّ البرازيل في الواقع حديثة العهد نسبيًّا بالمدفوعات الرقمية الفورية، إذ سبقتها في ذلك عدة دول، منها كينيا التي أطلقت نظام "M-Pesa" الذي يخدم نحو 42 مليون مشترك عبر الهاتف المحمول في 2007، والهند التي أسَّست منصّة المدفوعات الموحّدة فيها قبل أربعة أعوام، التي سجّلت 1.62 مليار معاملة في شهر يونيو الماضي. كذلك تحوي الصين أكبر منافسين في مجال المحافظ المالية الرقمية، وهما شركتا "Alipay" و"WeChat Pay"، وتضمّنان أكثر من 2.2 مليار مستخدم نشط.

ومع ذلك، تتنافس هذه الشركات لأخذ جزءٍ ما من كل معاملة تتم، وبالمقابل فإنّ نظام "بيكس" المنتظَر في البرازيل سيكون للمنفعة العامّة، إذ يطلقه البنك المركزي في البلاد كخدمة مجانية. وتُعَدّ هذه المبادرة محاولة لوضع القواعد الأساسية (وربما القفز لمرحلة المنافسة لاحقًا) للاقتصاد البرازيلي المنعزل نسبيًّا، وذلك لتنظيم عمل الشركات الناشئة التي يهيمن عليها عمالقة دوليون وتقتحم السوق المحلية.

وفي يونيو قام البنك المركزي بسحب تصريح "WhatsApp Payments"، وهي أداة دفع عبر الهاتف المملوكة لشركة "فيسوك"، بعد أسبوع واحد من طرح نسختها البرازيلية.

أوضاع سياسة صعبة

في الأوضاع الصعبة للسياسة المحلية في البرازيل، يمثل البنك المركزي البرازيلي واحة نادرة من الاستمرارية المؤسسية، وقد ساعد بالفعل في تطوير سوق مالية أكثر شمولًا من خلال تجنُّب السياسة النقدية الشعبوية التي أبقت التضخم عاليًا والاقتراض عالي التكلفة، إذ سجّلت أسعار الفائدة الأساسية في البرازيل أدنى مستوياتها القياسية هذا العام.

وأدت الثقافة الرقمية المتزايدة في ظلّ وجود 150 مليون مستخدم للإنترنت، و250 مليون هاتف محمول في بلد يبلغ عدد سكانه 212 مليون نسمة، إلى زيادة الشهية العامّة للابتكار.

ويؤكد ما سبق كلاوديو لوسينا، المدير الفني للمعهد الوطني لحماية البيانات، ويقول: "المجتمع البرازيلي أقرب إلى الصين منه إلى الولايات المتحدة أو أوروبا. لدينا الملايين من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض والقدرة المحدودة للوصول إلى المعرفة السوقية، ولكن لديهم جميعًا هواتف محمولة. وبالنسبة إليهم، يشكّل خفض تكلفة الخدمات المصرفية حافزًا كبيرًا".

من جهتها فالبنوك القديمة بالطبع هي أقلّ حماسًا لهذا النظام، إذ ستفقد أرباحًا من رسوم نقل الأموال. وكانت قيمة أصول التحويلات المصرفية قد نمت بنسبة 31 في المئة منذ عام 2017، وفقًا لمؤسَّسة "موديز"، التي تقول إنّ البنوك يمكن أن تخسر ما يصل إلى 8 في المئة من أرباحها السنوية في التحويلات التقليدية لصالح مستخدمي "بيكس". وتتوقع شركة "Eleven Financial Research" لأبحاث السوق في ساو باولو أن تحقق البنوك مكاسب أقلّ بكثير عند نحو 1 في المئة من دخل الرسوم السنوية. ويضيف بيليك: "ربما كانت البنوك التقليدية تتمنى ألا تأتي (بيكس) أبدا".

ولكن في الواقع، لا يرجع القرار إليهم، إذ أمر البنك المركزي جميع المؤسسات المالية التي لديها أكثر من 500 ألف عميل بتزويد أصحاب الحسابات بخيار التسجيل في تطبيق الدفع دون رسوم.

وانضم المقرضون من جهة أخرى إلى زوبعة حالات إغلاق حسابات "بيكس" في شهر أكتوبر، إذ عملت مجموعة من عصابات المال في البرازيل على جذب المتبنّين الأوائل للتطبيق المجاني للكشف عن هُوِيّاتهم ومعلوماتهم المصرفية على مواقع الإنترنت.

ويقول كارلوس دالتوزو، رئيس أبحاث في شركة "Eleven Financial": "من المحتمل أن يكون طرح (بيكس) تدريجيًّا، وتأتي قضايا الأمان ومواجهة الاحتيال بين الاهتمامات الرئيسية".

ليس من المتوقع أن تحدث ثورة في الإنتاجية البرازيلية بسبب نظام المدفوعات الفورية، ولن يتمكن التطبيق من وقف سوء الإدارة المالية العامة أو إصلاح النظام الضريبي الذي يستقطع من أصحاب الدخول الأقلّ أكثر من أصحاب الدخول الأعلى فيما يخنق المشروعات.

وأخبرتني أدريانا دوبيتا، المحللة في "بلومبرغ إيكونوميكس": "نحن نعلم ما يتعيَّن القيام به لتصحيح الاقتصاد، لكن من خلال تسهيل دفع الفواتير وتحويل الأموال وجعلها في متناول الجميع فإنك تدعو مزيدًا من الأشخاص للانضمام إلى النظام وتجعل المعاملات المالية أكثر سهولة".

وفي الوقت الذي تحوّلت فيه السياسات البرازيلية إلى سباق لإنفاق المزيد، فإنّ الأداة التي تسمح للأفراد بالإنفاق بشكل أفضل هي بالفعل نعمة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة