"باختصار وبلطف لا وهي تعني لا بصورة واضحة ونهائية".. بهذه التصريحات الرافضة قطعياً من وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، توقفت صفقة استحواذ شركة "اليمنتيشن كوش تارد" الكندية على شركة "كارفور إس ايه" الفرنسية، التي كانت تقدر بنحو 20 مليار دولار، ودفعت الطرفين للتحول إلى حليفين بدلا من كيان واحد.
وجاء قرار وقف المفاوضات بعد أن سافر كبار المسؤولين التنفيذيين لدى مشغل المتاجر الصغيرة في كيبيك إلى باريس في محاولة لإقناع الحكومة الفرنسية بالصفقة، بالتأكيد على ضخ استثمارات بمليارات اليورو في متاجر التجزئة بفرنسا وعدم استقطاع وظائف لمدة عامين على الأقل، والقيام بعملية إدراج مزدوج لأسهم الشركة بعد الاستحواذ في كل من كندا وفرنسا، إلا أن كل ذلك لم يكن كافياً لإقناع وزير المالية الفرنسي الذي قال للمسؤولين التنفيذيين في اجتماع يوم الجمعة إن موقفه ثابت بأن الصفقة تحمل تأثيرات سلبية على قطاع التجزئة في فرنسا.
وقالت الشركتان في بيان صحافي مشترك يوم السبت، إنهما ستعملان على التعاون بشأن شراء الوقود والعلامات التجارية وتوزيع الأنشطة في الأسواق المشتركة.
وقال بريان هاناش الرئيس والمدير التنفيذي لشركة كوش تارد: "الشراكة التشغيلية مع كارفور ستساهم في تعزيز مساعينا نحو التحول إلى تاجر تجزئة رائد على مستوى العالم".
تهدئة أقوى موسم للصفقات الفرنسية
تراجعت أسهم كارفور 2.9% إلى 16.61 يورو في باريس يوم الجمعة، بينما ارتفع سهم الشركة الكندية بنسبة 4.8% إلى 37.98 دولارا كنديا في بورصة تورونتو. وكانت أسهم الشركة الكندية قد تراجعت بعد أن أعلنت بلومبرغ عن المحادثات في 13 يناير مما يعكس قلق المستثمرين من تأثير الصفقة على تضخم الديون المشتركة للشركتين.
وعاد المسؤولون التنفيذيون في كوش تارد إلى كندا بعد فشل المحادثات، قائلين "إن المناقشات تجمدت في الوقت الحالي، ولكن يمكن إحياؤها لاحقا إذا غيرت الحكومة موقفها".
وكانت الصفقة، التي تعد أكبر صفقات الاستحواذ على شركة فرنسية من خارج البلاد في حال اتمامها، ستولد كياناً كبيراً في قطاع التجزئة، من خلال الدمج بين شبكة كوش تارد التي تركز على أمريكا الشمالية من خلال 14200 متجر صغير، وبين متاجر كارفور التي تتركز أنشطتها في أوروبا وأمريكا اللاتينية وتجمع بين المنافذ الصغيرة والأسواق الكبيرة.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، للمسؤولين التنفيذيين في اجتماع يوم الجمعة إن "موقفه ثابت بأن الصفقة تحمل تأثيرات سلبية على قطاع التجزئة في فرنسا".
إجراءات فرنسية لحماية شركاتها
وذكر وزير المالية برونو لومير، في حديث لقناة تلفزيون فرانس5، أنَّ "الجائحة أظهرت أهمية السيطرة المحلية على الإمدادات الغذائية، فقد شهدت متاجر كارفور، ومحلات البقالة الأخرى ارتفاعاً حاداً في الطلب على المنتجات خلال عمليات الإغلاق، إذ تمَّ استنفاد مخزون البقالات بسبب سحب المستهلكين لسلع البقالة كافةً، مثل الدقيق".
ويسمح مرسوم قدَّمه وزير المالية في 2019 بشأن الفحص الحكومي للاستثمارات الأجنبية للحكومة بعرقلة الصفقة، إذ تُمكِّن هذه القواعد وزارة المالية من منع مستثمر غير أوروبي من امتلاك أكثر من 25% من حقوق التصويت بشركة مدرَجة في قطاعات معينة، وعندما ظهرت الجائحة، خفَّضت الحكومة تلك النسبة إلى 10%، خوفاً من أن تجعل الأزمة بعض الشركات عرضة لعمليات الاستحواذ الأجنبية.
وأضاف لومير: "السيادة الغذائية تأتي قبل كل شيء، ولا يزال علينا أن نعرف ما هو التأثير على الوظائف في أكبر ربِّ عمل في القطاع الخاص في فرنسا، وما إذا كانت السيادة الغذائية مضمونة إذا استمرت هذه الصفقة ".
ويبلغ عدد عمال كارفور 105 آلاف موظف في فرنسا.
ولا تعتبر فرنسا البلد الوحيد الذي يستخدم سياسة حمائية تفاقمت بسبب معاناة الشركات نتيجة جائحة فيروس كورونا، حيث وضعت المملكة المتحدة في أواخر العام الماضي خططا لمنح الحكومة سلطات واسعة للتدخل في عمليات الاستحواذ الأجنبية على الأصول التي تعتبر تهديداً للأمن القومي.
علاقات قوية ولكن
وجاء موقف الوزير الفرنسي ليقطع الطريق أمام محاولات المسؤولين الحكوميين الكنديين الضغط على الجانب الفرنسي، حيث أشار وزير الاقتصاد في مقاطعة كيبيك بيير فيتزغيبون إلى وجود علاقات قوية بين فرنسا والمقاطعة الناطقة باللغة الفرنسية، وهو ما يضمن صفقات استحواذ فرنسية على شركات كندية مشيراً إلى الموافقة على شراء "ألستوم" الفرنسية لوحدة السكك الحديدة التابعة لشركة "برومباردير" الكندية. وتعد شركة إيرباص المساهم الأكبر مع حكومة مقاطعة كيبيك في برنامج الطائرات التجارية الذي تم تطويره بواسطة برومباردير
وقال فيتزغيبون في لقاء صحفي يوم الجمعة، إن كوش تارد "يمكن أن تساهم بشكل فعال واستراتيجي في تطوير عمليات كارفور في فرنسا".
وتعد كوش تارد، والتي يعني اسمها "صاحب النشاط طوال الليل" باللغة الفرنسية، أكبر تاجر تجزئة في كندا من حيث القيمة السوقية، وتحولت إلى امبراطورية عن طريق إتمام العديد من عمليات الاستحواذ على مدار أربعة عقود. لكن الاستحواذ الأخير في فرنسا الذي بدأته بعرض 20 يورو للسهم قد تعثر من بدايته.
حظوظ ماكرون الانتخابية
وتعد كارفور أكبر شركة مملوكة للقطاع الخاص في البلاد، ما يجعل عملية الاستحواذ تحمل حساسية سياسية خاصة مع دخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معترك انتخابات رئاسية في العام 2022 وسط توجيه العديد من الانتقادات لطريقة إدارته لجائحة كورونا. حيث سيستغل مارين لوبان المنافس الرئيسي لماكرون خسارة فرنسا لعلامة تجارية رائدة وركيزة للأمن الغذائي، في صفقة استحواذ لصالح شركة أجنبية انتصاراً ليُغذي بها شعاراته القومية.
ولدى فرنسا تاريخ من المعارضة لعمليات الاستحواذ الأجنبية على شركاتها المتميزة، ففي عام 2005 استاء المسؤولون في فرنسا من التقارب بين شركة "دانون"، و"بيبسيكو".
ويمثل عرض الاستحواذ على كارفور حساسية خاصة باعتبارها أكبر شركة خاصة يعمل لديها موظفون في فرنسا، وهو ما يبرر قول لومير في وقت سابق: "السيادة الغذائية تأتي قبل كل شيء" وكذلك أكد لومير على قدرة الحكومة على وقف الصفقة بقوله "إنَّ المرسوم الذي قدَمته في 2019 بشأن الفحص الحكومي للاستثمارات الأجنبية يسمح للحكومة بعرقلة الصفقة".
ثاني صفقة تفشل للشركة الكندية
وكان بعض محللي كوش تارد أكدوا أن الصفقة لن تحقق خفضاً كبيراً في التكلفة لوجود القليل من التداخل بين شبكات متاجر الشركتين وذلك رداً على استفسارات حول الأساس المنطقي الاستراتيجي للصفقة.
وبإغلاق ملف الصفقة تكون تلك هي المرة الثانية التي تخرج فيها كوش تارد من صفقة استحواذ كبيرة بنفس النتيجة خلال 9 أشهر، حيث أوقفت في أبريل الماضي مفاوضات الاستحواذ على سلسلة محطات كالتكس استراليا للغاز – تسمى حالياً أمبول المحدودة - في صفقة قدرت قيمتها بنحو 5.6 مليار دولار، وأرجعت الخروج من المفاوضات بعد 6 أشهر من المحادثات المكثفة، إلى تداعيات وباء فيروس كورونا.
وبفشل الصفقتين تظل عملية الاستحواذ على شركة سي اس تي براندز والمنافسة لها في تكساس، في 2016، هي الأكبر في تاريخ الشركة مع بلوغ قيمتها نحو 4 مليارات دولار.
على جانب آخر، أوقف تعثر صفقة كارفور الصعود السريع لقيم صفقات الاستحواذ والاندماج في فرنسا، والتي بدأت العام بعمليات معلنة قيمتها 7 مليارات دولار بزيادة نسبتها 300% تقريباً عن العام السابق، فيما تعد أسرع بداية منذ نحو عقدين. وكان حجم الصفقات مدفوعاً باتفاقات من بينها شراء شركة "سانوفي" لشركة تطوير الأدوية البيولوجية البريطاني "كايماب" مقابل 1.45 مليار دولار.