يتحدى المتعاملون في سندات الخزانة الأميركية بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي أخفق إلى حد بعيد في معركته من أجل تهدئة أسرع معدل للتضخم في البلاد منذ أربعة عقود.
أعقبت ذلك موجة بيع موجعة للسندات بقيادة العوائد قصيرة الأجل ذات الحساسية الخاصة للسياسة النقدية، وبعد أن حطمت أرقام شهر مايو أي أفكار تشير إلى أن التضخم قد بلغ ذروته.
زادت حالة الارتباك عمقاً عندما رفع المتعاملون رهانهم على احتمال أن يقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في شهر يوليو، في حين يقول الاقتصاديون لدى بنك "باركليز" و"جيفريز" إن هذه الخطوة قد تأتي مبكراً في الأسبوع القادم.
قال غريغوري فارانيللو، رئيس استراتيجية وتداول عقود الفائدة بالولايات المتحدة لدى شركة "أميريفيت سيكيورتيز" (AmeriVet Securities): إن صناع السياسة النقدية لدى الاحتياطي الفيدرالي "يجب حقاً أن تكون عقولهم متفتحة هنا. فلم نبلغ بعد ذروة التضخم، وزيادة أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة مئوية في كل اجتماع للجنة هذا العام مسألة مطروحة حالياً على الطاولة".
رسالة متشائمة
توجه سوق السندات أيضاً رسالة قاتمة إلى البنك المركزي بأن جهوده في ملاحقة معدل التضخم ستؤدي إلى زيادة مخاطر وقوع هبوط اقتصادي عنيف. وتأتي الإشارة في صورة انحسار الفجوة بين عوائد السندات قصيرة وطويلة الأجل، بما في ذلك عودة انعكاس منحنى العائد بين عوائد سندات الخزانة أجل خمسة أعوام وثلاثين عاماً.
حتى في سنة أصبحت فيها حركة العائد اليومية بمقدار 10 نقاط أساس أمراً شائعاً، تميزت حركة الأسعار يوم الجمعة الماضية وأعادت للذاكرة مستويات شهدتها في عصر الأزمة المالية العالمية. فقد بلغ ارتفاع العائد على سندات أجل عامين 25 نقطة أساس أو أعلى مستوى منذ عام 2009، بينما تجاوزت عوائد سندات 5 سنوات في شهر مايو مستويات عام 2008.
فجر هذه الحركة تقرير وزارة العمل الأميركية بمؤشر أسعار المستهلك، الذي تجاوز التوقعات على مستوى كل من المؤشر العام والمؤشر الأساسي.
قال ديفيد بتروسينيللي، متعامل أول لدى شركة "إنسبرإكس" (InspereX): "إن أرقام التضخم مزعجة جداً، وهو منتشر وواسع النطاق وبهذه الطريقة يصبح التضخم مستقراً ومتضمناً في الاقتصاد. استواء منحنى العائد هو رد فعل السوق مما يعكس احتمال زيادة الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة ومخاطر ضعف الأداء الاقتصادي".
التعلق بالنقاط
جميع العيون سوف تتعلق ببيان الاحتياطي الفيدرالي في الأسبوع القادم، وبالمؤتمر الصحفي الذي سيعقده رئيس البنك جيروم باول بعد الاجتماع، حيث تشخيص صناع السياسة النقدية للتضخم، والتوقعات طويلة الأجل لأسعار الفائدة المستهدفة على أرصدة الاحتياطي، أو ما يسمى بالرسم التوضيحي بالنقاط، ستصبح أموراً بالغة الأهمية.
في مارس الماضي، كانت النقطة الوسيطة لأسعار الفائدة على الرسم البياني بنهاية العام هي 1.9%. ويتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم ارتفاع هذه النقطة إلى 2.6%، في حين أن التوقعات الضمنية للسوق تحددها عند 3.2%.
ظل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يعتني ببث رسائل التحول في السياسة النقدية مقدما بوقت كافي. وبينما ضغط من أجل استبعاد رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال اجتماع اللجنة في مايو الماضي بعد أن قال زميله جيمس بولارد، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، إن هذه الزيادة قد تستدعي دراستها، فلم يستبعد باول أي اقتراح بشكل دائم من على الطاولة وشدد على ضرورة أن تتسم السياسة النقدية بالرشاقة والمهارة.
لعبة التوازن الخطيرة
مراجعة النقاط سوف تسترشد بلعبة التوازن الخطيرة لقادة البنك المركزي في مواجهتهم لارتفاع معدلات التضخم بدون العصف بنمو الاقتصاد وإنفاق المستهلك.
تجار التجزئة يترنحون فعلاً بسبب أن ارتفاع الأسعار أضر بإنفاق المستهلكين، وقامت شركة "تارغت" (Target Corp) بتخفيض توقعات الأرباح للمرة الثانية في ثلاثة أسابيع بسبب تغير أنماط الشراء عند العملاء.
ومع ذلك، ظهرت علامات على هدوء سوق العقارات مع اقتراب أسعار فائدة الرهن العقاري من أعلى المستويات التي شهدتها في العقد الماضي وتباطؤ عملية التوظيف في شركات التكنولوجيا الكبيرة، وقد عززت تخمينات بأن دورة تشديد السياسة النقدية التي يقوم على تنفيذها الاحتياطي الفيدرالي قد تكشف عن سطحيتها مثلما حدث في عام 2018.
الطريق الوحيد لإبطاء الطلب تمر عبر ارتفاع مستوى البطالة – ويقول برامود أتلوري، مدير المحافظ لدى شركة "كابيتال غروب" (Capital Group): "يبدو ذلك أمراً خطيراً. من الصعب إنجاز المهمة عندما تكون أدوات الاحتياطي الفيدرالي مصابة بالعطب".
مأزق سعر الفائدة المستهدف
أحد التعقيدات التي لاحظها استراتيجيو "دويتشه بنك" هو أن أفضل مقياس في التنبؤ بمدى ارتفاع سعر الفائدة المستهدف من الاحتياطي الفيدرالي – وهو السعر المستقبلي مدة عامين للعقود الآجلة على معدل فائدة عام واحد – قد تلاقى فعلاً مع سعر الفائدة الحيادي – أي سعر الفائدة الذي لا يحفز النشاط الاقتصادي ولا يقيده، بحسب تقديرات الأسعار المستقبلية مدة 5 أعوام على العقود الآجلة على معدل فائدة مدة 5 أعوام.
يحدث التلاقي عادة مع اقتراب نهاية سلسلة من رفع أسعار الفائدة، وهو يشير إلى أن الاستمرار في زيادة أسعار الفائدة سيصبح سياسة خاطئة.
في مذكرة صدرت في 7 يونيو الجاري، كتب استراتيجيو "دويتشه بنك"، ومن بينهم أليكساندر كوسيك: "عند نقطة معينة، مع وصول مزيد من البيانات أو أن تصبح الأرقام أوضح، لابد أن يحدث اتفاق بين الاحتياطي الفيدرالي والأسواق. فإذا استمر معدل التضخم مرتفعاً، فإن تقدير سعر الفائدة الحيادي ينبغي أن يرتفع نسبياً. وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي أن ينخفض سعر الفائدة الأساسي لدى المركزي".
[object Promise]