رصدت مجموعة من الشركات المتخصصة في تعقب الأصول في مدينة لندن، المئات من كبار المسؤولين الروس، ممن لديهم أصول في الخارج، والذين من المحتمل أن تضافُ أسماؤهم إلى قوائم العقوبات الدولية، في محاولة لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد نظام فلاديمير بوتين.
تأتي تلك الخطوة في إطار المحاولات الدولية لمعاقبة روسيا عبر إجراءات اقتصادية، مع استمرار موسكو في هجومها العسكري ضد أوكرانيا. وكانت تلك الجهود قد بدأت عقب الغزو الروسي في فبراير الماضي، حيث سارعت الحكومات حول العالم إلى فرض حظر على الأوليغارشية الروسية، وأثرياء آخرين مقربين من الكرملين، وفقاً لمصادر شاركت في تلك الجهود.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تتخذ إجراءات لاحتجاز طائرتين تابعتين لـ"أبراموفيتش"
طلبت كييف من سفارتها في لندن، تقديم المساعدة في البحث عن أصول روسية غير شرعية، حيث بدأ الأمر باتصال بين مسؤول رفيع في السفارة وإحدى الشركات، ليتوسع بعد ذلك ويشمل أشخاصاً آخرين. وأفادت المصادر بأن الشركات البريطانية قدمت إلى المسؤولين الأوكرانيين في بريطانيا، أسماء شخصيات حكومية وعسكرية رفيعة المستوى، حتى تتمكن كييف من الضغط على الحكومات، ومن بينها بريطانيا، لإضافتهم إلى قوائم العقوبات الخاصة بها.
اقرأ المزيد: مال روسيا ويخوتها يتجهان لحيث يتضاءل النفوذ الأميركي
قال أحد المصادر، إن تلك الشركات حدّدت مئات الأسماء حتى الآن.
تستهدف شركات لندن كبار المسؤولين وأفراد الجيش الروسي غير البارزين، ممن لديهم ممتلكات وأصول أخرى تقدر قيمتها بملايين الجنيهات الإسترلينية، والمنتشرة في أماكن مثل لندن أو جنوب فرنسا. وقد ضمت القائمة أشخاصاً لديهم ارتباطات أخرى بالخارج، كأولئك الذين لديهم أطفال في مدارس داخلية خارج البلاد.
قال موظفون يعملون في اثنتين من الشركات المعنية، امتنعوا عن ذكر أسمائهم خوفاً من انتقام الحكومة الروسية، إنهم عرضوا خدماتهم دون الحصول على رسوم، وسلموا الأسماء إلى سفارة أوكرانيا في لندن.
بدوره، أشار متحدث باسم السفارة الأوكرانية إلى أنه "في هذه المرحلة، لن يكون من المناسب التعليق على قائمة الأسماء المستقبلية المحتملة، لأن ذلك قد يقوّض تأثيرها".
عقوبات 2022
فرضت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى، عقوبات على مئات الأفراد والكيانات الروسية منذ فبراير الماضي، بدءاً من رجال الأعمال الأثرياء، مثل رومان أبراموفيتش، وصولاً إلى الأبناء البالغين للرئيس الروسي، ووزير الخارجية، سيرغي لافروف.
عمدت السلطات إلى توسيع قوائم الأسماء ببشكل منتظم، واتخذت إجراءات ضد قطاعات اقتصادية، مثل حظر الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي لمعظم واردات النفط الروسية.
أشار بعض منتقدي هذه الحملة إلى عدم تمكنها من منع هروب بعض الأموال بين الدول، حيث سعى بعض الأفراد المستهدفين إلى تجنّب العقوبات، في وقت أدت مليارات الدولارات التي دُفعت لروسيا مقابل النفط والغاز وغيرها من السلع، إلى الحد من تأثير الإجراءات المتخذة.
قالت جوستين والكر، الرئيس العالمي للعقوبات والامتثال والمخاطر في "جمعية أخصائيي مكافحة غسل الأموال المعتمدين"، التي تدرّب الموظفين على اكتشاف الجرائم المالية، إن حجم العقوبات ضد روسيا "غير مسبوق"، وسيكون لها "تأثير قصير المدى وآخر طويل المدى سيستمر لعقود".
مفتشو لندن
تعد لندن مركزاً للشركات المتخصصة في تتبع الأصول وتقديم الخدمات اللازمة لمن يسعون إلى الحصول على معلومات حول شركاء أعمال محتملين، أو ضمن العديد من القضايا الدولية، التي يتم رفعها من خلال المحاكم الإنجليزية.
تقول إحدى الشركات العاملة في هذا المجال، إن شركات عديدة عرضت خدماتها على السفارة الأوكرانية بعد الغزو، وقد حددت مئات الأسماء حتى الآن.
حصلت الشركات في بعض الحالات على تفاصيل من بيانات مسربة مثل أوراق بنما، وتحققت منها من مصادر أخرى، لتحديد الشخصيات البارزة، التي لا يظهر بوضوح الحق في ملاحقتها قانونياً، ورفع قضية ضدها لإضافتها إلى قوائم العقوبات.
قالت ميشيل ليندرمان، الشريكة في شركة المحاماة "كروويل آند مورنغ" (Crowell & Moring)، إن إضافة المزيد من الأشخاص إلى قائمة العقوبات، قد تحفز بشكل كبير الجهود البريطانية لقمع المصالح التجارية الروسية.
بعد فترة وجيزة من الغزو، حوّل بعض الأثرياء الروس ملكيتهم في الشركات إلى أفراد عائلات أو شركاء خارج قائمة العقوبات، أو إدراجها ضمن هياكل شركات معقدة، ما يمنع السلطات من تجميد أصولهم.
أضافت ليندرمان: "تخطي تلك الدروع من شأنه أن يسد ثغرة هائلة". وتابعت قائلة: "لا يزال هناك عدد من الشركات الروسية الكبيرة التي تعمل تحت سيطرة الأوليغارش، بحيث يبدو الأمر وكأنه يحمل بعض الشبهات لكنه مناسب إلى حد ما، وكأنه موجود في (دليل الأوليغارش) لمنع تجميد الأصول".
تجربة الكويت
تذكّر هذه الجهود بالأصداء الإيجابية للرد على الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث استعانت الحكومة الكويتية بشركة الاستخبارات "كرول" (Kroll) لتتبع ثروة صدام حسين الخفية، من أجل المساعدة في قضية التعويضات عن الأضرار التي تسبب بها الاحتلال.
جذبت شركة "كرول" انتباه العالم عام 1991، بعدما أصدرت تقريراً أكدت فيه أن الديكتاتور العراقي خسر أكثر من 10 مليارات دولار من الأموال غير المشروعة، التي اكتسبها من صناعة النفط، والحصص السرية التي يملكها في الشركات الدولية.
تسبب تقرير "كرول" في ممارسة ضغوط على السلطات في كل أنحاء العالم، من أجل مصادرة تلك الأصول، التي يعتبر احتفاظ العراق بها غير قانوني.
يأمل صائدو الأصول في التوصّل إلى نتيجة مماثلة هذا العام.
قال المتحدث باسم السفارة الأوكرانية في لندن: "نتعاون بشكل وثيق مع جميع شركائنا، بما في ذلك بريطانيا، لتسريع عملية فرض عقوبات ضد ملاك الأصول من الروس المسؤولين عن الحرب ضد أوكرانيا، أو الداعمين لها".