بضغطٍ من هبوط الجنيه المصري مقابل الدولار، وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي لأدنى مستوى منذ خمس سنوات، قد تسرّع مصر من خطواتها التفاوضية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وتوفير سيولة ملحّة للبلاد، وفقاً لمحللين تحدثوا إلى "الشرق".
هبط سعر الجنيه المصري، أمس الأربعاء، إلى 18.71 مقابل الدولار، وهو أقل مستوى له منذ فبراير 2017. فيما تقلّص الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري بواقع 1.63 مليار دولار في مايو الماضي ليبلغ 35.49 مليار دولار، وهو ما يُعَدّ أدنى مستوى منذ 2017 أيضاً.
"هبوط الاحتياطي مقلق جداً، إذ يعني أن الدخل الدوري للدولة من الدولارات يغطي وارداتنا الشهرية فقط، ولا يغطي سداد المديونية والفوائد والأقساط المستحقة، وبالتالي تمّ اللجوء للاحتياطي"، بحسب عليا ممدوح، محللة الاقتصاد المصري في "بلتون" المالية. مُضيفةً: "لا أحد كان يتوقع التراجع بنحو ملياري دولار في الاحتياطي، حيث إن وتيرة السحب منه سريعة، ونحتاج لقرض صندوق النقد بأسرع وقت، لكن هل سيعطونا أم لا؟ ولماذا البطء حتى الآن في هذا الملف؟ لا نعلم".
تعاني مصر من نقص في العملات الأجنبية بعد أن تسببت جائحة فيروس كورونا في تراجع أعداد السياح، كما سحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية وارتفعت أسعار واردات السلع نتيجة الأزمة الأوكرانية.
تراجع الاحتياطي النقدي لدى مصر أدّى لزيادة الاحتياجات التمويلية إلى 17 مليار دولار، وفقاً لبنك الاستثمار "سي أي كابيتال"، مقابل تقديرات سابقة عند 15 مليار دولار، اللازمة للخروج من الرصيد السالب لصافي الأصول الأجنبية، وتوفير احتياجات الحساب الجاري حتى ديسمبر 2022.
تغطي الاحتياطيات النقدية الأجنبية حالياً 5 شهور من الواردات المصرية مقابل 5.4 شهور في أبريل، في حين كان متوسط التغطية 8.6 شهور عام 2021.
لكن إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال، يرى أنه "مازال الوقت مبكراً للقلق، فلو تراجعت تغطية الواردات إلى شهرين فقط عندها يستوجب الأمر القلق".
ميزان المدفوعات
بالنسبة إلى هاني جنينة، الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، فإن تراجع الاحتياطي "مقلق في حالة تأخر قرض الصندوق، لكن في الوقت نفسه لدى مصر أصول جاهزة للبيع قد تجمع منها تمويلاً كافياً للفترة المقبلة".
وأضاف أن "المركزي عليه العمل على مسارين، الأول إنهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في أقرب وقت ممكن للتوصل إلى اتفاق قرض لا يقل عن 10 مليارات دولار. أما المسار الثاني، فيتعلق بتعديل هيكل تدفقات ميزان المدفوعات لتقليل اعتماد مصر على السياحة و الأموال الساخنة لصالح صادرات الغاز الطبيعي والأسمدة إلى أوروبا، وتمويل الاستثمار في هذه القطاعات عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل خاصةً من دول الخليج".
طالع المزيد: مديرة صندوق النقد الدولي: اقتصاد مصر يتدهور وأوضاع لبنان مزرية
تُقدّر الالتزامات واجبة السداد على مصر هذا العام بنحو 20 مليار دولار، منها 8.3 مليار واجبة السداد في النصف الثاني من 2022.
تلقّت مصر دعماً خليجياً سريعاً عقب إعلانها عن رفع أسعار الفائدة، وترك عملتها الجنيه للتحرك أمام الدولار نهاية مارس الماضي، إذ أودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري نهاية مارس الماضي، كما يتطلّع "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي إلى استثمارات محتملة بقيمة 10 مليارات دولار في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والمالية.
إلى ذلك، تعهدت قطر بضخّ 5 مليارات دولار في صورة استثمارات في مصر، في حين أبرمت "القابضة ADQ"، أحد صناديق أبوظبي السيادية، في مارس الماضي، صفقة بنحو مليارَي دولار لشراء حصص في شركات مصرية مملوكة للدولة، مدرجة في البورصة.
في حال نجاح الحكومة في المسارين السابقين، يتوقّع جنينة أن "سعر الصرف حينها لن يتخطى حاجز 20 جنيهاً مقابل الدولار خلال هذا العام، مع إمكانية ارتفاع العملة المحلية حتى 18 جنيهاً للدولار إذا شهدنا بوادر انفراجة في الأزمة الروسية-الاوكرانية".
أصول الدولة
"نحتاج لتسريع المفاوضات "بسرعة البرق" مع الصندوق، رغم أن قيمة القرض قد لا تكون كبيرة، لكن نحن بحاجة لسيولة"، بحسب أية زهير، محللة الاقتصاد المصري في "زيلا كابيتال"، والتي تُشير إلى أن "ملف الخصخصة هو أحد المحاور الرئيسية لتوفير السيولة المطلوبة".
كلف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في أبريل الماضي، الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة تستهدف 10 مليارات دولار سنوياً ولمدة 4 سنوات، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
طالع المزيد: مصر تعتزم إشراك القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بـ10 مليارات دولار سنوياً
البرنامج سيتضمن أبرز القطاعات التي ستتخارج منها جميع المؤسسات الحكومية والقطاعات التي ستظل الدولة حاضرة فيها.
لكن ممدوح ترى أن "الخصخصة لن تغني عن قرض صندوق النقد، القرض هو الذي سيشجع الأجانب من جديد على الدخول في أدوات الدين".
انخفضت استثمارات الأجانب بأدوات الدَّين المصرية إلى 28.8 مليار دولار في ديسمبر من 34.1 مليار دولار في سبتمبر، وفقاً لأحدث بيانات رسمية متاحة.