في خطوة فريدة وملهمة، استطاعت شركة "أوبن دور" (Opendoor) الناشئة تجميع مليارات الدولارات من خلال إقناع المستثمرين بقدرتها على إعادة تشكيل سوق الإسكان في الولايات المتحدة، وتحويله إلى سوق أفضل بالنسبة للمستهلكين.
ومن المؤكد أن نهج شركة العقارات الأمريكية في البيع السريع للمنازل بشكل كبير أثبت شعبيته بين بائعي المنازل، وأصبح مصدرا للإلهام للعاملين بالقطاع. وهو أمر مهد الطريق أمام الشركة للاكتتاب العام من خلال الاندماج مع شركة للاستحواذ. لكن الشركة لا تزال تحتاج إلى وقف نزيف الخسائر المحقق قبل إعلان نجاح اكتتابها، رغم أن أسهمها حققت ارتفاعا بنسبة 5.9% في اليوم الأول من طرحها للتداول في 21 ديسمبر 2020.
وترجع فكرة "أوبن دور" إلى أن الأشخاص الذين يريدون بيع منازلهم، يكونون على استعداد لقبول ربح أقل، مقابل تقديم صفقة سريعة تجنبهم التعاقد مع وسيط، وفتح منازلهم للغرباء والمساومة معهم، وانتظار أسابيع لحين إقرار موافقة الرهن العقاري للمشترين الجدد.
ومن هذا المنطلق، تستخدم الشركة الخوارزميات لإيجاد منازل وتقديم عرض لشرائها من أصحابها في غضون ساعات، وعند موافقة المالك على العرض المقدم، تشتري الشركة هذا المنزل وتُجري بعض الإصلاحات الخفيفة فيه، ثم تعرضه للبيع مرة أخرى في السوق.
وعلى النقيض من الأعمال التقليدية، فإن "أوبن دور" لا تحاول شراء المنازل بأسعار منخفضة وبيعها من جديد بأسعار مرتفعة، لكنها تسعى إلى تحقيق الربح من خلال فرض عمولة على البائعين، تتراوح نسبتها عادة بين 6% إلى 9%، لتبسيط العملية.
وظيفة أوبن دور
لا يعد إرضاء طموحات البائعين أمرا سهلا غالبا، حيث يبدأ معظم مشتري المنازل بحساب قيمة أرباحهم التقديرية من العقار بمجرد شرائهم له.
وفي هذه الحالة، تكمن وظيفة "أوبن دور" بتقدير قيمة المنزل في غضون بضعة أشهر، بجانب تحديد المدة التي ستستغرقها عملية إعادة البيع، وهو أمر بالغ الأهمية نظرا لتراكم مدفوعات الفائدة وضرائب الملكية، وأقساط التأمين على المالك، طالما أنه لا يزال يحتفظ بملكية العقار. وهو ما يشك نزيفا للأموال بالنسبة للشركة.
وكان هامش ربح "أوبن دور" يبلغ أقل من 1% على المنازل المباعة في عام 2019، وهو ما يتضمن مصروفات الفائدة، لكن لا يتضمن أجور الأشخاص الذين يقومون بإنشاء خوارزميات الأسعار، أو تكلفة الحملات الإعلانية التي تستخدم لجذب البائعين. وقد أكملت الشركة 80 ألف صفقة على مدى الستة أعوام الماضية، وخسرت ما يصل إلى 989 مليون دولار خلال الفترة نفسها.
ويقول مايك ديلبريتي، الخبير الاستراتيجي في مجال التكنولوجيا العقارية والذي درس أوضاع الشركة: "إن الأمور التي تروج لها "أوبن دور" هي المدينة الفاضلة الرقمية لشراء وبيع المنازل، وهم بارعون فيما يفعلونه ولكنهم في الحقيقة يخسرون الكثير من المال".
وهناك خطر أكثر وضوحا يمكن مواجهته، وهو إمكانية تراجع أسعار المنازل في الوقت الذي تحتفظ به "أوبن دور" بمجموعة من المنازل، ويبدو أن هذا الأمر من الممكن أن يحدث في ظل تفشي الوباء.
كما أن شركة العقارات قامت بتسريح 600 موظف- أي حوالي ثلث موظفيها- وفكرت في طرح بعض العقارات التي تحتفظ بها للإيجار. ثم ظهر سوق الإسكان الساخن- تواجد مخزون منخفض من العقارات مع كثير من المشترين- والتي تستمد طاقتها من المشترين الباحثين عن منازل أكبر لاستخدامها أيضا كمكاتب بسبب عملهم عن بعد.
وكان الطلب القوي على أسهم التكنولوجيا في الأسواق قد جعل الربحية مصدر قلق ثانوي بالنسبة للشركة. وفي سبتمبر، أبرمت شركة "أوبن دور" صفقة للاكتتاب العام من خلال الاندماج مع شركة استحواذ خاصة يقودها الرأسمالي المغامر تشامات باليهابيتيا، وقد زودت هذه الصفقة الشركة بنحو مليار دولار يٌقال إنها ستغذي توسعا من شأنه السماح لها ببيع أكثر من 37 ألف منزل في عام 2023.
وهو نفس العام الذي تعتقد فيه الشركة أنها ستحقق أرباحا معدلة قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك. حيث ستكون الشركة عند تلك المرحلة، تبيع منازلا بشكل سنوي أكثر من جميع شركات البناء الأمريكية، باستثناء اثنين من أكبر شركات بناء المنازل في الولايات المتحدة.
استخدم المدير التنفيذي لشركة "أوبن دور"، إيريك وو، في أولى خطواته في مجال العقارات أموال المنحة الجامعية كدفعة مقدمة لاستثمار إيجاري، ليراهن على أن الشركة يمكن أن تتوسع في خطوط عمل أكثر ربحية. فهي تعمل الآن على تقديم قروض رهن عقاري، كما توظف وكلاء للتوسط في المبيعات بالطريقة التقليدية، وهما أمران لابد من أن يحققا هوامش ربح أعلى من المبيعات المدعومة من جانب الخوارزمية.
وتحاول الشركة أيضا التعامل مع أموال مشتري المنازل لتقديم عروض غير طارئة في أسواق الإسكان التنافسية، والنظر في التأمين على المنازل والضمانات السكنية والخدمات الأخرى، كما أنها أرفقت خدمات الملكية والضمان بـ 83% من معاملاتها في الربع الثالث من 2020.
ومن المؤكد أن نمو الإيرادات سوف يساعد في تحسين الهوامش، مما يسمح لـ "أوبن دور" بالتفاوض بشأن أسعار أفضل لكل شيء، بدءا من أسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية التي تستخدمها لشراء العقارات، إلى الإمدادات التي تحتاجها، مثل 300 ألف جالون من الطلاء اشترته في 2019.
وتتلخص النظرية الموحدة للمدير التنفيذي وو، في أن العملاء سوف يرغبون في التعامل مع "أوبن دور" في أمور عديدة مرتبطة ببيع منازلهم، وذلك بمجرد كسب ثقتهم. ويقول وو: "ما الذي يريد المستهلك تجربته؟"، مضيفا: "ليس هناك مجموعة من الشركات التي تتعامل مع أجزاء مختلفة من الصفقات. إذا كان بوسعنا تحقيق رؤيتنا الكاملة وتمكين الناس من شراء وبيع أي منزل ببضع نقرات فقط، فلابد أن نكون قادرين على تحقيق دخل من هذا النظام بالكامل".
ولكن رحلة بناء الشركات الناجحة في مجال الرهن العقاري أو التأمين ستكون رحلة شاقة وطويلة، فقد حاولت شركات السمسرة العقارية بيع خدماتها الفرعية لسنوات دون تحقيق قدر كبير من النجاح. كما أن اختراق مجال قروض الرهن العقاري ومنتجات التأمين يعني العمل في أطر تنظيمية جديدة والتعامل مع شركات قائمة بالفعل، ناهيك عن كسر جمود الوضع الراهن.
ومع ذلك، فقد تجاوزت "أوبن دور" كافة التوقعات، فبعد أن كانت كليليا واربورغ بيترز، الشريكة في مشروع "بين كابيتال فينتشرز" "Bain Capital Ventures" والتي تشغل أيضا منصب رئيس شركة سمسرة عقارية في مانهاتن، واحدة من المتشككين الأوائل، أصبحت مقتنعة فيما بعد بأعمال الشركة. وقالت: "إن ما أنجزوه حتى الآن لا يكفي، لكن الجبال التي تنتظرهم أقل من تلك التي نجحوا بتسلقها بالفعل".