ربما تكون حالة التشاؤم والكآبة المسيطرة على النظرة المستقبلية للاقتصاد وسوق الأسهم في الولايات المتحدة، مبالغاً فيها، حسبما ترى مجموعة من أبرز المحللين الاستراتيجيين في "وول ستريت".
يقول دايفيد جيه. كوستين، من مجموعة "غولدمان ساكس"، وماركو كولانوفيتش، من "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، إن مخاوف المستثمرين من الركود الوشيك في الولايات المتحدة، أخذت أكثر من حجمها، وهناك مجال لتعافي الأسهم في وقت لاحق من العام الجاري، حسب ما يراه كولانوفيتش.
انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" المرجعي بنسبة 18% من مستواه القياسي الذي سجله في يناير الماضي، مقترباً بذلك من منطقة السوق الهابطة.
اقرأ أيضاً: الأسهم الأمريكية تغرق وسط مخاوف بشأن الأرباح والنمو بينما تعزز السندات مكاسبها
كتب المحللون الاستراتيجيون في "غولدمان"، بقيادة كوستين، في مذكرة بتاريخ 18 مايو: "الركود أمر ليس حتمياً. والتقلبات التي تشهدها سوق الأسهم الأمريكية، تشير إلى أن الاحتمالات بحدوث تباطؤ والتي يضعها المستثمرون في حسباتهم، مرتفعة جداً، إذا ما قورنت بقوة البيانات الاقتصادية التي صدرت مؤخراً".
اقرأ المزيد: استثمارات الصندوق السيادي السعودي في الأسهم الأمريكية تنخفض 23%
بيانات متناقضة
قال كوستين، إن الأداء النسبي للأسهم الدورية والدفاعية يشير إلى "تباطؤ كبير في النمو"، وهو ما لا تدعمه بيانات التصنيع الصادرة عن معهد إدارة التوريد الأمريكي. وأضاف أن اقتصاديي "غولدمان" يرون أن هناك احتمالاً بنسبة 35% لدخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال العامين المقبلين.
انخفضت الأسهم الأمريكية هذا العام، بعدما أدت إشارات استمرار التضخم المرتفع، وتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية، إلى تعزيز احتمالية التباطؤ الاقتصادي. وارتفعت مخاوف الكساد التضخمي إلى أعلى مستوياتها منذ 2008، ما دفع المستثمرين إلى اكتناز السيولة النقدية، وسحب استثماراتهم في الأسهم، وفقاً لأحدث استطلاع أجراه "بنك أوف أمريكا" لمديري الصناديق.
أيضاً بدأت سوق الأسهم الأمريكية في فقدان زخمها. ويتم تداول مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الآن بمكرر ربحية قدره 16.5 ضعف الأرباح المتوقعة لـ12 شهراً، وهو أدنى مستوى له منذ أبريل 2020، وأقل من متوسط مكرر الربحية البالغ 17.04، والذي تم رصده على مدى العقد الماضي.
توقعات متفائلة
توقع كلانوفيتش من "جيه بي مورغان"، في مقابلة الأسبوع الماضي، تحسن أوضاع سوق الأسهم الأمريكية، وهو لا يتوقع حدوث ركود هذا العام بسبب "ارتفاع نشاط المستهلكين إلى حد ما في فصل الصيف، على وقع إعادة افتتاح الاقتصاد، وزيادة الصين للتدابير النقدية والمالية".
هذا الرأي بشان الركود الذي يمثله كلانوفيتش، أكد عليه أيضاً كل من كيت مور، من شركة "بلاك روك" (BlackRock)، ومايكل ويلسون، من "مورغان ستانلي".
وتوافقهم في الرأي أيضاً مجموعة "كريدي سويس"، حيث كتب مايكل ستروبيك، رئيس قسم الاستثمارات فيها، عبر مذكرة نُشرت الحميس: "لا يجب على المستثمرين الهلع والاندفاع نحو البيع أثناء انخفاضات السوق. فبمجرد ارتفاع العوائد الحقيقية لذروتها؛ سيكون هناك مجال للانتعاش السريع. وسوق الأسهم بصفة خاصة، لديها فرصة للتعافي".
انخفاضات أكثر
لكن بعض المحللين الاستراتيجيين أقل تفاؤلاً، ويتوقعون احتمال حدوث انخفاض أكبر في الأسهم مع وقف البنوك المركزية للتسهيلات النقدية، التي دعمت مسيرة الأسهم الصعودية على مدى معظم سنوات العقد الماضي.
خفّض المحللون الاستراتيجيون في "إتش إس بي سي هولدينغز"، بمن فيهم ماكس كارتنر، المستوى المستهدف لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في نهاية العام بنحو 9.2%، ليصل بذلك إلى 4450 نقطة، بسبب مخاطر التباطؤ الحاد في النمو. وحتى بينكي تشادا - الذي توقّع ثاني أعلى هدف لنهاية العام بالنسبة إلى المؤشر المرجعي بين نظرائه من المحللين الاستراتيجين الذي تتبعهم "بلومبرغ"- فقد خفّض هو الآخر توقعاته.
قالت شارو تشانا، المحللة الاستراتيجية في شركة "ساكسو كابيتال ماركتس" (Saxo Capital Markets): "تشديد الظروف المالية، بدأ للتوّ، والأسواق لا تزال تستوعب كل الفروق الدقيقة في تعقيدات الوباء، ومشكلات الإمدادات، والتضخم. والآن، مع ظهور مخاطر الركود في المشهد، أعتقد أن هذه هي مجرد بداية!".