في الوقت الذي تتعرض فيه روسيا لجولة أخرى من مدفوعات ديونها السيادية، يدرس مسؤولو إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ما إذا كان إجبار موسكو على التخلف عن السداد بسبب غزوها أوكرانيا، هو الخيار الأفضل فعلاً.
قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الثلاثاء، إنه يجري حالياً "التدقيق في الأمر بفاعلية"، قبل الموعد النهائي الحاسم في غضون أسبوعين، على أن يُتخذ القرار قريباً.
قُيّدت روسيا بالعقوبات الاقتصادية جرّاء غزوها أوكرانيا، ولن تستطيع خدمة ديونها الخارجية، ما لم تقم الولايات المتحدة بتمديد ترخيص، يسمح للبنوك والأفراد الأمريكيين بقبول المدفوعات قبل تاريخ 25 مايو، علماً أنه يُمكن لوزارة الخزانة منح استثناءات في حالات معينة.
قالت يلين دون الخوض في تفاصيل الإيجابيات والسلبيات: "نريد التأكد من فهم العواقب والتداعيات المحتملة للسماح بانتهاء صلاحية الترخيص. لم نتخذ قراراً بعد".
اقرأ أيضاً: روسيا تواجه وضعاً مُلحّاً وعاجلاً لتفادي التخلف عن السداد وتجنّب "وول ستريت"
رغم أنه لا تمديد في العادة لمثل هذه التراخيص، مثلما حدث مع فنزويلا مؤخراً، إلا أن وضع روسيا استثنائي، بسبب انخراط قوات الرئيس فلاديمير بوتين في عمليات عسكرية نشطة ضدّ حليفة الولايات المتحدة المُسلّحة بأسلحة أمريكية. يرى تيموثي آش، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى "بلو باي أسيت مانجمنت" (Bluebay Asset Management)، أن أي تخفيف للعقوبات على البلاد، يعتبر تنازلاً.
اقرأ المزيد: ضغوط على "جيه بي مورغان" و"غولدمان ساكس" للكشف عن متداولي ديون روسيا
قال آش: "في حال تمديد الترخيص، سيفترض السوق أنه تم تخفيف القبضة المالية على روسيا، ولهذا ستضع الإدارة الأمريكية نفسها في وضع معقّد في الواقع".
استنزاف الخزائن
يهمس بعض مسؤولي وزارة الخزانة سراً، بأن السماح لروسيا بسداد ديونها، قد يزيد من استنزاف خزائنها، ويُعيد توجيه الموارد التي يُمكن إنفاقها على الأسلحة والعمليات العسكرية في أوكرانيا، وفقاً لشخص مُطّلع على المداولات الداخلية، طلب عدم الكشف عن هويته.
تتمحور المخاوف الأخرى حول الحد من تأثير العقوبات على الأنظمة المالية للولايات المتحدة وحلفائها، وعدم الإضرار بالمستثمرين الأمريكيين في السندات الروسية. يبرز كذلك القلق من عدم قدرة روسيا على سداد مدفوعات حاملي سنداتها والإعلان عن التخلف عن السداد، وهو الأمر الذي ستطعن موسكو في مسؤوليتها بشأنه، في أي إجراءات قانونية لاحقة.
قالت راشيل زيمبا، الزميل الأول المساعد في مركز أبحاث الأمن الأمريكي الجديد: " في نهاية المطاف، أظن أن الولايات المتحدة وحلفاءها ما زالوا يرون مصلحة في قيام الحكومة الروسية بالدفع لمستثمريها الأمريكيين والعالميين، لا سيما في حالة استنزاف الأصول الروسية. قد نرى قيوداً إضافية على الأموال التي ستستطيع روسيا استخدامها في هذه المدفوعات، أو غيرها من التعديلات، ولكن حدسي يقول إنه سيتم تمديد نسخة من الترخيص العام. هذا يعكس تفضيل السماح بالدفع للمستثمرين العالميين الذين قاموا باستثمارات قانونية في ذلك الوقت".
يشعر آخرون، ومنهم آش، أنه سيكون لإجبار روسيا على التخلّف عن السداد، تأثير على قدرتها على الاستمرار في غزو أوكرانيا بشكل أكبر من محاولة استنزاف الأصول عبر مدفوعات السندات، التي تُشكّل جزءاً بسيطاً مما تحصل عليه الدولة يومياً من مبيعات الطاقة.
قال آش: "هل ينبغي أن تكون مصالح الأمن القومي الأمريكي مدفوعة بأرباح وخسائر عدد قليل من حاملي السندات الذين قاموا بقرار خاطئ؟ أنا لا أعتقد ذلك. هؤلاء محترفون ووجب عليهم معرفة الأمور بشكل أفضل".
تأثير متأخر
يُمكن القيام بالمدفوعات المستحقة بتاريخ 27 مايو على شريحتين من السندات الأجنبية الروسية التي تستحق في عامي 2026 و2036، بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وفقاً للعقود الموقعة. من هذا المنطلق، قد لا يبرز تأثير الموعد النهائي بتاريخ 25 مايو حتى وقت لاحق في الصيف، في حال لم تقم الولايات المتحدة بتمديده. أما السندات المستحقة في عام 2036 فهي مقوّمة باليورو.
يُستحق التحويل السيادي التالي، والمنصوص على دفعه بالدولار، بتاريخ 24 يونيو، عندما يحين موعد استحقاق الفائدة على السندات السيادية التي تستحق عام 2028. تستهدف روسيا تخفيضاً يزيد على 490 مليون دولار في مدفوعات السندات بالعملات الأجنبية المستحقة للدائنين في نهاية يونيو.
تمكنت روسيا حتى الآن من تجنّب التخلّف الفوضوي عن سداد الديون الخارجية، رغم التعقيدات الكبيرة للمدفوعات بسبب الإجراءات المفروضة ضد البلاد، وإعاقة حركة الأموال الناتجة عنها.
يجب أن تتمكن روسيا من الاستمرار في الدفع عبر مصارفها غير الخاضعة للعقوبات، في حال تمديد وزارة الخزانة للإعفاء، شريطة توافر الدولارات والعملات الأخرى محلياً. لدى موسكو الكثير من السيولة الآن بفضل التدفق الأسبوعي للمليارات من مبيعات النفط والغاز والسلع الأخرى، ومنها تلك المتجهة إلى أوروبا.
في حال انتهاء الإعفاء وفرض قيود مماثلة من قبل الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، سيعود النقاش بشأن التخلّف عن السداد بعد توقّف الطريقة الأخرى الهامة للدفع.
في ما يلي قائمة ببيانات جمعتها "بلومبرغ" حول آجال استحقاق السندات الحكومية الروسية، والمواعيد النهائية للقسيمة حتى منتصف العام:
موعد القسيمة التالية | تاريخ الاستحقاق | المبلغ المُستحق | المدة | المدفوعات البديلة | |
سندات اليورو الروسية المستحقة في 2036 | 27/5/2022 | 27/5/2036 | 26,500,000.00 يورو | 30 يوماً | يُطبّق الدفع البديل باليورو، أو الجنيه الإسترليني، أو الفرنك السويسري |
سندات الدولار الروسية المستحقة في 2026 | 27/5/2022 | 27/5/2026 | 71,250,000.00 دولار | 30 يوماً | يُطبّق الدفع البديل باليورو، أو الجنيه الإسترليني، أو الفرنك السويسري |
سندات الدولار الروسية المستحقة في 2047 | 23/6/2022 | 23/6/2047 | 183,750,000.00 دولار | 30 يوماً | يُطبّق الدفع البديل باليورو، أو الجنيه الإسترليني، أو الفرنك السويسري |
سندات الدولار الروسية المستحقة في 2027 | 23/6/2022 | 23/6/2027 | 51,097,750.00 دولار | 30 يوماً | يُطبّق الدفع البديل باليورو، أو الجنيه الإسترليني، أو الفرنك السويسري |
سندات الدولار الروسية المستحقة في 2028 | 24/6/2022 | 24/6/2028 | 159,365,437.50 دولار | 15 يوماً | الدولار العملة الوحيدة للحساب والدفع |
إعفاء الطاقة
هناك مشكلة أخرى تتعلق باستمرار قدرة روسيا على بيع نفطها وغازها إلى السوق الأوروبية. تعفي الدول، ومنها الولايات المتحدة، الطاقة من العقوبات التي فرضتها على البلاد، ويعكس ذلك أهمية المورّد بالنسبة إلى المشترين الأوروبيين. تطمح غالبية الدول الأوروبية إلى التخلّص التدريجي من الاعتماد على واردات النفط الروسية في نهاية العام، ولكن روسيا تستطيع الاستمرار في سداد مدفوعات القسائم في المستقبل المنظور، شريطة التزامها بشروط السندات. إلا أن هذا الوضع ينطبق فقط في حال مدّدت الولايات المتحدة الترخيص العام للسماح بالمدفوعات، بعد الموعد النهائي بتاريخ 25 مايو.
قال دانييل تانيباوم، الشريك في "أوليفر وايمان" (Oliver Wyman): "ستبقى روسيا قادرة على تمويل التزاماتها المالية، طالما استمرت معاملات الطاقة واستخدمت روسيا مصارف غير خاضعة للعقوبات". في معرض استشهاده بالدفعة المُسدّدة على السندات في أواخر أبريل، قال: "كانت دفعة القسيمة مستحقة بالدولار، وكان من الممكن أن يؤدي الدفع بالروبل إلى عدم الوفاء بالالتزامات".
في غضون ذلك، قال نائب وزيرة الخزانة الأمريكية، والي أدييمو، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" هذا الأسبوع، دون التعليق على الموعد النهائي بتاريخ 25 مايو: "في الحقيقية، يتعيّن على روسيا اتخاذ قرارات الآن".
أضاف: "هذا ما نريدهم أن يفعلوه بالضبط. فإما الاختيار بين استخدام مواردهم لدعم الاقتصاد، أو خوض الحرب في أوكرانيا. نريد أن نستمر في تصعيب هذا الخيار بشكل أكبر، من خلال الاستمرار في فرض العقوبات حتى انتهاء الغزو".