يستعدّ الملياردير ماسايوشي سون لأن يسجّل رقماً قياسياً آخر، لكنه ليس من نوع الأرقام الجيدة.
فعندما يعلن عن أرباحه الفصلية عن الفترة المنتهية في مارس الماضي يوم الخميس، قد نكتشف أن وحدة الاستثمار "صندوق رؤية" التابعة لمجموعة "سوفت بنك" قد بلغت خسائرها الفصلية مبلغاً لم تشهده من قبل.
تقدَّر خسائر أكبر صندوق للتكنولوجيا في العالم بنحو 18.6 مليار دولار في محفظة استثماراته العامة وحدها خلال الفترة المنتهية في 31 مارس الماضي، متجاوزة حتى خسائره القياسية السابقة التي بلغت 18.3 مليار دولار في الربع الثاني من العام المالي، وفقاً لتصريحات كيرك بودري، المحلل المالي لدى شركة "ريدكس ريسيرش" الذي ينشر تقاريره على شبكة "سمارت كارما".
فايننشال تايمز: "سوفت بنك" تصفي معظم محفظة الاستثمار في "حوت ناسداك"
ووفق تقديرات بودري، قد يعني ذلك أن خسائر وحدة "صندوق رؤية" بلغت نحو 10 مليارات دولار، تمثل حصة "سوفت بنك" في كل صندوق.
تُعَدّ هذه الخسائر تحوُّلاً جذرياً هائلاً في أداء المجموعة منذ سنة مضت، عندما وقف سون على المسرح في طوكيو معلناً أن "سوفت بنك" حققت أرباحاً في فصل واحد تجاوزت أرباح أي شركة في تاريخ اليابان.
وقد سجّلت الشركة التي أسسها منذ 40 عاماً أرباحاً صافية بقيمة 1.93 تريليون ين (17.7 مليار دولار في ذلك الوقت)، متجاوزة بكثير شركات يابانية من العيار الثقيل مثل "تويوتا موتور" و"إن تي تي".
قال بودري: "إنّ الأمر غير طبيعي، والأسواق والمستثمرون بدأوا يشعرون بالقلق". وعندما يتعلق الأمر "باحتمال الخسارة وحجمها، يبدو أن الأسواق تضع في اعتبارها مزيداً من الخسائر بوجه عامّ".
تراجع أسهم التكنولوجيا
تعرض صندوقا "رؤية" التابعان لمجموعة "سوفت بنك" لضربة عنيفة مع هبوط أسعار أسهم التكنولوجيا، وسط ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وإحكام الصين قبضتها التنظيمية على القطاع.
ووقع التأثير الأكبر على "صندوق رؤية" من أسهم شركتَي "كوبانغ" الكورية الجنوبية و"ديدي غلوبال" الصينية ضمن شركات أخرى، إذ سجلت كل منهما أكبر انهيار في أسعار الأسهم في ربع سنة، بنسبة بلغت 40% و50% على التوالي.
سُجّلَت أكبر خسارة لـ"صندوق رؤية" حتى الآن –وبلغت 825.1 مليار ين– خلال الربع الثاني من العام المالي عندما انهارت أسعار الأسهم في الأسواق العالمية. بعدها استعادت الشركة مسار الربحية، وحققت أرباحاً بقيمة 109 مليارات ين خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في 31 ديسمبر الماضي.
قيادات مهمة تغادر صندوق أمريكا اللاتينية التابع لـ"سوفت بنك"
سيعتمد تحديد صافي نتائج الأعمال الفعلي عن الربع الأخير من السنة المالية على كيفية تحديد مجموعة "سوفت بنك" لقيمة العدد الهائل من حصص استثماراتها الخاصة، وهي تشمل شركة "بايت دانس" (ByteDance)، التي تشغل منصة "تيك توك" الشهيرة لمقاطع الفيديو القصيرة، بالإضافة إلى شركة "أويو هوتيلز" (Oyo Hotels) الهندية.
في مذكرة للمستثمرين، قال بودري: "هذا الجزء من محفظة الاستثمارات أقل وضوحاً بكثير، خصوصاً في صندوق (رؤية 2)، إذ إنّ كثيراً من هذه الاستثمارات أصغر حجماً أو في مرحلة مبكرة. ومع ذلك يُرجَّح أن تتكبد (سوفت بنك) خسائر كبيرة في محفظة الاستثمارات الخاصة أيضاً".
تعمل موجة الهبوط العنيفة في أسواق الأسهم العالمية ضد نموذج "سوفت بنك" في ممارسة نشاطها، الذي أعاد سون هيكلتها في صورة شركة استثمار قابضة عن طريق "صندوق رؤية" في عام 2016.
وتسببت سلسلة من الفضائح والسياسات الخاطئة من جانب شركات "وي ورك" (WeWork) و"وايركارد" (Wirecard) و"غرينسل كابيتال" (Greensill Capital) في تعرضها لتحقيقات دولية.
غياب الشفافية
تسببت مخاوف المستثمرين حالياً من انخفاض قيمة أسهم التكنولوجيا مجدداً في الإضرار بسمعة سون، وأثارت شكوكاً بشأن استدامة وتماسك نشاط الشركة.
ويُعتبر غياب الشفافية حول كمية أصول الصندوق المرهونة لقروض عاملاً آخر في انتشار حالة القلق بالأسواق.
كتب أمير أنور زاده من شركة "أسيمتريك أدفايزرز" (Asymmetric Advisors) في مذكرة: "إن هيكل النشاط بأكمله في مجموعة (سوفت بنك) يعتمد على افتراض واحد رئيسي هو ارتفاع أسعار الأسهم إلى ما لا نهاية"، خصوصاً أسهم التكنولوجيا، التي تتصدر حالياً موجة البيع في الأسواق.
وقال إن هذا "الخلل الجوهري" ينكشف بصورة متزايدة بسبب هبوط السوق حالياً.
"سوفت بنك" تسرع وتيرة شراء أسهمها لأكثر من مليار دولار في مارس
تكبدت وحدة"صندوق رؤية" خسائر في حيازتها من 32 سهماً من إجمالي 34 سهماً مطروحاً للتداول العامّ خلال الربع الأخير، وفق تصريح ديساكو ماسونو من شركة "نومورا سيكيوريتيز" (Nomura Securities).
وتشمل هذه المحفظة أسهم "كوبانغ" (Coupang) الكورية الجنوبية (5.4 مليار دولار)، و"غراب هولدينغز" (Grab Holdings) في سنغافورة (2.4 مليار دولار)، و"ديدي" (Didi) الصينية (2.4 مليار دولار)، و"باي تي إم" (Paytm) الهندية (1.3 مليار دولار)، و"دورداش" (DoorDash) الأمريكية (1.1 مليار دولار).
جاءت الخسائر غير المحققة في محفظة الأسهم المتداولة في نطاق يبدأ من 37 مليار دولار وحتى 38 مليار دولار بالنسبة إلى السنة المالية 2021، وفقاً لتصريحات بودري.
وإجمالاً، انخفضت قيمة الأسهم في محفظة "صندوق رؤية" من الشركات العامة بنسبة تجاوزت 50% عن أعلى مستوى بلغته في تاريخها.
خسائر دفترية
من المؤكد أن خسائر "سوفت بنك" هي خسائر دفترية على الورق بوجه عامّ، تماماً مثلما كانت أرباحه قبل عام. وقليل من المحللين يقدمون تقديرات لهذه الخسائر، على الأقل علناً.
وبسبب تحوُّل المجموعة إلى شركة استثمارية قابضة، فإنه يلزمها أن تدوّن قيمة محافظها بالقيمة السوقية لها.
على مدى زمني طويل، كان وارين بافيت يرى أن الأرقام الفصلية الخاصة بشركات الاستثمار مثل شركته "بيركشير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) هي أرقام خالية من أي معنى تقريباً.
مع ذلك، فإنّ أداء "سوفت بنك" في أحدث فصولها قد يصبح بقعة سوداء في سمعة سون، فيما يحاول أن يُعيد اختراع نفسه حتى يصير الرأسمالي المغامر الأكثر تأثيراً في العالم.
أنشأ سون مبادرة "صندوق رؤية" اعتماداً على سجلّه الخاص في التقاط الشركات الناشئة، بما في ذلك رهانه على شركة التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة "علي بابا غروب" الذي أصبح من أنجح الصفقات في التاريخ.
ولكن حتى هذه الصفقة فقدت رونقها، إذ إنّ تضييق بكين الخناق على إمبراطورية "جاك ما" شطبت ما يزيد على 70% من قيمة "علي بابا" منذ بلوغها ذروتها في أكتوبر 2020.
خسائر حادة
انخفض مؤشر "ناسداك 100"، وهو مؤشر معياريّ هامّ على أداء أسهم التكنولوجيا، بنسبة 25% تقريباً منذ بداية العام، ويتجه إلى تسجيل أسوأ أداء سنوي له منذ عام 2008. وقد ارتفع المؤشر بنسبة 27% في العام الماضي عقب زيادة كبيرة بنسبة 48% في عام 2020.
الصناديق التي تستثمر بكثافة في أسهم التكنولوجيا تعرضت لضربة عنيفة في مختلف أنحاء العالم، ومن بينها صندوق "تايغر غلوبال مانجمنت" (Tiger Global Management) التابع لشركة "تشيز كولمان" (Chase Coleman)، وهو واحد من أنجح صناديق التحوط في قطاع الأسهم على مدى العقدين الماضيين.
وقد سجّل الصندوق أكبر خسائر في القطاع حتى الآن في عام 2022، وتسبب اضطراب أسهم التكنولوجيا في محو 16 مليار دولار من صناديق التحوط والاستثمار طويل الأجل لدى الشركة.
دان بيكر، المحلل لدى شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar)، من بين أولئك الذين يتبنون موقفاً أقل تشاؤماً بشأن توقعات وفرص "سوفت بنك". وقال إنّ مجموعة "سوفت بنك" –بحجمها الكبير– ستكون أمامها مساحة أوسع وفرص أكثر للاستثمار، رغم أن أداء صناديق التكنولوجيا التي تستثمر في شركات ناشئة ستكون متقلبة بنفس الدرجة.
أوضح بيكر أنّ "هذا الاستثمار ليس للجميع، غير أنك إذا كنت مستعداً للتعامل مع تقلبات السوق، وإذا نظرت إلى أداء المجموعة في المدى الطويل، فستجد أنه معقول جداً من الناحية الفعلية".