يبدو أن الأصول البريطانية المتعثرة مُقبلة على تحمل المزيد من الآلام بعد تحذيرات بنك إنجلترا من الركود التي شكّلت أكثر التوقعات تشاؤماً التي يطلقها أي بنك مركزي رئيسي.
انخفض الجنيه الإسترليني إلى أضعف مستوياته منذ يونيو 2020، إذ يراهن متداولو العملات بشكل متزايد على المزيد من الخسائر. ويتوقع المحللون الاستراتيجيون لقطاع البنوك أن تستمر الأسهم التي تركّز على الاقتصاد المحلي في تسجيل أداء ضعيف، في حين أن مقياس مخاطر ديون الشركات مستمر في الارتفاع.
أصبحت رؤية السوق أكثر سلبية بعد أن ذكر بنك إنجلترا الأسبوع الماضي أنه يتوقع أن يصل التضخم إلى مستوى مرتفع يبلغ 10% هذا العام، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف ويعزز الركود. تتسم تلك النظرة المستقبلية بأنها سيئة للغاية لدرجة أن المتداولين يتجهون إلى السندات الحكومية البريطانية قصيرة الأجل كملاذ، حيث يراهنون على أن صانعي السياسة سينتهي بهم الأمر بخفض أسعار الفائدة من أجل دعم الاقتصاد.
قال ستيفن ميجور، الرئيس العالمي لأبحاث الدخل الثابت في "إتش إس بي سي" (HSBC Holdings Plc)، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إن: "النصف الثاني من العام سيكون أضعف بكثير من النصف الأول". وأضاف بأن أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، كان "صريحاً بشكل واضح" بشأن مخاطر الركود، وقد لا يكون المجال للمزيد من رفع أسعار الفائدة متاحاً لفترة طويلة.
سيترقب المستثمرون صدور أحدث أرقام للناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، بحثاً عن إشارات على مزيد من الضعف. ويحذر الاقتصاديون في "بلومبرغ" من أن القراءة لشهر مارس من المرجح أن تسلط الضوء على فقدان الزخم الذي قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد في الربع الثاني.
يُظهر ذلك مدى صعوبة تجاوز هذا المنعطف بالنسبة لصانعي السياسات. وسيتعين عليهم أن يأخذوا بالحسبان مدى أهمية تصريحاتهم بالنسبة إلى الأسواق، لا سيما الجنيه الإسترليني، كونه يهدّد بتأجيج المزيد من التضخم عن طريق إضعافه، خاصة أنهم يوجّهون المستثمرين الرئيسيين باتجاه الطريق نحو المستقبل.
تغيير محدود
انخفض الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.23 دولار يوم الجمعة الماضي، حيث وصل إلى المستويات التي سجلها آخر مرة خلال فترة اضطراب السوق الناجم عن تفشي الوباء في عام 2020. ويبدو بشكل مفاجئ أن اختبار مستوى 1.21 دولار أصبح متاحاً في الوقت الحالي، وفقاً لجو توكي، وهو محلل العملات في شركة "أرجنتيكس" (Argentex).
تزداد رهانات متداولي الخيارات بالفعل على حدوث الانخفاض في الأشهر المقبلة. ويشير مقياس الزخم، الذي يُطلق عليه مؤشر الخوف والجشع، إلى أن البائعين لم يتحكموا في الأسعار كثيراً منذ الأيام الأولى لصدمة الوباء. وقال توكي: "لا تزال المعنويات ضعيفة، ويبدو أن تغيير المسار يبدو محدوداً في الأفق".
تراجعت السندات الحكومية بالمملكة المتحدة في البداية بعد أن رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة مرة أخرى إلى 1% يوم الخميس الماضي، على الرغم من أنه منذ ذلك الحين انتعشت الديون قصيرة الأجل، بسبب احتمال تشديد صانعي السياسة من خلال فرض المزيد من الزيادات.
لا تزال أسواق المال ترى أن سعر الفائدة المصرفية يرتفع إلى ما يزيد عن 2%، على الرغم من أنها قلّصت الرهانات على الزيادات الأخرى منذ اجتماع بنك إنجلترا. وبعد ذلك بحلول عام 2024، يرى المتداولون أن بنك إنجلترا مضطر إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد.
قال بيدر بيك - فريس، مدير محفظة في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management .Co): إن "بنك إنجلترا تحوّل إلى مؤسسة مترددة في رفع الفائدة حيث يتزايد قلقه بشأن توقعات النمو".
من المفترض أن يضفي ذلك المرونة على سندات الحكومة البريطانية في مواجهة عمليات بيع واسعة النطاق في السوق، مقارنة بديون منطقة اليورو، نظراً لأنه من المتوقع أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي في رفع معدلات الفائدة، وفقاً لـ "سيتي غروب" (Citigroup Inc)، الذي يستهدف انخفاض علاوة عائد سندات لأجل 10 سنوات أكثر من السندات الألمانية، لتصل إلى 60 نقطة أساس، مقارنة بحوالي 85 نقطة أساس الحالية.
مشكلات الشركات
يظهر مؤشر "فوتسي 100" (FTSE 100) أيضاً بشكل متزايد كملاذ آمن، لا سيما بالمقارنة مع نظيره "فوتسي 250" (FTSE 250) الذي يضم مستويات رأس المال المتوسطة. يأتي المقياس الذي تغلبت عليه أسهم التصدير مدعوماً جزئياً بعلاقته العكسية بالجنيه الإسترليني، في حين أن الانكشاف بنسبة 75% على الإيرادات الخارجية يحميه من أزمة تكلفة المعيشة بالمملكة المتحدة.
أقرّ الاستراتيجيون في كلٍ من "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group Inc) و"جيه بي مورغان" (JPMorgan Chase & Co) و"مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) و"باركليز" (Barclays Plc)، بالإجماع على أنهم يفضلون الأسهم البريطانية المنكشفة على عمليات دولية أكثر من الأسهم المحلية. وتعتبر التوقعات الاقتصادية الضعيفة للبلاد، والتضخم المرتفع، وتراجع الحوافز الحكومية ورفع أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا من بين السلبيات بالنسبة إلى الأسهم المحلية.
كذلك ترسل سوق الديون المؤسسية رسالة للشركات المحلية بتوخّي المزيد من الحذر. فقد ارتفع مقياس المخاطر في قطاع السندات دون الدرجة الاستثمارية بالجنيه الإسترليني، والذي يضم بشكل أساسي مقترضين محليين، متجاوزاً حاجز الـ 500 نقطة أساس هذا الأسبوع، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2020.
سيضيف ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى سلسلة التحديات التي تثقل كاهل الشركات، والتي تتضمن تراجع طلب المستهلكين وارتفاع أسعار الطاقة. أما مصدر القلق الإضافي فهو خطة بنك إنجلترا لبدء بيع محفظة سندات الشركات البالغة 20 مليار جنيه إسترليني (24.9 مليار دولار) في سبتمبر، ما يؤدي إلى إلغاء الدعم لسوق الائتمان الذي كان متبعاً منذ الفترة اللاحقة على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
قال بن لورد، مدير صندوق في "إم آند جي إنفستنتس" (M&G Investments): "صمدت هذه الائتمانات بشكل جيد حتى الآن في ظل تحفيز إضافي بسبب تفشي كوفيد، لكن من المرجح أن يكون سحب الدعم أكثر إيلاماً".