أغنى رجل في أفريقيا يراهن بـ21 مليار دولار على النفط والأسمدة

أعمال البناء في موقع مشروع مصفاة التكرير في لاغوس، نيجيريا في 19 أبريل 2022 - المصدر: بلومبرغ
أعمال البناء في موقع مشروع مصفاة التكرير في لاغوس، نيجيريا في 19 أبريل 2022 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حين قرر أليكو دانغوتي، أغنى رجل في أفريقيا، أن يشيّد مصفاة نفط على قطعة أرض مستنقعية في جنوب نيجيريا تُقدر مساحتها بحوالي نصف مساحة مانهاتن، لجأ إلى الشخص الذي ساعده على تحويل شركة تداول صغيرة إلى إمبراطورية صناعية على امتداد القارة.

على مدى ثلاثين سنة، تحدى ديفاكومار إدوين واحدة من بيئات العمل الأصعب في العالم من أجل إنشاء معامل النسيج ومطاحن الدقيق ومصانع المنتجات الغذائية وشركات الأسمنت التابعة لدانغوتي.

واليوم، ها هو يشرف على أكبر مشروع من نوعه، يتمثل بمصفاة للنفط ومجمع لصناعة الأسمدة الزراعية بتكلفة 20.5 مليار دولار.

يحفل هذا المشروع الاستثماري بالإنجازات المتفوقة التي يعددها إدوين وكأنها قائمة تسوق، فتتضمن أكبر مصفاة للنفط الخام في العالم، وثالث أكبر مصنع للأسمدة في العالم، وثاني أكبر مصنع لإنتاج اليوريا، وأكبر استثمار في تاريخ نيجيريا، ومصنعين ضخمين لدرجة تطلب الأمر إنشاء واحدة من أكبر شركات البناء في العالم لتشييدهما.

هيمنة على المنتجات النفطية

بالنسبة لدانغوتي، يمنحه المشروع القدرة على الهيمنة على قطاع المنتجات النفطية المكررة، كما سبق أن فعل في قطاعي الإسمنت والسكر، حيث يسيطر على السوق بمساعدة من السياسات الحكومية الصديقة في الاقتصاد الأكبر في أفريقيا.

سيلبي هذا المشروع الطلب على الوقود الأحفوري الذي يتوقع أن ينمو في القارة خلال العقود المقبلة، في وقت يتجه بقية العالم نحو الحد من انبعاثات الكربون.

بعد قيادة السيارة لحوالي ثلاث ساعات في الشوارع المزدحمة في لاغوس، أكبر مدينة في أفريقيا، تصل إلى مدخل المجمع، حيث يتحول المشهد أمامك إلى متاهة من الرافعات والأنابيب وخزانات النفط بحجم أحياء في المدن وأعمدة حديدية بارتفاع ناطحات السحاب.

يمتد المجمع البتروكيميائي على مساحة 10 أميال مربعة تقريباً، يخيم عليه مزيج ضبابي من الغبار المنبعث من مئات المركبات المخصصة للبناء التي تجوب الموقع، والهواء الاستوائي الرطب على الساحل النيجيري.

سوء الإدارة

يعدّ المشروع محاولة دوانغوتي الأكثر جرأة للاستفادة من انعدام الكفاءة الذريع في أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا.

فسوء الإدارة ونقص الاستثمار والبنية التحتية المتداعية، أو غير الموجودة أصلاً، وأعمال العنف، والفساد المستشري، والسرقات الضخمة، خلّفت نموذج أعمال معطل تماماً في نيجيريا.

فيما تسهم مبيعات النفط والغاز بـ90% من إيرادات الصادرات في نيجيريا، لا تحصل الدولة إلا على إيرادات متواضعة نسبياً، لم تتجاوز الـ8 مليارات دولار في عام 2020، بحسب مكتب الموازنة في البلاد.

كما أن استفادة الحكومة من القطاع تتآكل أيضاً في ظلّ السرقات المستشرية للنفط الخام، حيث تتم سرقة 150 ألف برميل في اليوم بحسب الأرقام الحكومية، أي ما تقدر قيمته بـ5.5 مليار دولار سنوياً، بحسب أسعار النفط الحالية.

بما أن نيجيريا تفتقر إلى القدرة على تكرير النفط، فإن شركة الطاقة التابعة للدولة تقايض النفط الخام – حوالي ربع إجمالي إنتاج البلاد في العام الماضي – بالوقود المستورد الذي تدعم الحكومة أسعاره، حيث سعر الوقود في نيجيريا يعدّ من الأدنى في العالم، ويبلغ نحو 40 سنتاً للتر.

دعم الوقود

تتوقع الحكومة أن تنفق 9.6 مليار دولار على دعم الوقود هذا العام، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي تنفقه على التعليم والصحة والدفاع مجتمعين، بحسب البيانات الحكومية.

في حين أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن الدعم يفرض "عبئاً ضخماً غير قابل للاستدامة" على كاهل الإدارة المالية الحكومية.

تدرك الحكومة إذاً مدى أهمية مصفاة دانغوتي للبلاد، فيما يعرف الملياردير مدى أهمية الحفاظ على رضا الحكومة.

في أغسطس الماضي، استحوذت شركة النفط الوطنية على 20% من مشروع المصفاة مقابل مبلغ 2.7 مليار دولار.

بالنسبة لأبوجا، يعني ذلك حصولها على مقعد على الطاولة التي تدار منها المصفاة وضمان تدفق ثابت للعملة الأجنبية بفضل عوائد حصتها، وفق ما أفاد به تاج الدين إبراهيم، رئيس البحوث في المصرف الاستثماري المتخصص في لاغوس "شابيل هيل دينهام" (Chapel Hill Denham).

ورأى إبراهيم أن استحواذ الحكومة على حصة كان أمراً لا مفرّ منه نظراً إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة. ودانغوتي الذي تقدر ثروته بـ20.2 مليار دولار يدرك جيداً كيف تعمل الشركات الكبرى في نيجيريا.

وقال إبراهيم: "عندما تكون منسجماً مع الحكومة، فإنك تحرز تقدماً كبيراً في عملك في هذا البلد"، مضيفاً "يعرف دانغوتي كيف يجعل شركاته منسجمة مع الأهداف الحكومية".

الاستفادة من الحكومة

لطالما نفى الملياردير المزاعم التي تتهمه باستخدام علاقاته الوثيقة مع الحكومة من أجل تعزيز شركاته. مع ذلك، هو يعدّ المستفيد الأكبر من الأحكام الواردة في قانون قطاع النفط الصادر مؤخراً في نيجيريا الذي يحصر ترخيص استيراد المنتجات المكررة بهدف تغطية أي نقص في الإمدادات المحلية للشركات التي لديها قدرات تكرير محلية، بحسب أيوديلي أوني، الشريك في شركة المحاماة "بلومفيلد" في لاغوس.

يراهن دانغوتي على مشروع المصفاة التي مولها بواسطة الأرباح المرحلة من الشركات الأخرى تحت مظلمة مجموعة دانغوتي، وأكمل المبلغ بواسطة قرض مشترك بقيمة 3.3 مليار دولار رتبه مصرف "ستاندرد تشارترد".

قبل بناء المجمع المترامي الأطراف، اضطر إدوين إلى بناء طرق وميناء ومحطتين لتوليد الطاقة، مما أدى إلى مضاعفة التكاليف عن التقديرات الأولية البالغة 8 مليارات دولار وتأخير اكتمال المشروع لستّ سنوات.

كما أمضى سنتين وأنفق 300 مليون دولار لضخ 65 مليون متر مكعب من الرمال إلى أرض المشروع من أجل زيادة ارتفاعها بمقدار 1.5 متر لحماية استثماره من أي ارتفاع مستقبلي في منسوب البحر قد ينجم على الاحترار العالمي.

كما عزا بعض المراقبين التأخير إلى تولي دانغوتي أعمال الهندسة وتأمين المشتريات ومقاولات البناء بنفسه، متحملاً مسؤولية يجري في العادة تفويضها إلى شركات مثل "سايبيم" (Saipem) و"كي بي أر" (KBR)، لبناء منشأة أكثر تعقيداً بأشواط من مصنع للاسمنت.

وقال المدير التنفيذي البالغ من العمر 65 عاماً المنحدر من منطقة تيرونيلفيلي في ولاية تاميل نادو الهندية في مقابلة في 31 مارس في موقع المشروع "لم أسافر في عطلة منذ أكثر من ثلاث سنوات... واليوم نعمل على مدار سبعة أيام في الأسبوع".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الطرح في البورصة

شارفت المنشاة الآن على الانتهاء، بما يتضمن مصنعاً لليوريا بقيمة 2.5 مليار دولار الذي بدأ العمل الشهر الماضي ويقوم بالفعل بشحن المنتجات إلى الولايات المتحدة والهند والبرازيل.

وقال إدوين إنه ما أن تبدأ المصفاة بالإنتاج، تخطط الشركة لإدراجهما في البورصة بشكل منفصل "على الأرجح في بورصة لندن"، بدون أن يعطي معلومات حول الموعد المتوقع لذلك.

وكان دانغوتي قد تحدث في السابق عن احتمال القيام بإدارج ثانوي في بورصة لندن لشركة الأسمنت الخاصة به، والتي تعد أكبر منتج في أفريقيا، إلا أنه أجّل ذلك عدة مرات، آخرها حتى عام 2023.

وقال إدوين إنه من المتوقع أن تدخل المصفاة التي تبلغ سعتها 650 ألف برميل يومياً الخدمة في الربع الرابع من العام.

وبعد لقائه الرئيس النيجيري، محمد بخاري، في أبوجا الأسبوع الماضي، قال دانغوتي إنه يتوقع أن يفتتح الرئيس المعمل قبل انتهاء ولايته في مايو 2023.

يضيف إدوين أنه ما أن تدخل المصفاة في الخدمة، يمكن أن تصل بسرعة للعمل بسعة 90%.

وقدّر صندوق النقد الدولي في تقرير فبراير الماضي أن المصفاة ستكون قادرة على إنتاج 50 ألف برميل يومياً في عام 2022، على أن تصل إلى 300 ألف برميل يومياً بحلول عام 2026.

ويكفي 60% فقط من ناتج المنشأة لتلبية كافة حاجات نيجيريا من الوقود، ما قد يجعل البلاد مكتفية ذاتية لناحية المنتجات النفطية للمرة الأولى.

دعم اقتصاد نيجيريا

يتوقع إدوين أن يكون للقيمة المضافة المجتمعة التي سوف تجلبها منشآت اليوريا والنفط "تأثير كبير" على اقتصاد نيجيريا الذي يقدر حجمه بـ432 مليار دولار.

وقال إن إيرادات الصادرات ستدعم أيضاً النيرة، العملة المحلية، التي خفّض البنك المركزي قيمتها ثلاث مرات خلال السنتين الماضيتين.

وقال إدوين: "ما أن تدخل المصفاة في الخدمة بشكل كامل، لا أتوقع أن تنزلق العملة أكثر مقابل الدولار"، على الرغم من أن القليل من الخبراء الاقتصاديين يوافقونه الرأي، وأضاف "ثمة احتمال حقيقي أن تزداد العملة قوة".

وشرح أن إيرادات الصادرات من المشروع ستلبي كامل حاجات مجموعة دانغوتي للنقد الأجنبي، ما يزيل أحد أكبر مصادر الطلب على الدولار في نيجيريا.

كما أن المشروع يعني أن الحكومة لن تعد مضطرة لإرسال العملة الصعبة خارج البلاد من أجل شراء المنتجات المكررة.

سرقة النفط الخام

على الرغم من حماسة إدوين، فإن المشروع لن يكون الدواء الشافي لجميع المشاكل الاقتصادية التي تواجهها نيجيريا.

فالمصفاة لن تعالج عجز الحكومة النيجيرية عن جني الأرباح من ارتفاع أسعار النفط هذا العام. فالدولة العضو في "أوبك" غير قادرة على تأمين حصصها الإنتاجية، ويعود ذلك بجزء منه إلى السرقات الهائلة التي تستهدف خطوط الأنابيب.

وفي حال استمر الدعم، فإن التكاليف التي تتكبدها الحكومة سترتفع على الأرجح بدل أن تنخفض، حتى حين تفتح المصفاة أبوابها.

لا تزال أجزاء كبيرة من شبكة الأنابيب في دلتا نهر النيجر الغنية بالنفط متروكة بدون حماية داخل متاهات من الجداول بعيداً عن سيطرة السلطات.

وفيما كانت الجماعات المسلحة قامت في الماضي بتفجير المنشآت في حملة مسلحة ضد شركات النفط والحكومة، اليوم يتم سرقة ناقلات النفط الخام بشكل سلمي نسبياً.

وقال إدوين، لو أن مصفاة دانغوتي تعتمد على شبكة الأنابيب "فلن يصلني أي من النفط"، لذا تم بناء المنشأة بطريقة تحصل على النفط فقط عبر السفن، وتنقله براً أو عبر البحر.

تجاهل إدوين التساؤلات حول الحكمة من استثمار عشرات المليارات في مصفاة نفط في وقت يسعى فيه العالم للتخلص من الكربون.

وقال إنه من المرجح أن تتخلف أفريقيا جنوب الصحراء عن بقية العالم على صعيد الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.

إلا أن الشركة تخلت بالفعل عن خططها بمضاعفة سعة المصفاة، حيث تظهر التوقعات أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبقى ثابتاً عند مستوى واحد في أفضل الأحول.

ولكنها تخطط لتوسيع نشاطها في مجال الأسمدة الذي يشهد ازدهاراً بسبب الحرب في أوكرانيا التي تعدّ مورِّداً أساسياً للسماد الزراعي.

إلى ذلك، تخطط مجموعة دانغوتي للحصول على تراخيص للتعدين في السنغال، أو توغو، أو جمهورية الكونغو، أو جمهورية الكونغو الديمقراطية، من أجل إنتاج الفوسفات لتوسيع صناعة الأسمدة.

وقال إدوين، إن الشركة تخطط أيضاً لاستكشاف فرص إنتاج البوتاس في جمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وسوف تتوضح هذه الخطط أكثر ما أن يحقق هدفه الفوري المتمثل بالبدء بتشغيل المصفاة هذا العام.

وقال "سوف آخذ عطلتي بعد أن نبدأ".

تصنيفات

قصص قد تهمك