يُضطر أكبر بنكين مركزيين في آسيا إلى مواجهة تداعيات المسار المتشدد الذي يتخذه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
فقد ظلت أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك الصينية الكبرى على عملائها ثابتة يوم الأربعاء، حتى مع تباطؤ الاقتصاد تحت وطأة الإغلاق المستمر لاحتواء تفشي كوفيد-19.
وقد يؤدي ذلك إلى إبطاء وتيرة تدفقات رأس المال إلى الخارج بعد أن باع المستثمرون السندات الحكومية بوتيرة قياسية خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، حيث خفف بنك الشعب الصيني سياسته النقدية، في حين شدّد الاحتياطي الفيدرالي السياسة النقدية.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يدرس خفض ميزانيته العمومية بـ95 مليار دولار شهرياً
وفي اليابان، اضطر البنك المركزي إلى تكثيف مشترياته من السندات مرة أخرى يوم الأربعاء، حيث يواصل المستثمرون اختبار قدرته على إبقاء العوائد منخفضة مع ارتفاع نظيراتها من السندات الأمريكية.
وعانى الين من سلسلة خسائر تاريخية نتيجة لذلك، مما دفع محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا هذا الأسبوع إلى تصعيد تحذيراته بشأن تحركات الين الحادة، مما يشير إلى أنه قد يكون هناك حد زمني لاستمرار بنك اليابان على هذا النحو المتشائم.
لماذا يُعدّ تقليص المركز المالي للاحتياطي الفيدرالي مهماً
قال تولي ماكولي، رئيس اقتصاديات آسيا والمحيط الهادي في "سكوتيابنك" (Scotiabank): "تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي له تأثير واضح على الصين واليابان. فهو يجعل سلوك سياستهما النقدية أكثر تعقيداً بكثير".
ومن المتوقع أن يتعمق هذا التباين. فقد أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى وتيرة سريعة نسبياً في زيادات أسعار الفائدة خلال بقية العام ليصل سعر الفائدة القياسي إلى ما يعتبرونه مستوى "محايداً" عند 2.25-2.5% أو أكثر. ورفعوا سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية في مارس الماضي، بعد إبقائه بالقرب من الصفر في العامين الماضيين.
حلقة مُحكمة
يقول المحللون إن كلاً من بنكي الصين واليابان المركزيين سيُحكمان حلقة تشديد تدفقات الأموال.
يؤجل بنك الشعب الصيني تخفيضات أسعار الفائدة على نطاق واسع، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى تطبيق حيز إرشادات وإجراءات أخرى لضمان قيام البنوك بإقراض أجزاء الاقتصاد التي هي في أمسّ الحاجة إليها.
بولارد: "الفيدرالي" قد يرفع أسعار الفائدة بـ75 نقطة أساس عند الحاجة
ويأتي هذا التحفظ على أسعار الفائدة المنخفضة مع ضعف تداول اليوان في الخارج يوم الثلاثاء بأكبر قدر منذ يوليو، في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية وتعززت العملة الأمريكية. وحدّد بنك الشعب الصيني يوم الأربعاء سعره المرجعي لليوان عند مستوى أضعف.
وتمضي اليابان كذلك بحذر، بحسب ما هو واضح من تحذيرات كورودا بشأن تحركات الين الحادة مع التمسك بالتزامه بمواصلة تحفيز الاقتصاد الهش. وكانت آخر مرة تدخلت فيها اليابان لبيع الدولار وشراء الين في يونيو 1998 وذلك خلال ذروة أزمة العملة الآسيوية.
كلما تباطأ الاحتياطي الفيدرالي في قراراته كان الهبوط الاقتصادي أشدّ قسوة
ورجّح أشخاص مطلعون على الأمر أن يدرس بنك اليابان إجراء تغييرات ملموسة في توقعات التضخم والنمو الأسبوع المقبل. وسيصدر البنك توقعاته في تقرير الآفاق الاقتصادية الفصلي المقرر في 28 أبريل الجاري بعد اختتام الاجتماع الذي استمر ليومين.
وقال نوبوياسو أتاغو، الرئيس السابق لقسم إحصاءات الأسعار في بنك اليابان ويشغل حالياً منصب كبير الاقتصاديين في "ليشيوشي سيكيورتيز" (Ichiyoshi Securities Co. Ltd.) في طوكيو: "لا أعتقد أن تبادر اليابان أو الصين إلى فصل سياستيهما النقدية بشكل كامل عن الاحتياطي الفيدرالي، حيث سيؤدي ذلك إلى المزيد من إضعاف عملتيهما وتوسيع فجوات العائدات".
إلى ذلك، قالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادي في "ناتيكسيس" (Natixis SA)، إنه من المحتمل أن يتخلى بنك اليابان عن سياسة التحكم في منحنى العائد، في الوقت الذي سيبتعد بنك الشعب الصيني عن التخفيضات الواسعة لأسعار الفائدة، ويستعين بقنوات أخرى لضخ الأموال في الاقتصاد.
وأضافت: "لن يتسنّى لأحد أن ينجو من مثل هذا التشديد السريع، كالذي يطبقه الاحتياطي الفيدرالي".
عوامل أخرى
لا يشكّل الاحتياطي الفيدرالي المحرك الوحيد في المعادلة بالنسبة للصين أو اليابان. فقد تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في إثارة قلق المستثمرين العالميين، بالإضافة إلى عمليات الإغلاق في الصين.
وعانت اليابان أيضاً من عجز تجاري مع ارتفاع تكاليف استيراد الطاقة، مما زاد من العراقيل بالنسبة إلى الين.
وفي الوقت نفسه، كانت التدفقات الخارجية للصين متواضعة مقارنة بالتحركات الكبيرة التي يمر بها الين.
توقعات الاحتياطي الفيدرالي لا توافق حسابات أسواق الديون
قال هيلغا بيرغر، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في الصين، إنه من المتوقع حدوث تحولات في المحفظة عندما يتحرك فارق العائد بين الدول في اتجاهين متعاكسين.
وأوضح بيرغر، خلال مقابلة، بالقول: "تلك هي قوانين الاقتصاد الكلي الدولي التي تعمل".
تقليص الميزانية
ومع ذلك، فإن تركيز الاحتياطي الفيدرالي المتوقع على رفع أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة سيستمر دوره كأحد العوامل المحركة.
يعزز صانعو السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي التوقعات بأنهم سيرفعون أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية الشهر المقبل، ويتم تسعير العقود الآجلة لأسعار الفائدة بالكامل تقريباً بارتفاع نصف نقطة خلال اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 3-4 مايو المقبل.
يحدث ذلك عندما يعلن المسؤولون أيضاً عن تاريخ البدء بمباشرة نهج تقليص ميزانيتهم العمومية البالغة 9 تريليونات دولار تقريباً.
قال جيمس بولارد، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، في تصريحات له يوم الإثنين الماضي، إن البنك المركزي لا ينبغي أن يستبعد حتى الزيادات الكبيرة، مستشهداً بحركة 75 نقطة أساس التي قام بها رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق آلان غرينسبان في عام 1994.
ستبعد دورة الصعود العنيفة هذه حتماً المستثمرين الأجانب عن الاقتصادات المنافسة، وفقاً لما ذكره تشانغ تشويوي، كبير الاقتصاديين في شركة "بينبوينت أسيت مانجمنت".
وأضاف: "ليست الصين وحدها، فالأسواق الناشئة الأخرى ستشهد أيضاً اتجاهات مماثلة".