لا تزال ملايين براميل النفط الروسي تجد طريقها للمشترين بعد شهر تقريباً من غزو روسيا لأوكرانيا، مما يخفف المخاوف من أن تداعيات العقوبات ستؤدي إلى خنق الإمدادات والتسبب في ارتفاع أسعار سوق الشحنات المادية.
وفي هذا الصدد اقتنصت مصافي النفط الهندية شحنات متعددة من خام الأورال الروسي الشهير هذا الشهر، ومن المحتمل أن تحل محل خامات الشرق الأوسط التي تشتريها عادة من أبوظبي والعراق. وفي غضون ذلك، لا يزال يُعتقد أن مصافي التكرير الخاصة في الصين تستقطب شحناتها المفضلة من شرق روسيا، وبأسعار منخفضة على الأرجح.
منذ غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر الشهر الماضي، كانت السوق مضطربة بشأن سؤالين حيويين: ما مقدار النفط الخام الذي ستبيعه موسكو في نهاية المطاف؟ وأين؟ خصوصاً في ظل إضراب المشترين عبر أجزاء من أوروبا رداً على الغزو، ولكن ما كان أقل وضوحاً هو مقدار الكميات التي ستشتريها المناطق الأخرى، خصوصاً آسيا، مركز الطلب الأعلى.
تعليقاً على الموضوع، قال جون دريسكول، كبير المحللين الاستراتيجيين في شركة "جيه تي دي إنيرجي سيرفيسز" (JTD Energy Services)": "لا بدّ أن البراميل الروسية تبدو مغرية"، مضيفاً أن الإجراءات ضد روسيا ستكبح مع ذلك شراء خامها بمرور الوقت. وأضاف: "وقد يستكشف التجار البارعون طرقاً لنقل البضائع، كما لن تخيف العقوبات الأمريكية الصينيين، وسيظلون أكبر مستورد للخام الروسي. كما أن الهند هي الدولة التالية التي تستحق المراقبة".
يشير شراء وبيع النفط غير الروسي، في الوقت الحالي على الأقل، إلى أن التجار أصبحوا أقل قلقاً بشأن خطر نقص الإمدادات، حتى لو لم تكن تجارة النفط الروسي خالية من المخاطر، وتمتدّ إلى نقطة نفط برنت في سوق لا تزال ضيقة بشكل لا يصدق وفقاً للمعايير التاريخية.
التجارة القانونية
في الوقت الحالي، لا توجد عقوبات تمنع الشراء بشكل مباشر، ولكن توجد مخاوف بشأن الخطوات التي يمكن اتخاذها في نهاية المطاف في حال استمرت الحرب. كما أصبح تمويل وتأمين وشحن البترول الروسي أكثر تعقيداً بسبب الإجراءات التي اتخذها الغرب.
علاوةً على ذلك، يناقش المسؤولون الأوروبيون فكرة فرض حظر على مبيعات النفط الروسية، على الرغم من انقسام الاتحاد الأوروبي حول الفكرة، إذ تعارض ألمانيا مثل هذه الخطوة. كما يستعدّ قادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي للاجتماع في بروكسل يوم غد الخميس لتعزيز استجابتهم للأزمة.
لكن يبدو أن التجار في الوقت الحالي يتبنون وجهة نظر مفادها أن تدفق النفط الروسي يشير إلى أن السوق لن تكون ضيقة كما كان يُعتقد في البداية.
شهدت السوق الفورية الآسيوية هذا الأسبوع فيضاً من العروض على نفط الشرق الأوسط، وفقاً للتجار. والأهمّ من ذلك أنه يأتي جنباً إلى جنب مع تباطؤ الطلب الصيني وسط عمليات إغلاق كوفيد-19، وتقلبات الأسعار الشديدة التي حيّدت عديداً من المشترين.
نفط الشرق الأوسط
تراجعت الفروق التي يجري عندها بيع نفط الشرق الأوسط، وهي مؤشر رئيسي للطلب عليها، بعد أن بدأت بقوة في وقت مبكر من هذا الشهر. وقد اشترت شركة "بي تي تي" (PTT) التايلندية خام أبوظبي زاكوم العلوي تحميل مايو بسعر يزيد بنحو 7.50 دولار للبرميل عن خام دبي القياسي هذا الأسبوع. ويقارن ذلك بعلاوة تزيد على 10 دولارات قبل أسبوعين.
وقد كان يُعتقد أن شحنات النفط الخام من الخليج العربي خيار طبيعي للمشترين الآسيويين في غياب الشحنات الروسية.
يُشار إلى أنه بعد فترة وجيزة من الغزو تزايد حذر المشترين من الشحنات الروسية على الرغم من الحسومات القياسية بعد أن حظرت الولايات المتحدة واردات النفط الروسية وتعرضت شركة "شل" (Shell) لانتقادات شديدة بسبب شراء خام الأورال. وكانت الشركة الرئيسية، إلى جانب "توتال إنيرجيز" (TotalEnergies) و"بي بي" (BP)، من بين مجموعة من المشترين الأوروبيين الذين تراجعوا خطوة إلى الوراء.
"توتال إنيرجيز" توقف شراء النفط والمنتجات البترولية من روسيا
تدفقات الشرق الأقصى
بينما لا يزال من المبكر في مجال التجارة والشحن قياس حجم الخام الروسي الذي سيتدفق في نهاية المطاف إلى آسيا في الأشهر المقبلة، توقعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها الأسبوع الماضي أن يتراجع إنتاج النفط في البلاد بنحو الربع في الشهر المقبل، مما يتسبب في أكبر صدمة في المعروض منذ عقود.
ومع ذلك من المرجح أن يتواصل بعض عمليات التسليم إلى آسيا، على الأقل في الوقت الحالي.
الجدير بالذكر أنه يجري تنظيم شحنات مايو من خام سوكول -نوع آخر من الشرق الأقصى الروسي- لبعض العملاء في شمال شرق آسيا الذين التزموا كميات كبيرة بموجب عقود طويلة الأجل واتفاقيات حقوق الملكية، وفقاً للتجار الذين يبيعون ويشترون الدرجة.
كما يجري تقديم شحنات تحميل مايو من إسبو القادم من شرق روسيا بتخفيضات على خام دبي الذي يجري تداوله مقابله، مقارنة بعلاوات الدرجات المقارنة من الشرق الأوسط. وقال تجار إنه يُنظر إلى شركات التكرير الصينية المستقلة بأنها أكثر المشترين ترجيحاً، على الرغم من عدم الإعلان عن أي صفقة حتى الآن هذا الشهر وسط انخفاض في شفافية السوق.
ما يضيف إلى البطء في المعاملات الفورية هو ضعف الطلب من المصافي الصينية، بما في ذلك مصافي التكرير المستقلة التي خفضت معدلات التشغيل وسط عودة ظهور فيروس كوفيد الذي أدى إلى الإغلاق.
وتشكّل مصافي التكرير الخاصة، المعروفة باسم "أباريق الشاي"، ربع قدرة التكرير في البلاد. وهي تعمل عند أدنى مستوى لها في خمس سنوات، وفقاً للشركة الاستشارية في الصناعة "أويل كيم" (OilChem). كما باعت اثنتان منها على الأقل شحنات خام من غرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية في خطوة نادرة في وقت سابق هذا الشهر.
غرب أفريقيا وأوروبا
قال تجار إنّ تضاؤل شهية المشترين الصينيين عاق أيضاً مشتريات شحنات غرب أفريقيا، مما أدى إلى انخفاض مستويات عروض الخام من منتجين مثل أنغولا. وقالوا إنّ حفنة من الشحنات الأنغولية تحميل أبريل لا تزال غير مبيعة، حتى بعد إصدار البرنامج لشهر مايو.
وفي أوروبا قال التجار إن تأثير فقد خام الأورال لم يكن عميقاً في ضيق السوق كما توقعوا سابقاً، إذ أمَّن معظم المصافي الأوروبية بالفعل الشحنات المطلوبة حتى منتصف الشهر المقبل.
ورجح التجار أن يؤمّن المشترون الأوروبيون شحنات من بحر الشمال مثل يوهان سفيردروب لتحل محل خام الأورال، أما خام البصرة المتوسط في العراق فهو نوع آخر يمكن اختياره بديلاً عن الدرجة الروسية.