تحاول البنوك الأوروبية اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستغادر روسيا في أعقاب غزوها أوكرانيا، وكيفية المغادرة أيضاً، وتجد أن استئصال نفسها من هناك سيكون بطيئاً ومكلفاً، وقد يكون له ثمن من ناحية السمعة، بغض النظر عما تقوم به.
في الوقت الحالي، تركز البنوك على تصفية المعاملات الفردية المتعلقة بروسيا أثناء مراجعة خروجها الكامل. أكثر من عشرة بنوك أوروبية كبيرة لها وجود ذو معنى في البلاد، ما يجعلها قوة أكبر على المستوى المحلي من البنوك الأمريكية.
اقرأ أيضاً: بنوك "وول ستريت" تباشر إنهاء الروابط مع الشركات الروسية
في ما يلي القضايا والأسئلة الرئيسية المطروحة أمام البنوك، بناء على التصريحات الأخيرة للمديرين التنفيذيين، وبناء على محادثات مع مصرفيين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً لحساسية المسألة.
1- من سيشتري الوحدة الروسية؟
من غير المرجح أن تزيد البنوك الدولية من تعرضها لروسيا، نظراً للعقوبات وتأثيرها على الاقتصاد، بينما تحتفظ البنوك الروسية برأس المال لمواجهة العاصفة. حتى لو كان البيع ممكناً، فقد يعني أنه سيجري على الأرجح بسعر متدنٍ للغاية. قال كارلو ميسينا، الرئيس التنفيذي لشركة "إنتيسا سان باولو" (Intesa Sanpaolo) يوم الخميس في مؤتمر نظمته "مورغان ستانلي" للخدمات المالية، إن الجهات التنظيمية الروسية أيضاً ليست لديها رغبة كبيرة في الموافقة على بيع البنوك التي تديرها البنوك الأوروبية في الوقت الحالي.
اقرأ المزيد: "سيتي" قد يتكبد 1.5 مليار دولار جرّاء انسحابه من روسيا
أفادت "بلومبرغ" بأن خطط "سيتي غروب" لبيع وحدة المستهلكين المحلية التابعة لها، تعثرت وسط الحرب.
2- ماذا عن التأميم؟
في أحد البنوك الأوروبية، كان التأميم في البداية السيناريو الأسوأ في اختبارات الإجهاد الداخلية. ومع ذلك، أصبح البنك محبطاً للغاية من الوضع، ويبدو أن مصادرة الملكية من قبل الحكومة الروسية تبدو الآن طريقة سهلة نسبياً، وإن كانت مثيرة للجدل، كما يقول أحد المسؤولين التنفيذيين، والذي أشار أيضاً إلى أنه في حين سيكبد هذا الأمر الشركة الأم الأوروبية تكاليف باهظة، إلا أنه سيخلص البنك والإدارة العليا من المسؤولية القانونية عن المشكلة، ويمنح الموظفين والعملاء في روسيا طريقة للخروج.
تريد البنوك الأخرى تجنب التأميم بأي ثمن، حيث قال أحدها إن المصرفيين يخشون أن الإعلان عن الخروج قد يجعل مثل هذا السيناريو أكثر احتمالاً، كونه قد يستفز الهيئات التنظيمية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاستيلاء على البنوك إلى زيادة العبء على المالية العامة.
3- ما هو حجم الضربة الناجمة عن الخروج؟
ستكون مؤلمة، لكن يمكن التحكم بها، حتى بالنسبة إلى أكبر ثلاثة بنوك أوروبية في روسيا.
نشر بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، و"يونيكريديت" الإيطالي تقديرات للضربة الناتجة عن التجريد من حقوق الملكية للأصول المصرفية في روسيا أو شطب جميع الأعمال التجارية المتعلقة بالبلد. سيظل كلا البنكين يتجاوزان متطلبات رأس المال، على الرغم من أن حدوث ذلك يمكن أن يبطئ معدل مدفوعات المساهمين المحتملين. بالنسبة إلى "رايفايزن بنك إنترناشونال" (Raiffeisen Bank International) النمساوي، فإن السؤال يتعلق أكثر بالإستراتيجية، بالنظر إلى أن روسيا استحوذت على حوالي ثلث صافي دخله في العام الماضي.
قال أحد المسؤولين التنفيذيين إن هناك اعتبارات أخرى مهمة يجب مراعاتها عند الانسحاب، تتمثل في الآثار القانونية. ليس من الواضح ما إذا كان مثل هذا الإجراء (الخروج) سينظر إليه على أنه إفلاس غير قانوني، وما إذا كان ذلك سيجعل فريق الإدارة المحلي مسؤولاً.
4- كيف يتم تقليص الميزانية العمومية المتعلقة بروسيا؟
التوقف عن القيام بأعمال جديدة هو الجواب الأول. يقول "كوميرز بنك"، إن الأطراف المقابلة كانت أيضاً مستعدة جداً للتخلي عن الأعمال، ما يعني أنها لم تواجه أي تكاليف حتى الآن لتقليص تعرضها بمقدار الثلث. ومع ذلك، قد تتباطأ وتيرة التخفيضات، كما تقول بيتينا أورلوب، المديرة المالية للبنك الألماني. وفقاً لمصرفي، تواجه البنوك أيضاً صعوبة في إنهاء قرض لعميل روسي غير خاضع للعقوبات، ولا يزال بإمكان الشركات التي لديها تسهيلات ائتمانية متجددة سحبها.
5- ماذا سيكون رأي العملاء في الخروج؟
إن التخلي عن الشركات والمستهلكين في وقت تتزايد فيه المخاوف، من شأنه أن يترك بصمة. انهارت سمعة بنوك أوروبية عديدة عندما تخلت عن العملاء للتركيز على مواردها المالية خلال الأزمة المالية لعام 2008. وبينما قد يكون توديع روسيا أمراً مغرياً، يشير المصرفيون إلى أن العديد من العملاء المحليين، هم شركات تابعة لشركات دولية كبيرة ترغب في الاستمرار في التعامل معها. حتى لو لم تكن هذه الشركات بحاجة إلى قروض، فإنها تحتاج إلى البنوك لدفع رواتب الموظفين المحليين.
6- ما هي تكلفة البقاء؟
قد تؤدي الضربة التي تلحق بالاقتصاد الروسي إلى استنزاف الاحتياطيات المالية في البنوك المحلية، ما يعني أن المقرضين الأوروبيين قد يضطرون إلى ضخ رأس المال. يشار أيضاً إلى أنه بينما تقول البنوك إنها تمتثل للعقوبات الدولية، فإن القواعد تتطور باستمرار وقد يؤدي عدم احترامها إلى فرض غرامات. لا تزال عقوبة "بي إن بي باريبا" البالغة 9 مليارات دولار التي فرضت في عام 2014 لانتهاك المجموعة البنكية للعقوبات الأمريكية، حاضرة في أذهان المصرفيين. ثم هناك مسألة ما إذا كان المستثمرون والعملاء في البلدان الأخرى سيتخلون عن البنوك إذا اختارت البقاء في البلاد.
يشرح ماركو جيورجينو، أستاذ الأسواق والمؤسسات المالية في "إم آي بي بوليتيكنيكو دي ميلانو" (MIP Politecnico di Milano)، الفخ الذي تجد البنوك الأوروبية نفسها فيه الآن، بأن الخروج من روسيا ينطوي إما على بيع الوحدة، أو تصفية الأعمال.
يضيف جيورجينو: "في الحالة الأولى عليك أن تنظر إلى الخسائر الفادحة، وحتى إذا كنت على استعداد لمواجهتها، فإن الحديث عن مشترٍ أسهل من إيجاده.. الأمر الأكثر تعقيداً هو التخلص من الأعمال التجارية - فقد تكون هذه مهمة مستحيلة، ومن شأنها أن تُعرِّض البنك لمسائل قانونية وتنظيمية في البلاد".
قال جيورجينو: "من الناحية النظرية، فإن خروج البنوك الأوروبية من روسيا ليس مستحيلاً، لكنه ببساطة غير مجد في معظم الحالات".