انخفضت أسهم شركة "بي بي" (BP) بأكبر قدر في ثلاثة أشهر بعد أن أُعطي قرارها التخلص من حصتها في شركة "روسنفت" فرصة ضئيلة لجذب مشترٍ.
وحذّرت الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها بالفعل من أنها قد تواجه شطب ما يصل إلى 25 مليار دولار نتيجة خروجها من روسيا رداً على غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
كما توقع العديد من المحللين أن تكون الضربة المالية على هذا النطاق هي النتيجة الأكثر ترجيحاً بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها الغرب.
في هذا الصدد، قال جيسون كيني المحلل في بنك "بانكو سانتاندير": "بالنظر إلى الظروف والعدوان الروسي في أوكرانيا، فإن العثور على مثل هذا المشتري قد يكون صعباً للغاية". وكما هو الحال الآن "فمن المرجح أن يتم الشطب" على الرغم من أن الوضع يتغير بسرعة.
أما الخطوة المفاجئة التي اتخذتها الشركة البريطانية يوم الأحد فقد كانت أحدث علامة على مدى استعداد القوى الغربية لمعاقبة بوتين.
حيث عملت شركة "بي بي" في روسيا منذ ثلاثة عقود وقبل أسابيع فقط كانت تدافع بقوة عن وجودها هناك. إلا أنها كانت تتعرض لضغوط متزايدة من حكومة المملكة المتحدة بشأن التحالف مع "روسنفت".
علاوةً على ذلك، جرى استدعاء الرئيس التنفيذي، برنارد لوني من قبل وزير الأعمال البريطاني، كواسي كوارتنغ لشرح الروابط الروسية للشركة الأسبوع الماضي. ورحب كوارتنغ بخطوة "بي بي" يوم الأحد.
كما انخفضت أسهم الشركة بنسبة تصل إلى 7.3%، وانخفضت بنسبة 6.5% عند 353.85 نقطة اعتباراً من الساعة 9:20 صباحاً في لندن، مما أدى إلى القضاء على حوالي نصف مكاسب هذا العام.
التغيير الأساسي
تعليقاً على الموضوع، قال رئيس شركة "بي بي" هيلج لوند في بيان له "يُمثّل هذا العمل العسكري تغييراً جوهرياً؛ فقد أدى ذلك إلى استنتاج مجلس إدارة شركة "بي بي" بعد عملية شاملة، أن مشاركتنا مع "روسنفت"، وهي شركة مملوكة للدولة، ببساطة لا يمكن أن تستمر".
لم تذكر شركة "بي بي" ما إذا كانت تخطط لبيع حصتها البالغة 20% تقريباً في "روسنفت"، أو التخلي عنها ببساطة. وسيتعين على أي مشتر محتمل أن يتنقل عبر شبكة صارمة من العقوبات الاقتصادية التي من شأنها أن تجعل أية صفقة صعبة للغاية.
وفي مذكرة للموظفين، قال لوني إنه ستكون هناك "عواقب مالية" جرّاء هذه الخطوة التي ستظهر في نتائجها ربع السنوية القادمة. كما قال متحدث باسم الشركة إنه يمكن شطب مبلغ يصل إلى 25 مليار دولار.
فضلاً عن ذلك، قال بيراج بورخاتاريا المحلل في "آر بي سي" في مذكرة: "من الواضح أن الابتعاد في هذا الوقت ليس مثالياً من منظور قيمة المساهمين؛ كما أن تسييل الحصة من أجل القيمة العادلة بدا صعباً حتى في الأوقات "العادية"، أما الآن فيبدو الأمر صعباً للغاية بالنسبة لنا. ومع ذلك، فإن الخروج من هذه الحصة يزيل في النهاية أحد المخاوف المتعلقة بقضية الاستثمار طويل الأجل".
حتى قبل غزو أوكرانيا، تعرّضت شركة "بي بي" لانتقادات متزايدة حول اهتمامها بالشركة الروسية. وعلى عكس شركة "بي بي"، التي تعهدت بالتحول التدريجي من الهيدروكربونات إلى أشكال أنظف من الطاقة، تظل "روسنفت" ملتزمة بشدة بالوقود الأحفوري وتخطط لتطوير ضخم للنفط والغاز في القطب الشمالي.
وسيؤدي الخروج من "روسنفت" إلى خفض فوري لحجم احتياطيات النفط والغاز والإنتاج التي تُبلّغ عنها شركة "بي بي". كما سيستقيل لوني فوراً من مجلس إدارة الشركة الروسية، وكذلك سلفه بوب دادلي.
كذلك ستخرج الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها من أعمالها الأخرى في روسيا، والتي تشمل ثلاثة مشاريع مشتركة تبلغ قيمتها الدفترية في سجلاتها حوالي 1.4 مليار دولار.
الصدمة المالية
جاءت هذه الخطوة - والتكاليف المالية المرتبطة بها - بمثابة مفاجأة للمستثمرين. وقبل يوم الإثنين، ارتفعت أسهم شركة "بي بي" بنسبة 15% هذا العام، مدعومة بارتفاع أسعار النفط حتى مع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية.
أما في أوائل فبراير، كان لوني ما يزال يجادل بأن شركة "بي بي" يمكنها "تجنب السياسة" في روسيا التي كانت "عضواً كبيراً في نظام الطاقة". إلا أن صدمة التوغل العسكري الكبير لبوتين في أوكرانيا جعلت من المستحيل الدفاع عن هذا الموقف.
يُشار إلى أن لدى "بي بي" تاريخ في روسيا أطول من العديد من أقرانها، حيث كانت واحدة من أوائل شركات النفط الغربية الكبرى التي أقامت وجوداً في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
حيث اشترى جون براون، الرئيس التنفيذي في ذلك الوقت، حصة في شركة "سيدانكو" (Sidanco) في التسعينيات، والتي تحولت في النهاية إلى "تي إن كيه-بي بي" (TNK-BP)، وهي مشروع مشترك مع مجموعة من أصحاب المليارات. وقد أعطى ذلك لشركة "بي بي" سيطرة تشغيلية مباشرة على حقول النفط الروسية، مع وجود أعداد كبيرة من الموظفين المغتربين في البلاد.
كان ذلك مربحاً للغاية، إلا أنه محفوف أيضاً بالتوتر بين طبقة السياسيين الأثرياء وشركائهم الغربيين. وقد أدت معركة مريرة من أجل السيطرة في عام 2012 في نهاية المطاف إلى قيام شركة "بي بي" بتبادل حصتها في "تي إن كيه-بي بي" مقابل 17 مليار دولار نقداً وجزء كبير من أسهم "روسنفت".
تحالف تاريخي
كان لحصة شركة "بي بي" في الشركة المنتجة للنفط التي يُسيطر عليها الكرملين الكثير من الرمزية، مما يشير إلى استمرار ثلاثة عقود من العمل في البلاد، ولكن من عدة نواحٍ عملية كان التحالف ضحلاً أكثر مما يبدو.
وفي حين أعلنت شركة "بي بي" عن حصتها في إنتاج "روسنفت" واحتياطياتها وأرباحها للأغراض المحاسبية، لم يكن لديها حصص مباشرة في أي من حقول "روسنفت" أو الوصول المادي إلى الهيدروكربونات التي تنتجها.
كذلك حصلت الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها على توزيعات أرباح منتظمة من "روسنفت"، والتي بلغت العام الماضي 640 مليون دولار، مقارنةً بإجمالي التدفق النقدي التشغيلي لشركة "بي بي" البالغ 23.6 مليار دولار.
وقالت روسنفت إن هذه الخطوة "تُدمّر التعاون الناجح الذي دام 30 عاماً" بين الشركتين. وقالت في بيان على موقعها على الإنترنت: "اتُخِذ القرار تحت ضغط غير مسبوق من قوى سياسية".
يُذكر أن شركة "إيكوينور" (Equinor)، أكبر شركة للطاقة في النرويج، انضمت إلى شركة "بي بي" يوم الإثنين في بدء الانسحاب من روسيا.
كما تمتلك شركة "توتال إنيرجيز" عمليات في روسيا تُمثّل حوالي 1.5 مليار دولار من إجمالي تدفقها النقدي، أو حوالي 5%. ولديها حصة في شركة "نوفاتيك" (Novatek) لإنتاج الغاز، وكذلك حصة كبيرة في مشروع "يامال" (Yamal) للغاز الطبيعي المسال.
في حين تمتلك شركة "شل" (Shell) حصة كبيرة في مشروع الغاز الطبيعي "ساخالن إنيرجي" (Sakhalin Energy) للغاز الطبيعي المسال الذي تقوده شركة "غازبروم". كما تملك شركتا"شيفرون" و"إكسون" حضوراً في مجال زيوت التشحيم.