يبعث أكبر سوق للسندات في العالم بإشارة إلى وجود قلق من أن يقود الغزو الروسي لأوكرانيا إلى عواقب اقتصادية يطمح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تفاديها وهي: استمرار ارتفاع التضخم وضعف النمو الاقتصادي.
صعدت مقاييس سوق السندات حيال توقعات معدلات التضخم في الأجل القصير إلى مستوى قياسي خلال الأسبوع الماضي في ظل زيادة أسعار النفط والغاز الطبيعي خلال الأزمة الراهنة.
في غضون ذلك، ضاقت الفجوة بين عائدات أذون الخزانة الأمريكية قصيرة وطويلة الأجل، وهو ما يدلل على وجود توقعات بحدوث تباطؤ اقتصادي.
اغترف المستثمرون أذون الخزانة الأمريكية التي تقدم الحماية في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم حتى مع أخذ التجار في الاعتبار أن يقلص بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في عام 2024، عقب تبنيه لمجموعة من عمليات رفعها والتي من المتوقع أن تنطلق خلال الشهر القادم.
نصح خبراء استراتيجيون من "بنك أوف أمريكا" العملاء بالشروع في في التموضع استعداداً للركود التضخمي، وهو مزيج من صعود الأسعار وركود النمو الذي لم تره الولايات المتحدة منذ جيل.
من جهتها، قالت تريسي تشين، مديرة محفظة أصول في شركة "براندي واين غلوبال إنفستمنت مانجمنت": "زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من سرعة اتجاه الركود التضخمي".
وأضافت: سيسفر صعود أسعار السلع الأساسية عن تباطؤ في النمو وارتفاع في معدلات التضخم. وسيكون بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي متخلفاً عن الركب أكثر".
أسعار الفائدة
عمل سوق أذون الخزانة الأمريكية لمدة زمنية وجيزة كملاذ آمن للمستثمرين، بعد أن أسفر الغزو الروسي عن تراجع أسعار الأسهم في كافة أنحاء العالم.
لكن سوق الأسهم تعافي، واقتفت عائدات أذون الخزانة الأمريكية أثرها حيث عادت توقعات زيادة أسعار الفائدة الأساسية إلى الواجهة. اختتم العائد القياسي لأجل استحقاق 10 أعوام الأسبوع منخفضاً بقدر قليل عن 2%، قرب المستويات الأعلى الذي حققها في وقت سابق من الشهر الجاري.
رغم ذلك، صعدت عائدات أذون الخزانة الأمريكية فئة استحقاق سنتين بما يفوق ذلك المستوى، وهو ما أسفر عن تضييق الفجوة بين الاثنين إلى مستوى أقل بمقدار قليل عن 40 نقطة أساس بدلاً من 45.5 نقطة أساس خلال الأسبوع السابق.
سيكون الأسبوع المقبل حاسماً بالنسبة للمستثمرين الذين يحاولون قياس ما سيسفر عنه اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في منتصف شهر مارس المقبل من نتائج، فيما تشير التوقعات واسعة النطاق إلى بدء عملية زيادة سعر الفائدة الأساسية من الصفر تقريباً، حيث كان يقبع منذ وقت مبكر من تفشي وباء فيروس كورونا.
من المقرر أن يدلي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول بإفادته أمام الكونغرس الأمريكي يومي الأربعاء والخميس المقبلين، ليقدم رؤية متعمقة قبيل دخول صناع السياسات في فترة انقطاع الاتصالات قبيل الاجتماع.
من المقرر أن تصدر وزارة العمل تقريرها الشهري عن الوظائف يوم الجمعة، والذي من المتوقع أن يبين تزايد ضغوط متعلقة بالأجور رغم تباطؤ زيادة الرواتب في ظل سوق العمل يعاني من العجز في العمالة.
بينما اضطرت الأزمة الأوكرانية التجار إلى الحد من احتمالات ارتفاع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في شهر مارس القادم، إلا أنهم ما زالوا يتوقعون دورة حادة من تشديد للسياسة النقدية لكنها ستستمر لفترة زمينة قصيرة.
جاءت العوائد الضمنية لعقود "اليورو دولار" المستقبلية المستحقة في عام 2024 أقل بحوالي 17 نقطة أساس من تلك الخاصة بعقود عام 2023، وهو ما يدلل على أن التجار يأخذون في الحسبان وجود احتمال مرتفع بحدوث تقليص لسعر الفائدة في غضون 3 أعوام.
تفاقم التضخم
من جانبها، قالت كاثي جونز، كبيرة الخبراء الاستراتيجيين للدخل الثابت في شركة "تشارلز شواب آند كو": "تتمثل الخلاصة في أن معدلات التضخم ستبقى عالية، وعملية تشديد السياسة النقدية المتوقعة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ستحفز وجود نمو أكثر بطئاً".
تابعت: " لن أطلق عليه ركود تضخمي. لا يعد النمو راكداً بيد أنه سيأخذ في التباطؤ، مقترناً باستمرار باعث صعود التضخم لمدة زمنية أطول بقليل".
يهدد النزاع الدائر في أوكرانيا، والذي يعد أكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ سنة 1945، بتدهور عنصرين رئيسيين من عناصر الضعف في الاقتصاد العالمي عقب تفشي الجائحة وهما: التضخم العالي والأسواق المضطربة.
أسفر تصاعد الصراع عن انقلاب هائل خلال الأسبوع الجاري في ثروات أذون الخزانة المحمية من التضخم - والمعروفة باسم "تي أي بي أس" (TIPS) - في ظل زيادة المخاوف حيال حدوث ضغوط أسعار أكثر. تعوض هذه الأوراق المالية المستثمرين عن الخسائر الناجمة عن التضخم، وبالتالي فإن العوائد تأتي منخفضة عن أقرانهم في سندات الخزانة الأمريكية العادية.
تعثر الطلب على أذون الخزانة المحمية من التضخم في شهر يناير الماضي ومطلع شهر فبراير الجاري حيث شرع مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في اعتماد نبرة أكثر تشدداً.
رغم ذلك، فقد تعافت عقب وقوع عملية الغزو، حيث أسفر الاجتياح عن تراجع العوائد على أذون الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم فئة استحقاق 5 أعوام بما يبلغ 39 نقطة أساس في يوم الخميس، لتقترب من سالب 1.61%. تعافت العوائد لتختتم الأسبوع على مقربة من سالب 1.2%.
من جهته، أعتبر مايكل هارتنت، كبير محللي الاستثمار في "بنك أوف أمريكا"، أن الحرب الدائرة في أوكرانيا تزيد من مخاطر حدوث ركود تضخمي وكبوات من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
كتب في رسالة بالاشتراك مع زملاء له: "يتعين أن تستعد محافظ الأصول بطريقة ملائمة للركود التضخمي وتراجع قيمة الدولار".
أضافوا: "تبين فترة السبعينيات من القرن الماضي هذه الأصول الحقيقية الصاعدة، والسلع الأساسية، وأذون الخزانة الأمريكية المحمية من التخضم، وقيمة الشركات ذات رأس المال الصغير، والأسواق الناشئة".