في كل مكان تنظرون إليه في وول ستريت، ترتفع أسعار الفائدة. أما بالنسبة للمدخرين كل يوم؛ فالحال ليس كذلك إلى حد كبير.
فالعائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين حقق الأسبوع الماضي أكبر قفزة له في يوم واحد منذ أكثر من عقد، ووصل إلى 1.64%، وهو مستوى لم يسبق له أي مثيل منذ أواخر عام 2019 وبارتفاع من 0.44% في نهاية نوفمبر. كما تجاوز عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات -وهو معيار عالمي للاقتراض- 2% للمرة الأولى منذ أغسطس 2019.
وفي منتصف عام 2019، كان بنك المستهلك الشهير "ماركوس" (Marcus) التابع لمجموعة "غولدمان ساكس" يعرض أيضاً للأفراد عائداً يزيد على 2% لإيداع أموالهم في حساب توفير مرتفع العائد.
وفي بداية عام 2020، خفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات، إلا أنَّ بنك "ماركوس" استمر في الترويج لمعدل فائدة بمقدار 2% على شهادة إيداع لأجل 11 شهراً بدون غرامة.
عوائد منخفضة
ما من شكٍّ في أنَّ أسعار الفائدة هي أقل بكثير اليوم، وذلك على الرغم من أنَّ عائدات الولايات المتحدة عادت إلى مستويات ما قبل الجائحة؛ إذ يبلغ سعر الفائدة على حسابات التوفير لدى بنك "ماركوس" 0.5%، ويُشير على موقعه على الإنترنت إلى أنَّه أعلى من السعر لدى "بنك أوف أمريكا"، والبالغ 0.04% أو لدى "جيه بي مورغان تشيس آند كو" والبالغ 0.02%.
وفي حين يتماشى بنك "غولدمان" مع أقرانه الآخرين من ذوي العوائد المرتفعة، مثل "باركليز"، و"ألي بنك" (Ally Bank)؛ فإنَّ متوسط نسبة العائد نادراً ما تنخفض حتى الآن بعيداً عن الأسعار السارية في سوق الخزانة الأمريكية البالغة 22.9 تريليون دولار.
كما يُشار إلى أنَّ حسابات التوفير عبر الإنترنت ذات العائد المرتفع اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة كطريقة مباشرة للمستثمرين العاديين للحفاظ على احتياطياتهم النقدية السائلة مع الاستمرار في تحقيق عائد أعلى من الحسابات في أكبر بنوك التجزئة في الولايات المتحدة.
وطوال معظم فترة التعافي من الجائحة؛ كانت الخيارات فائقة الأمان مثل تلك المتخلفة عن المكاسب التي تحققت في مؤشرات سوق الأوراق المالية الواسعة وغيرها من الأصول الخطرة.
ولكن مع انخفاض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 7.7% حتى الآن هذا العام، وخسارة مؤشر "ناسداك 100" المثقل بأسهم شركات التكنولوجيا ما يقرب من 13%؛ فقد يبحث الناس عن طرق لحماية أموالهم من المزيد من الخسائر - خاصة إذا كانت الأسعار الخالية من المخاطر التي يمكن أن يكسبوها في طريقها للصعود.
ومع ذلك؛ حتى مع قيام متداولي السندات برفع أسعار الفائدة بسرعة؛ يحذر الخبراء من أنَّها ستكون عملية أبطأ في البنوك، حتى بين أولئك الذين وعدوا عملاءهم بـ "عوائد عالية".
البنوك عامرة بالودائع
قال كيفن كارون، مدير محفظة في شركة "واشنطن كروسينغ"، إنَّ البنوك ببساطة لم تكن يائسة كما كانت في السابق من أجل الحصول على الودائع الجديدة.
وقد ضخ التحفيز المالي في عصر الجائحة الكثير من السيولة في النظام المالي، إلى جانب اللوائح المصرفية لما بعد عام 2008، مما أدى إلى إجهاد الميزانيات العمومية لبعض أكبر البنوك في الولايات المتحدة.
أما في العام الماضي؛ فقد قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان"، إنَّ هناك خطراً من أنَّه قد يتعين على البنك رفض الودائع.
وفي الواقع؛ فإنَّ ذلك يمنح مؤسسات مثل "ماركوس" والبنوك الأخرى عبر الإنترنت النفوذ لإبقاء أسعار الفائدة لديها في مكانها، على الأقل حتى يرفع الاحتياطي الفيدرالي بالفعل معياره الرئيسي قصير الأجل.
كما قال كارون: "عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل؛ فإنَّه سيضغط على البنوك لرفع الأسعار؛ إلا أنَّ البنوك لديها الكثير من الودائع، لذلك قد تلاحظون أنَّها ستتخلف عن مواكبة الارتفاع".
بالإضافة إلى ذلك، تلعب البنوك "لعبة العض على الأصابع" إذ تحاول إبقاء أسعارها منخفضة لأطول فترة ممكنة لتجنب دفع المزيد من الفوائد، كما قال مايك بيلي، مدير الأبحاث في شركة "إف بي بي كابيتال بارتنرز".
وقال بيلي: "بعد خروج البنك الأول من القطيع، ورفعه لأسعار الفائدة؛ تبدأ اللعبة التي ستجعل البنوك الأخرى تنضم إلى التيار لضمان ألا تفقد حصتها في السوق".
قفزة التضخم
وعندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في عامي 2017 و2018، بدأت الحسابات المصرفية عبر الإنترنت تدريجياً في تقديم عوائد أعلى، ثم انخفضت ببطء مع قيام البنك المركزي بتيسير السياسة.
أما خلال دورة التشديد السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي؛ كان التضخم بالكاد أعلى من هدفه البالغ 2%، مما سمح لمحافظي البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة تدريجياً بنحو 25 نقطة أساس كل ربع سنة. إلا أنَّ هذا النوع من القابلية للتنبؤ بالكاد يكون أمراً مفروغاً منه هذه المرة؛ فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 7.5% في يناير عن العام السابق، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1982.
وفي أعقاب تلك البيانات، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، إنَّ بوسعه أن يرى حاجة البنك المركزي لزيادة أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في النصف الأول من عام 2022 لتهدئة الضغوط التضخمية.
ومن المؤكد أنَّ مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الآخرين قد أعربوا عن موقف أكثر تفاؤلاً. وما يزال هناك شك بين المستثمرين في أنَّ البنك المركزي، الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنَّه يعمل على دعم الأسواق المالية، سيُظهر مثل هذا الإلحاح لتشديد السياسة النقدية. وقد يكون هذا السبب الآخر لكون البنوك عبر الإنترنت أبطأ في الاستجابة لتقلبات أسواق الأسعار.
إذ قال مات ميسكين، كبير المحللين الاستراتيجيين الاستثماريين في شركة "جون هانكوك إنفستمنت مانجمنت": "في حين من المرجح أن ترتفع الأسعار هذا العام، فقد يكون تحركها أبطأ مما يتوقَّعه بنك الاحتياطي الفيدرالي والسوق؛ إذ ستظل بيئة دخل أكثر صعوبة للمدخرين".
أوعية استثمارية بديلة
الجدير بالذكر أنَّه بالنسبة للمستثمرين العاديين الذين يرغبون في الاستفادة من عائدات الولايات المتحدة المرتفعة؛ فإنَّ الخيارات ليست بسيطة مثل حساب التوفير.
إذ تُقدّم بعض شركات السمسرة عبر الإنترنت طريقة لشراء سندات الخزينة من خلال السوق الثانوية، في حين تمتلك الحكومة سوقاً إلكترونيةً خاصةً بها، وهي "تريجري دايركت" (TreasuryDirect). كما يمكن أن تنخفض قيمة صناديق السندات المتداولة في البورصة، وهي خيار شائع بين مستثمري التجزئة.
مما لا شك فيه هو أنَّه عندما يتعلق الأمر بتخصص الأموال لمنتج ما؛ فإنَّ التوقيت هو كل شيء. إلا أنَّ الإفراط في التفكير - أو اختيار عدم القيام بأي شيء بمدخراتكم - يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، ولا سيما بالنظر إلى أنَّ النقد يفقد قوته الشرائية بعد التكيف مع معدل تضخم يزيد على 7%.
من جانبه قال ميسكين: "إنَّ الموضوع يعود إلى محفظة متوازنة، وامتلاك النقود فيها لتلبية الاحتياجات قصيرة الأجل، وتعظيم كل ذلك، وبالتالي؛ عليكم حقاً أن تدرسوا بعمق عنصر التخطيط المالي، وأن تكونوا منفتحين على استثمار رأس المال بأفقه الزمني الأطول".