تحدث رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، حول سياسة أسعار الفائدة، وتركت تصريحاته المستثمرين في حيرة من أمرهم، بشأن ما يخطط له الفيدرالي، كما كان الحال منذ أكثر من عقدين. وكانت النتيجة، ارتفاعاً حاداً في تقلبات السوق.
في ظل حدوث ثلاثة من أكبر التقلبات اليومية خلال عقد في الأسبوع الماضي فقط، يقترب القلق في سوق الأسهم من المستويات التي لم نشهدها منذ مارس 2020، عندما بدأ تفشي فيروس "كورونا".
اقرأ أيضاً: موجة بيانات التضخم في أمريكا تعزز توجه "الاحتياطي الفيدرالي" إلى رفع الفائدة
مؤشر تقلب (cboe) التابع لبورصة شيكاغو للخيارات، وهو مؤشر مشتق من الخيارات لقياس تقلبات الأسهم، ظل معظم الأيام الخمسة الماضية فوق 30 نقطة، أي ما يقرب من ضعف مستواه في بداية العام.
في منتصف العاصفة، يقف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، باول، الذي أكد يوم الأربعاء خططاً لبدء سحب التحفيز الاقتصادي في مارس -والأسوأ من ذلك، بالنسبة إلى المضاربين الذين يراهنون على ارتفاع الأسهم– تجاوز العديد من الفرص لتأكيد أن دورة رفع أسعار الفائدة ستكون تدريجية.
اقرأ المزيد: تراجع إنفاق المستهلكين بأمريكا مع ارتفاع التضخم لأعلى مستوى في 40 عاماً
كانت إعادة التسعير السريعة، إذ تستعد سوق السندات حالياً لرفع أسعار الفائدة الفيدرالية خمس مرات في عام 2022، بما في ذلك احتمال رفعها مرة واحدة بمقدار 50 نقطة أساس في مارس –أمراً غير مسبوق منذ عام 2000. وفي حين أن مثل هذه الخطوة الدراماتيكية هي وجهة نظر خارجة عن المألوف تماماً، فإنه يؤخذ في الاعتبار رفع أسعار الفائدة بمقدار 30 نقطة أساس، ما يعني ضمناً، احتمال واحدة من خمس زيادات بمقدار نصف نقطة مئوية، وهو احتمال يجب على المتداولين التفكير فيه. هذا بدوره يزعج سوق الأسهم.
اقرأ أيضاً: بنك أوف أمريكا: قد تُرفع الفائدة بكل جلسة للفيدرالي في 2022
قال مات مالي، كبير استراتيجيي السوق في "ميلر تاباك + كو" (Miller Tabak + Co)، عن باول، إنه "لم يترك زيادة بمقدار 50 نقطة أساس على الطاولة فحسب، بل قال أيضاً إنهم قد يرغبون (صانعو السياسة) في رفع أسعار الفائدة في كل اجتماع لفترة من الوقت.. قلة قليلة في وول ستريت اليوم تتذكر كيف يكون أداء السوق عندما يمثل التضخم مشكلة".
أداء السوق الأسبوعي
ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز" الجمعة ليتجنب بصعوبة، الأسبوع الرابع على التوالي من الخسائر، ولينهي الأسبوع على ارتفاع بنسبة 0.8%.
بين مجموعة كبيرة من أرباح أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة واجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تأرجح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمتوسط 3.4% يومياً في أكثر الأسابيع اضطراباً منذ مارس 2020.
انعكس الجزء الأكبر من التقلبات على أسهم التكنولوجيا ذات القيمة العالية، والتي ستكون نظرياً أكثر عرضة لدورة الزيادات الأكبر لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
أنهى مؤشر "ناسداك 100" الأسبوع على ارتفاع بنسبة 0.1% فقط – تحرك بسيط يخفي أعنف التقلبات منذ انهيار شركات الإنترنت في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
في حين تعامل المستثمرون من قبل مع دورة تشديد نقدي نفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي، فقد مرّ وقت طويل منذ أن اضطروا إلى مواجهة شخص يتصف بأنه أقل شفافية في نواياه -على الأقل في ما يتعلق بوتيرة زيادة أسعار الفائدة.
غموض غير مسبوق
في عام 2015، قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك جانيت يلين، إن الظروف الاقتصادية من المتوقع أن "تبرر أو تتطلب فقط رفع أسعار الفائدة بصورة تدريجية". كذلك، وقبل اندلاع الأزمة المالية، كان رئيس الفيدرالي الأمريكي، آلان غرينسبان يتصرف "بوتيرة من المرجح قياسها أو توقعها".
أما باول، فلم يقدم أي تعهد "تدريجي" أو"يمكن قياسه" بالنسبة إلى وتيرة رفع أسعار الفائدة يوم الأربعاء. ففي الوقت الذي قال فيه إن بنك الاحتياطي الفيدرالي "يدرس" رفع أسعار الفائدة في مارس، أكد مراراً وتكراراً أنه لا توجد خطة محددة لما بعد ذلك. كما أوضح رئيس الاحتياطي الفيدرالي أن المسؤولين سيتصرفون بـ"تواضع" و"ذكاء" في نهجهم لتعديل أو ضبط أسعار الفائدة.
بالنسبة إلى محللي "بنك أوف أميركا"، فإن هذا يعني أنه لا يمكن استبعاد رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لترويض أو مواجهة أسرع وتيرة تضخم خلال نحو 40 عاماً.
كتب محللون بقيادة، مارك كابانا في مذكرة يوم الجمعة: "من المحتمل أن يدرك بنك الاحتياطي الفيدرالي بطريقة متواضعة وذكية أن رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أمر ملائم.. إذا تفاعل السوق مع زيادة سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في مارس، فينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يواصل الزيادة بنفس المقدار".
التحلي بالهدوء
كتب المحللون، على الرغم من أنها ليس هذا هو السيناريو الأساسي "فإننا نعتبرها (50 نقطة أساس) بمثابة مخاطر/ عوائد سوقية معقولة".
أحد مصادر البهجة، مؤشر التقلب، المعروف باسم مقياس الخوف في "وول ستريت"، يقوم بالتسعير في حالة عدم يقين السوق في الوقت الحاضر أكثر مما هو عليه في المستقبل –وهو وضع يُعرف باسم الانعكاس. خلال الأسبوع الماضي، تم تداول سعره الفوري فوق العقود الآجلة لمدة ثلاثة أشهر، ما يمثل خروجاً عن القاعدة.
قال نيكولاس كولاس، المؤسس المشارك لشركة "داتا تريك ريسيرتش" (DataTrek Research)، إن المستثمرين الذين قد يواجهون تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي للمرة الأولى، بشكل أكثر جرأة، وبطريقة غير متوقعة، يجب أن يتحلوا بالهدوء بفضل ثقة باول في الاقتصاد. وأضاف كولاس أن هذا الأمر لا يزال يترك المستثمرين يخمنون سعر الفائدة الصحيح الذي يجب استخدامه لحساب قيم أسعار الأسهم.
كتب كولاس في مذكرة يوم الخميس يقول: "كان غصن الزيتون الوحيد الذي قدموه للمستثمرين هو حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي يسير بقوة. يجب أن يُترجم ذلك إلى أرباح أعلى للشركات في عام 2022 ودعم أسعار الأسهم وسندات الشركات". وأضاف: "ما هو معدل الخصم الذي يجب أن يستخدمه السوق للاستفادة من هذه الأرباح؟ هذا هو سؤال الساعة. وربما سؤال العام كله".