أسوةً بمعظم اقتصاديات الأسواق الناشئة، يدخل الاقتصاد المصري عاماً قد يكون الأصعب مقارنةً بالسنوات الأخيرة.
تحت وطأة الضغوط التضخمية وسعر الصرف والقرارات المتوقعة برفع الفائدة من قِبل الفيدرالي الأمريكي، رفعت مصر الأسبوع الماضي توقعاتها لعجز الموازنة الحالية والمقبلة، فماذا يحدث في الاقتصاد المصري الآن؟
"ستكون سنة صعبة إلى حدٍّ ما على مصر والأسواق الناشئة، حيث نشهد حالياً تغيراً في الدورة الاقتصادية، بما سيحدّ من التدفقات الحرّة للأسواق الناشئة، بما فيها مصر"، بحسب محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في المجموعة المالية هيرميس.
اقرأ المزيد : استطلاع: "الفيدرالي" سيرفع الفائدة 25 نقطة أساس في اجتماع مارس المقبل
بدورها، تَعتبر رضوى السويفي من "الأهلي فاروس" أنه "في ظل الرفع المتوقع لأسعار الفائدة الأمريكية خلال 2022، سترتفع كلفة الدين الخارجي. ولسد عجز الموازنة، المتوقع ارتفاعه، سنلجأ لزيادة الاستدانة، سواء من خلال القروض المباشرة أو إصدارات السندات. وبالتالي، 2022 لن تكون سنة سهلة، لكن التحديات خارجية أكثر منها داخلية".
تتوقع الحكومة المصرية نمواً اقتصادياً بمعدل 5.7% للسنة المالية 2021-2022، من 3.3% السنة الماضية. وتبدأ السنة المالية في مصر في الأول من يوليو حتى نهاية يونيو.
اقرأ أيضا: "فيتش": البنوك المصرية قد تواجه ضغوطاً إذا زاد شح النقد الأجنبي
التضخم
يرى أبو باشا أن الضغوط التضخمية "لن تدفع المركزي المصري لأي قرارات متسرعة فيما يخص أسعار الفائدة خاصة، فأرقام التضخم لدينا مازالت في نطاق المستهدف، وسعر الصرف ثابت. غير أن التحدّي بالنسبة لنا، ولباقي الأسواق الناشئة، سيكون التوجه الانكماشي في الولايات المتحدة".
يبلغ مستهدف البنك المركزي المصري للتضخم 7%، تزيد نقطتين مئويتين أو تنقصهما حتى نهاية 2022. وكان التضخم في مصر قفز بعد أن حرّرت الدولة سعر صرف الجنيه عام 2016.
توقَّع محللون استطلعت "الشرق" آراءهم في وقتٍ سابق من هذا الشهر بشأن التضخم في مصر خلال 2022، أن يرتفع بين 7 و7.9%، تحت وطأة ارتفاع أسعار السلع العالمية، ورفع الدعم التدريجي عن السلع والخدمات محلياً.
كان تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية، ارتفع على أساس سنوي إلى 5.9% خلال ديسمبر الماضي، فيما بلغ هذا الارتفاع 5.6% لشهر نوفمبر 2021.
اقرأ المزيد: محللون لـ"الشرق": توقعات بارتفاع التضخم في مصر بمتوسط 7.3% خلال 2022
الجنيه
"لا أرى أن العملة ستتحرك بعيداً عن المستوى الحالي 15.60- 15.80 جنيه مقابل الدولار خلال العامين المقبلين، فالجنيه ليس بعيداً عن قيمته الحقيقية، وهناك تعافٍ في السياحة والصادرات وتحويلات المصريين في الخارج، ما يوفر العملة الصعبة. وعليه، فإن أي خفض للعملة مستبعد". وفقاً لمحللة الاقتصاد المصري في "بلتون المالية" علياء ممدوح. مُنوّهةً بأن "الصورة العامة للاقتصاد ليست سيئة، نحتاج فقط للتعامل ببعض الحنكة مع عجز الموازنة".
يجري تداول الجنيه المصري عند مستوى 15.76 للدولار في البيع، وعند مستوى 15.66 للدولار في الشراء، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
ارتفعت صادرات مصر السلعية بنسبة 26% في 2021 لتصل إلى 32.128 مليار دولار، مقابل 25.427 ملياراً قبل عام. بينما تسهم السياحة بما يصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت إيراداتها نحو 4 مليارات دولار في النصف الأول من 2021.
لكن كان استطلاع أجرته "الشرق"، شمل 7 من أكبر بنوك الاستثمار في مصر، توقع أن تتراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بشكلٍ طفيف تحت وطأة التقلبات النقدية العالمية، وعجز الميزان الجاري في 2022.
تراوحت توقُّعات 4 من هذه البنوك بشأن تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار ما بين 2 إلى 5%. في حين مال بنكان إلى تراجعٍ بأقل من 1.5%. وامتنع البنك السابع عن تحديد نسبة التراجع المحتملة مكتفياً بالقول: "ستكون ضعيفة جداً".
اقرأ أيضا : استطلاع لـ"الشرق": بنوك استثمار تتوقع تراجع الجنيه المصري في 2022
عجز الموازنة
عدّلت مصر، الأسبوع الماضي، توقعاتها لعجز الموازنة في السنة المالية الحالية والمقبلة، بعدما أوصى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفع الحد الأدنى للأجور من 2400 إلى 2700 جنيه.
"عجز الموازنة هو ما نواجه فيه مشكلة حقيقية، فرغم ما تم اتخاذه من قرارات جيدة خلال الفترة الماضية، إلاّ أننا تأخرنا كثيراً في تكوين عقود تحوطية ضد ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل القمح والزيوت، والتي ارتفعت أسعارها بشدّة، مما رفع فاتورة الدعم لدينا بشكل كبير"، بحسب علياء ممدوح.
الحكومة المصرية رفعت توقعاتها لعجز الموازنة في السنة المالية الحالية 2021 -2022 إلى 6.9%، من توقعاتٍ سابقة عند 6.7%. وبلغ عجز الموازنة في 2020-2021 نسبة 7.4%.
في المقابل، تلفت ممدوح إلى أن "ارتفاع أسعار الغاز المسال وزيادة صادرات مصر منه، خففت من عبء ارتفاع تكلفة دعم الوقود".
قفزت فاتورة دعم المواد البترولية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2021-2022 بنسبة 76% في مصر لتصل إلى 6.9 مليار جنيه، مقابل 3.9 مليار جنيه في الربع الأول من السنة المالية 2020-2021، ويتمثل الجزء الأكبر من هذه الفاتورة بشكلٍ أساسي في دعم غاز المنازل (البوتاجاز).
ساعد ارتفاع صادرات مصر من الغاز المسال في تقليل حدّة لجوء الحكومة لزيادة أسعار الوقود بشكلٍ حاد، مع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط لمستويات تاريخية.
قفزت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال خلال أول 9 أشهر من 2021 بنسبة 780% على أساس سنوي إلى 4.4 مليون طن.
كان العجز الكلّي في مصر خلال أول 5 أشهر من السنة المالية الحالية 2021-2022 بلغ 3.7% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.2% للفترة نفسها من السنة الماضية، تحت ضغوط من زيادة المصروفات، لاسيما منها فوائد الدين والدعم الحكومي.
اقرأ أيضا : مصر تستهدف نمواً اقتصادياً بـ5.7% في العام المالي 2022-2023
أسعار الفائدة
"ارتفاع أسعار الفائدة في الدول المتقدمة سيتسبب بخروج استثمارات الأجانب من أدوات الدين في الأسواق الناشئة، ومنها مصر. لذا، سنرى ضغوطاً على المراكز الدولارية لدينا"، بحسب رضوى السويفي.
ثبّت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لأجل ليلة واحدة بين البنوك عند 9.25% على الإقراض لأجل، وعند 8.25% على الإيداع، وهما في المستوى الأدنى منذ يوليو 2014. علماً أن أول اجتماع مقبل للجنة السياسة النقدية في مصر مطلع فبراير.
من جانبها، تقول علياء ممدوح إن "ارتفاع الفائدة الأمريكية سيضغط على الدول التي لديها ديون خارجية مرتفعة".
أظهرت بيانات البنك المركزي المصري على موقعه الإلكتروني تراجع قيمة الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الثالث من عام 2021 إلى نحو 137.4 مليار دولار، بانخفاض نحو 439.5 مليون دولار عن يونيو 2021.
زادت تكلفة التأمين على ديون مصر السيادية 19% منذ بداية العام، ووصلت إلى أعلى مستوى منذ مايو 2020، وسط تراجع في صافي الأصول الأجنبية بالبنوك المصرية بنحو 7 مليارات دولار، وارتفاع العوائد على السندات السيادية المستحقة في 2029 و2032.
اقرأ المزيد: إنفوغراف.. 19% ارتفاعاً بتكلفة التأمين على ديون مصر منذ بداية 2022
قفز عجز حساب المعاملات الجارية في مصر بنحو 64% في العام المالي 2020-2021 ليبلغ 18.4 مليار دولار تحت ضغط من تراجع إيرادات السياحة لأقل من النصف بسبب تداعيات فيروس "كورونا".
رغم هذه الضغوط على الأصول الأجنبية بالبنوك، فإن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي ارتفع تدريجياً ليصل إلى نحو 40.93 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، مقابل 37 مليار دولار في نهاية يونيو 2020.
اقرأ أيضا: استطلاع "الشرق": بنوك الاستثمار تتوقع رفع الفائدة في مصر بين 50 و100 نقطة خلال 2022
التحول للدعم النقدي
تؤكد علياء ممدوح بأنه "مع الوقت سنتحول للدعم النقدي في مصر، وذلك كان أحد مطالب صندوق النقد الدولي منذ البداية، وأمور كثيرة تشير إلى أننا نسير في ذلك الاتجاه، وفي مقدّمها دعم رغيف الخبز، الذي يمثل نحو 45% من دعم السلع التموينية".
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس الماضي، إنه حان وقت زيادة سعر رغيف الخبز المدعّم وإعادة تسعيره مرة أُخرى، مشيراً إلى أن الزيادة المتوقعة في سعر "رغيف العيش ستكون محدودة". حتى الآن لم يحدث أي تغيير على سعر رغيف الخبز في مصر.
يستهلك المصريون سنوياً حوالي 121 مليار رغيف من الخبز المدعّم. وأوقفت الحكومة إصدار بطاقات التموين للأزواج الجدد، ولن تصدر بطاقات جديدة لأكثر من فردين من المتزوجين بدايةً من نهاية ديسمبر.
يبلغ دعم السلع التموينية نحو 89.5 مليار جنيه في السنة المالية الحالية 2021-2022، منهم 36.5 مليار جنيه دعم للخبز و53 مليار جنيه دعم للسلع التموينية، ويستفيد 64 مليون فرد من دعم السلع التموينية في مصر، ونحو 72 مليون مستفيد من دعم الخبز.
انخفض معدل الفقر في مصر إلى 29.7% في السنة المالية 2019-2020 من 32.5% في 2017-2018، وارتفع متوسط الدخل السنوي الصافي للأسرة على مستوى الجمهورية 14.4% إلى 69.1 ألف جنيه في 2019-2020 من 60.4 ألف جنيه في 2017-2018، وفقاً لأحدث بيانات متاحة.