في الوقت الذي تجاهد فيه لاستعادة إنتاج النفط، تواجه منظمة "أوبك" وحلفاؤها تناقص الكميات من الإمدادات الاحتياطية، ما يمهد الطريق لارتفاع أسعار النفط في صيف حارق.
في ظل انخفاض الاستثمار والاضطرابات الداخلية التي تجتاح أعضاء التحالف من نيجيريا إلى روسيا، فإن مهمة إرضاء الانتعاش القوي في استهلاك الوقود العالمي تقع على عاتق عدد قليل من المنتجين في الشرق الأوسط، ومع زيادتهم للإنتاج، فإن مخزون الإمدادات غير المستغل، والمحتفظ به لتغطية أي اضطرابات طارئة سيصبح مهدداً أكثر من أي وقت مضى.
قال مارتين راتس، إستراتيجي النفط في "مورغان ستانلي": "يبدو أن سوق النفط تتجه لفترة تتضمن هامش أمان ضئيل.. وينبغي على الأسعار الارتفاع إلى مستويات يحدث فيها بعض التآكل في الطلب".
بحلول موسم قيادة السيارات في العطلات، والذي يعزز الاستخدام العالمي للوقود إلى أكثر من 100 مليون برميل يومياً في يوليو، ستكون السعة الاحتياطية العالمية بالكامل تقريباً في السعودية والإمارات والعراق، ويمكن أن تصل إلى 2.3 مليون برميل يومياً فقط، الأدنى منذ 2018.
في حين أن العلاقة ليست مطلقة، لكن غالباً ما ترتبط فترات انخفاض السعة الاحتياطية بارتفاع الأسعار - والعكس صحيح - إذ يصبح المتداولون أكثر ثقة أو قلقاً بشأن مقدار المعروض، الذي سيكون متاحاً في حالة وقوع أزمة. وجاء ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند حوالي 150 دولاراً للبرميل في عام 2008، عندما أصبح انخفاض الاحتياطيات عند مستوى خطير.
يجعل الموقف الحالي المشكلات التي قد تواجه منظمة الدول المصدرة للبترول وشركاءها احتمالاً أكثر إثارة للقلق للدول المستهلكة للنفط، وبالفعل تعتبر أسعار الخام الدولية عند أعلى مستوى في سبع سنوات فوق 85 دولاراً للبرميل نتيجة صمود الطلب العالمي على الوقود أمام متحور "أوميكرون".
تُغذي الأسعار الحالية الضغوط التضخمية التي تعيق التعافي العالمي، عبر خلق أزمة في تكلفة المعيشة على ملايين البشر، ويراقب البيت الأبيض الوضع عن كثب، ويعمل مع الدول المنتجة للنفط مثل أعضاء تحالف "أوبك+" لضمان زيادة المعروض بما يقابل الطلب، حسبما قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن الوطني، إيميلي هورن، في بيان أمس الثلاثاء.
قد ينحسر الخطر إذا صحّت توقعات وكالة الطاقة الدولية بأن الولايات المتحدة والبرازيل وكندا سيعودون للضخ بمستويات قياسية في وقت لاحق من العام الجاري، وقد يتقلص الضغط أيضاً إذا ضمنت إيران اتفاقاً نووياً جديداً مع الولايات المتحدة تزال بموجبه العقوبات على صادرات النفط، وقد تعيد طهران ضخ حوالي 1.3 مليون برميل يومياً من الإنتاج المعطل إذا تمكن العملاء من استئناف الشراء، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، لكن التقدم في المفاوضات كان بطيئاً وصعباً.
تحقيق الأهداف
رسمياً، تستعيد "أوبك +" الكميات الهائلة من الإنتاج المعطل خلال الوباء عبر دفعات شهرية تدريجية تبلغ 400 ألف برميل يومياً، لكن عملياً، كانت الأحجام المضافة أقل بكثير نتيجة معاناة دول مثل أنغولا ونيجيريا من الإنفاق الهزيل والاضطرابات التشغيلية.
وقال وزير النفط العماني، محمد الرمحي، في مقابلة بالرياض يوم 12 يناير الجاري: "ليس الأمر سهلاً لأن هناك مشكلة في السعة.. وخلال السنوات الخمس الماضية كانت الاستثمارات في القطاع محدودة وندفع ثمن ذلك الآن".
وفي الشهر الماضي، لم تتمكن العشرة دول العضوة في "أوبك"، والخاضعة للاتفاقية سوى من ضخ 60% فقط من الزيادة المقررة عند 250 ألف برميل يومياً، وتمتد الأزمة عبر تحالف "أوبك+"، حتى إن روسيا - ثاني أكبر منتج في المجموعة - فشلت في زيادة الإنتاج في ديسمبر، ومن المتوقع أن تضخ الدولة فقط نصف الزيادات المسموح بها من الآن فصاعداً.
قال جيف كيري، مدير أبحاث السلع في "غولدمان ساكس"، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "لا تستطيع روسيا حتى تحقيق الإنتاج المستهدف ضمن "أوبك+" بسبب نقص الاستثمار… وهناك دولتان فقط تستطيعان إنتاج المزيد اليوم مما كانتا تستطيعان في يناير 2020، هما، السعودية والإمارات".
تراجع الاستثمارات
يمتد ركود الإنتاج إلى ما وراء "أوبك+"، وهبطت الاستثمارات في الإمدادات الجديدة بنسبة 30% في 2020 مع هبوط أسعار البترول، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ومقرها باريس. ويواصل منتجو البترول الصخري الأمريكيون تقليص إنفاقهم، بينما يعيدون رأس المال للمساهمين بعد سنوات من استثمار النقدية سريعاً.
مع اشتداد العبء على كبرى الدول في الشرق الأوسط، فإن السعة الاحتياطية التي يحتفظون بها كنوع من امتصاص الصدمات حال وقوع أزمة معروض سيتم استنزافها، ما يترك الأسواق العالمية مُعرّضة بشكل خطير لتوقف الإمدادات، وهو ما يظل تهديداً مستمراً كما أثبتت الاضطرابات الأحدث في ليبيا وكازاخستان.
بحلول يوليو المقبل، عندما يبدأ سائقو السيارات الأمريكيون الخروج على الطرقات من أجل العطلات، وعندما يحرق المصدرون الخليجيون المزيد من الوقود في الوطن لتشغيل مكيفات الهواء، فإن سعة الإنتاج الاحتياطي لدى "أوبك+" ربما تكون انخفضت إلى 2.3 مليون برميل يومياً فقط، وفقاً لحسابات "بلومبرغ"، والمرة السابقة التي كانت فيها السعة قرب هذه المستويات كانت في الربع الرابع من 2018، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
إذا واصلت "أوبك+" السير على المسار الحالي، فإن الاحتياطي سيكون أصغر حتى في النصف الثاني عندما تعيد المجموعة إحياء إمداداتها المعطلة. وقال فرانسيسكو بلانش، المدير العالمي لأبحاث السلع والمشتقات في "بنك أوف أمريكا" في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "سيكون المعروض هزيلاً في 2022 مع تعافي الطلب".