سجَّل سعر صرف الشيكل الإسرائيلي ارتفاعاتٍ كبيرةً أمام الدولار خلال العام الحالي، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى شراء مليارات الدولارات من العملات الأجنبية لتقليص تلك الارتفاعات، في حين يُتوقَّع أن يحافظ الشيكل على ذلك الزخم، بالرغم من تلك المحاولات.
وفيما يلي الأسباب التي تدعم قوة الشيكل، والإجراءات التي يتخذها صانعو السياسات النقدية لتقليص تلك الارتفاعات، أو تحضير الاقتصاد لحقبة الشيكل الغالي.
ما مدى قوة الشيكل؟
مُقارنةً بمستوياته التاريخية، يُعدُّ أداء الشيكل قوياً جداً، فهو على بُعد 1% فقط من تجاوز أعلى سعر صرف له أمام الدولار على مدى 24 عاماً. كما أنَّه تجاوز في 10 ديسمبر الحالي أعلى مستوياته منذ العام 1999 أمام سلّة قياس للمركزي الإسرائيلي مكوَّنة من 24 عملة.
لماذا يزداد قوة؟
يشير المحللون إلى مجموعة من العوامل التي تدعم زخم الطلب على الشيكل، منها: استمرار ازدياد حجم الصادرات، واتساع فائض الحساب الجاري لإسرائيل؛ الذي سجَّل مستوى قياسي بوصوله إلى 6.4 مليار دولار في الربع الثالث، إلى جانب استمرار تدفق الاستثمارات الخارجية بمعظمها إلى قطاع التكنولوجيا الذي يشهد نشاطاً ملحوظاً، ليصل حجم الاستثمارات بالقطاع إلى رقم قياسي جديد، يبلغ 10 مليارات دولار خلال العام الحالي، كما ساهم في زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إسرائيل إدراجها ضمن مؤشر السندات الحكومية العالمية الصادر عنFTSE Russell ، هذا بالإضافة إلى زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى البلدان المجاورة.
فضلاً عن ذلك، هناك عامل رئيسي آخر يُسهم في ازدياد قوة الشيكل، ألا وهو ضعف الدولار، بفعل الإقبال القوي من جانب المستثمرين على الأصول عالية المخاطر خلال النصف الأول من العام الحالي، نتيجة انخفاض أسعار الفائدة، وإقرار حزم تحفيز اقتصادي غير مسبوقة، الأمر الذي زاد من شهية المستثمرين في البحث عن عوائد مجزية.
وارتفع سعر صرف الشيكل 6.2% أمام الدولار خلال 2020، ليحتل المركز السابع كأكثر العملات ارتفاعاً أمام الدولار، وفقاً لبيانات سلة مُكوَّنة من 31 عملة تتعقبها بلومبرغ.
ماذا تعني قوة الشيكل؟
عانى محافظو البنك المركزي الإسرائيلي على مدار سنوات من تباطؤ معدل التضخم، ويزداد قلقهم مؤخراً مع تسارع قوة الشيكل، مما يزيد التباطؤ في الأسعار. كما تثير قوة الشيكل قلق المسؤولين بسبب الضغط الذي يُلقيه على الصادرات، بما يدفع أصحاب الأعمال والمصانع إلى الضغط على بنك إسرائيل من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لوقف خسائرهم التي تُقدَّر بالمليارات نتيجة تراجع مبيعاتهم في الخارج.
وفي الجهة المقابلة، يستفيد الإسرائيليون من ارتفاع سعر صرف عملتهم لناحية انخفاض تكلفة السفر، والتسوق خارج البلاد. ويؤيد آفي سمحون، كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإبقاء على قوة الشيكل، لأنَّه سيساهم بتعزيز التوظيف والأجور.
ماذا يفعل بنك إسرائيل؟
يعتمد صانعو السياسات النقدية، في ظلِّ انخفاض أسعار الفائدة واقترابها من الصفر، على برنامج شراء العملات الأجنبية بهدف كبح ارتفاعات الشيكل، وتسارعت وتيرة الشراء خلال العام الحالي، إذ بلغت مشتريات المركزي الإسرائيلي من النقد الأجنبي نحو 17 مليار دولار، لتبلغ أعلى معدلاتها منذ 2009. في وقتٍ تعهد محافظ البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون بمزيد من المشتريات.
ويؤكِّد صانعو السياسات النقدية سعيهم للوصول إلى مستويات سعرية للشيكل ضمن نطاق يتوافق مع أساسيات الاقتصاد الكلي للدولة. في حين يشكك خبراء اقتصاديون في قدرة المركزي على كبح هذا الارتفاع بسبب قوة العوامل التي تدعم اتجاهه الصاعد.
ما هي النظرة المستقبلية؟
تشير توقُّعات الخبراء الاقتصاديين لدى البنوك العالمية، التي رصدتها بلومبرغ، إلى أنَّ الشيكل سيحافظ على قوته، ليبقى قريباً من مستوياته الحالية، حتى نهاية العام المقبل على أقل تقدير.
وذكر أحد المحللين في "غولدمان ساكس" في تقرير صادر بتاريخ 17 ديسمبر أنَّ "هناك ضعفاً واضحاً بالعوامل الداخلية والخارجية التي يُمكن أن تضعف من قوة الشيكل". مُضيفاً: "بالرغم من أنَّ صانعي السياسة النقدية في اسرائيل سيزيدون من محاولاتهم لكبح صعود الشيكل إذا واصل ارتفاعاته؛ إلاّ أنَّ العملة الإسرائيلية ستتحرك بوتيرة أقوى مقابل الدولار خلال عام 2021".