تشهد بعض شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى قيام المستثمرين بزيادة حصصهم من الأسهم المتداولة في بورصة هونغ كونغ على حساب حيازتهم لشهادات الإيداع الأمريكية (ADR)، مع غموض مستقبل هذه الشركات في "وول ستريت" نتيجة تشديد الرقابة من الجهات التنظيمية الأمريكية، وتصاعد التوترات في العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة.
وفقاً لحسابات أجرتها "بلومبرغ" على بيانات التداول المتاحة حتى يناير2021، شهدت تسع شركات صينية من تلك التي أدرجت أسهمها أولاً في الولايات المتحدة، أو أنها تتداول أسهمها أو مقيدة قيداً مزدوجاً في المركز المالي الآسيوي، زيادة في نصيب الأسهم المتداولة في بورصة هونغ كونغ في العام الماضي.
اقرأ أيضاً: بعد انفجار فقاعات بكين.. وول ستريت تتطلع إلى صعود الصين في 2022
تصدرت شركتا "علي بابا غروب هولدينغز" (Alibaba Group Holdings) و"جيه دي دوت كوم" (JD.com) كل هذه الشركات، مع تضاعف حركة التحويلات. ويستطيع حائزو شهادات الإيداع الأمريكية أن يسلموا أسهمهم الأمريكية إلى بنك الحفظ من أجل تسجيل تحويلها، ثم تجري مقايضتها بعد ذلك بأسهم مدرجة في بورصة هونغ كونغ وفق معادلة محددة.
اقرأ المزيد: رسوم بيانية..بورصة هونغ كونغ الأسوأ أداء في 2021
يضيف هذا التطور إلى القوة الدافعة للانفصال المالي بين أكبر اقتصادين في العالم، بما يضع نهاية للاتجاه الذي ساعد على رعاية ونشوء أكبر شركات الصين تأثيراً، والذي زاد البنوك العالمية والمستثمرين ثراءً من خلال أسهم موجهة للتداول في نيويورك على مدى العقدين الأخيرين.
في الوقت الذي ستساعد فيه عودة مزيد من الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة إلى "وطنها" وتداول أسهمها في هونغ كونغ في الدفاع عن مكانة المركز المالي الآسيوي، فقد يمثل ضعف السيولة غير المتناسب في سوق الأسهم بهذه المدينة، تحدياً أمام المستثمرين.
مخاطر الشطب
قالت فيفيان لين ثورستون، مديرة المحافظ لدى شركة "ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت" (William Blair Investment Management): "من الواضح أن مخاطر شطب (شهادات الإيداع الأمريكية) هي الدافع الرئيسي في انتقال السيولة على هذا النحو"، في إشارة إلى الشهادات التي تعادل أسهما في الشركات الأجنبية.
وفق قانون وقعه رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب قبل شهر واحد من مغادرته منصبه، قد تواجه الشركات الصينية شطب أسهمها بداية من عام 2024، إذا رفضت الكشف عن بياناتها المالية للأجهزة الرقابية الأمريكية. ويستطيع المستثمرون تجنب هذه المخاطرة عبر تحويل الأسهم من الولايات المتحدة إلى هونغ كونغ.
قالت جيسيكا تي، أخصائية الاستثمار لدى "بي إن بي باريبا أسيت مانجمنت" (BNP Paribas Asset Management) في آسيا: "في حالة التصفية الإجبارية لشهادات الإيداع الأمريكية أو فرض قيود على المستثمرين في تداولها بالولايات المتحدة، فإن معظم المستثمرين سيظل بإمكانهم المحافظة على استثماراتهم في تلك الأسهم من خلال الانتقال إلى الأسهم المدرجة هونغ كونغ".
القرارات الأخيرة التي اتخذتها شركتا إعداد المؤشرات العالمية "إم إس سي آي" (MSCI) و"فوتسي راسل" (FTSE Russell) بالانتقال إلى الأسهم المتداولة في بورصة هونغ كونغ، ربما كانت هي الأخرى محفزاً لارتفاع الطلب على استبدال الأسهم المدرجة في نيويورك من شركات مثل "على بابا" و"جيه دي دوت كوم".
الربط مع الصين
علاوة على ذلك، ارتفعت جاذبية هذه الأسهم نتيجة توقع أن هذه الشركات سوف ينتهي بها الأمر إلى أن يشملها الربط بين التداول في هونغ كونغ وفي برّ الصين الرئيسي.
حتى الآن، لم يترتب على مكان إدارج الأسهم أي اختلاف في أدائها. فالمستثمرون من حاملي أسهم شركة "على بابا" في هونغ كونغ ربما حققوا 0.08 نقطة مئوية في زيادة لا تذكر عما حققته شهادات الإيداع الأمريكية عندما انهارت أسهم عملاقة التكنولوجيا في العام الماضي. وبالنسبة إلى شركة "جيه دي دوت كوم"، ربما يكون المتعاملون بأسهمها في هونغ كونغ قد حققوا زيادة طفيفة تبلغ 0.4 نقطة مئوية عن شهادات الإيداع الأمريكية.
مع ذلك، مازالت 37 شركة صينية مدرجة في الولايات المتحدة دون تواجد لأسهمها في بورصة هونغ كونغ، بقيمة سوقية إجمالية تتجاوز المليار دولار، ومن بينها عملاقة النقل التشاركي "ديدي غلوبال" (DiDi Global)، التي تدرس الانتقال شرقاً، كما كتب محللو "إتش إس بي سي هولدينغز"، ومن بينهم هيرالد فان دير لينده في مذكرة. وتبلغ القيمة السوقية الإجمالية لهذه الشركات 278 مليار دولار.
رغم المكاسب الأخرى، سيواجه المستثمرون الذين ينقلون حيازاتهم إلى هونغ كونغ مشكلة كبيرة: هي سوق تقل نشاطاً وسيولة.
تعاملات ضعيفة نسبياً
تستضيف هونغ كونغ فعلاً أكثر من نصف الأسهم المطروحة للتداول بالنسبة إلى 12 شركة من 17 شركة تتمتع بالقيد المزدوج لأسهمها. غير أن إجمالي التعاملات على هذه الأسهم يصل إلى ضعف القيمة على الأقل في بورصات الولايات المتحدة، وفقاً لبنك "إتش إس بي سي".
بحجم تعاملات بلغ 4 تريليونات دولار، احتلت سوق هونغ كونغ المركز التاسع بين قريناتها في عام 2020، وهو مستوى يقل كثيراً عن أسواق الولايات المتحدة التي سجلت 90 تريليون دولار، ويقل كذلك عن 30 تريليون دولار في برّ الصين الرئيسي، و7 تريليونات في اليابان، وفقاً لأرقام "بنك أوف أميركا".
يقلّ إجمالي القيمة السوقية للأسهم المدرجة في هونغ كونغ بنسبة صغيرة عن القيمة السوقية للأسهم المدرجة في اليابان، ويقترب من نصف القيمة السوقية في برّ الصين الرئيسي، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
كتب إستراتيجيو بنك "إتش إس بي سي": "في حين أن كثيراً من هذه التداولات سوف تنتقل إلى هونغ كونغ بمرور الوقت، يُرجح أن إجمالي أحجام التداول على هذه الأسهم سينخفض، لأن بعض مؤسسات الاستثمار ستتوقف عن التعامل بها".