توقَّع بنك "يو بي إس" أن يشهد الاقتصاد العالمي خلال النصف الأول من العام الجاري، نمواً ونتائج إيجابية للتحفيزات التي قدمت في العاميين الماضيين، موضحاً أنَّ الكثير من الناس ادخروا مبالغ طائلة خلال وباء كورونا، ومع تعودهم على الجائحة وبعد تقلص المخاوف المتعلقة بها؛ فإنَّ هذه الأموال ستنفق.
رجح بول دونوفان كبير الاقتصاديين في بنك "يو بي إس" في مقابلة مع "الشرق" أن تشهد أوروبا مستويات نمو أعلى من المعتاد مع استمرار المستهلكين في الإنفاق. في الولايات المتحدة توقَّع أن يشهد النصف الأول تراجعاً في الطلب، مع عودة الوضع لطبيعته في النصف الثاني.
اقرأ أيضاً: رئيس أكبر صندوق سيادي في العالم: استعدوا لمخاطر التضخم
مستويات إنفاق طبيعية
دونوفان قال: "في الولايات المتحدة بدأنا نرى أنَّ إنفاق المستهلكين يتباطأ نوعاً ما، وهذا الأمر لن يستمر للأبد، وفي أوروبا لدينا عدة أشهر من المستويات العالية من الإنفاق الاستهلاكي، وسيكون هناك إنفاق كبير للأموال، وأرقام نمو أعلى من المعتاد، وبالتالي؛ فإنَّ إنفاق المستهلكين سيعود للمستويات الطبيعية في النصف الثاني من العام الجاري، بعد إنفاق المدخرات".
كبير الاقتصاديين في بنك "يو بي إس" رجح أيضاً عودة التوازن للتجارة العالمية في العام 2022، مع مؤشرات قوية ببدء تحسن مواعيد التسليم، واختفاء أزمة سلاسل التوريد والشحن التي لازمت العام الماضي، التي جاءت بسبب زيادة الطلب العالمي بشكل قياسي مقابل معروض طبيعي، لترتفع التجارة العالمية بأكثر من 11%
في 2021.
أضاف: "العالم لم يكن أمام مشكلة سلاسل توريد في العام الماضي، فهذه قراءة خاطئة، فقد كان هناك معروض قياسي، ولم ينتج العالم هذا المقدار من السلع في السابق، وبرغم أنَّ المعروض كان يفيض، إلا أنَّ الطلب كان أقوى من المعروض، وهذه هي المشكلة الحقيقية".
طالع أيضاً: التضخم وليس "أوميكرون".. الهاجس الأكبر للبنوك المركزية
نمو أرباح الشركات
نمو أرباح الشركات لايرتبط بالقوة التسعيرية؛ ولكنَّه مرتبط بحجم المبيعات، فالمستهلك الأوروبي سيظل ينفق فوق المستويات الطبيعية، ومع وجود إنفاق طبيعي في الولايات المتحدة أيضاً؛ مازلنا أمام مستويات جيدة من الطلب، كما أنَّ معادلة زيادة المبيعات، وليست الأسعار هي التي ستوجد نمو الأرباح للشركات العام الجاري، بحسب بول دونوفان.
طالع أيضاً: 5 قضايا غامضة أمام البنوك المركزية ستُحدد شكل الأسواق في 2022
حول عائدات أسواق الأسهم المتوقَّعة في العام الجديد؛ رجح دونوفان أن تحقق أسواق الأسهم عائدات إيجابية في العام 2022، لكنَّه قال: "لا يجب أن نتوقَّع المستوى نفسه من العائدات التي تحققت العام الماضي، فعائدات أسواق الأسهم لن تشهد تكراراً لما رأيناه في الأعوام السابقة، وخاصة العائدات الكبيرة المسجلة في 2021".
كما أوضح قائلاً: "هذا الأمر مرتبط جزئياً بالتقييمات العالية للأسهم، وعلى الأغلب هذه التقييمات لن تكون هي ما يحرك أسواق الأسهم، لكنَّ نمو الأرباح ظل يفاجئنا إيجابياً، وأعتقد أنَّ الأسواق ستظل في نفس الحالة الإيجابية نتيجة نمو أرباح الشركات في 2022".
دونوفان تابع: "الأسواق مازالت تقلل من احتمال صعود الأداء الاقتصادي العام الجاري، ويعود ذلك جزئياً إلى أنَّ البيانات ليست موثوقة، خاصة أنَّه عندما تصدر البيانات أولاً؛ تكون عند الحد الأدنى من النطاق، ثم تعدل بالرفع، وهذا يعني أنَّ أسواق الأسهم سوف تحظى بدعم نمو أرباح الشركات دون أن يتغير أي شيء في التقييمات، وهذا سيسمح للأسهم أن تسجل أداءً متفوقاً في النصف الأول من العام الجاري على الأقل".
أوروبا واليابان
رجح كبير الاقتصاديين في البنك أن تكون سوقا أوروبا واليابان مفضّلَتين للمستثمرين خلال النصف الأول من العام الجاري، مرجعاً ذلك إلى أنَّ تقييمات السوقين ليست بالارتفاع الكبير في الأسواق الأخرى، ولأنَّ الطلب المحلي يظل أعلى من المعتاد. وفي الولايات المتحدة بدأت أوضاع الأسواق تعود للحالة الطبيعية، وهذا الأمر لن يحصل في أوروبا واليابان إلا بعد بضعة أشهر.
أكد أنَّ أسهم التكنولوجيا دعمت أسواق الأسهم، وهذا الأثر تلاشى تدريجياً، لأنَّ قطاع التكنولوجيا بات أقل أهمية في المرحلة المقبلة من تطور الاقتصاد، فالنمو ليس بقطاع التكنولوجيا في حدِّ ذاته، ولكن بكيفية استخدام هذه التكنولوجيا، وتحديداً التكنولوجيات الجديدة، وأداء الشركات الجديدة، وتحقيق عائدات جاذبة، هذا هو العنصر المهم. مشيراً إلى أنَّ الولايات المتحدة تركز على التكنولوجيا، أما أوروبا واليابان فتركيزهما أقل، وبالتالي؛ فإنَّ تراجع الدور الرائد لقطاع التكنولوجيا، والتركيز على كيفية استخدام التكنولوجيا، يعطي أوروبا واليابان ميزة نسبية أعلى.
موقف حيادي من الصين
كبير الاقتصاديين في البنك قال: "مازال موقفنا من الصين حيادياً، فما رأيناه العام الماضي؛ من مخاطر سياسية أثرت في الأسواق، وقد تمثلت في حالة عدم اليقين التي تحيط بالتشريعات، ودور الجهات التنظيمية، مع وجود إدراك أنَّه بسبب الطريقة التي تتبعها الحكومة؛ فإنَّ هناك صدمات تحدث بشكل مفاجئ، وهذا يستدعي وجود تحوط من المخاطر".
أضاف: "مع عودة الاقتصاد العالمي إلى وضعه الطبيعي، وبعد عودة المستهلكين إلى الإنفاق على الخدمات بشكل أكبر من إنفاقهم على السلع؛ فإنَّ الزخم التصديري من الصين الذي كان محفزاً قوياً للنمو؛ سيتراجع تدريجياً، ولذلك تحاول السلطات الصينية دعم الطلب المحلي من خلال الآليات المختلفة".
طالع أيضاً: الصين تتعهد بإجراءات استباقية لاستقرار الاقتصاد في 2022
رجح دونوفان تباطؤ النمو في الصين، الذي سيكون أقل من المعتاد، موضحاً أنَّ دعم السياسات المحلية لن يكون كافياً لتعويض التراجع في التصدير، وستعكس الأسواق الصينية هذا المزيج من التراجع في النمو، والمخاطر السياسية المحيطة بالتشريعات.