أوروبا محظوظة بوجود أمستردام هذا العام.. فما الأسباب؟

أمستردام شهدت نهضة مالية كبيرة في 2021 - المصدر: بلومبرغ
أمستردام شهدت نهضة مالية كبيرة في 2021 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

من الصعب المبالغة في الأهمية التاريخية لأمستردام بالنسبة للرأسمالية العالمية، فقد أوجدت سوق الأسهم، و"فقاعة التوليب"، وشركة عملاقة كبيرة لدرجة أنَّها تملك أموالاً وجيشاً ومستعمرة خاصين بها. وتساءل الاقتصاديون فيما بعد عما إذا كان هناك أي شيء روحي تقريباً في طريقة ولع الهولنديين بالمال.

وانحسر هذا الهوس مع سقوط الإمبراطوريات وبدء عصر الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية، مما وضع "وول ستريت" في مواجهة لندن، وكان التقسيم الفوضوي لبنك "إيه بي إن أمرو" (ABN Amro) الهولندي عام 2007 إشارة لنهاية الحفلة، وتحوّل فخر التمويل الهولندي إلى التخطيط الضريبي والشركات الوهمية و... شركات "شل".

ومع ذلك، تمتعت أمستردام العام الجاري بنوع جديد من العصر الذهبي - من الناحية المالية، على الأقل، مع اتجاه المدينة للإغلاق الشتاء الجاري - وأصبحت واحدة من المراكز المالية العديدة التي تجتذب المزيد من الشركات بعد خروج بريطانيا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، ويمكن القول، إنَّها الأكثر تفوقاً على التوقُّعات، ولكن قد تكون مكاسبها عابرة إذا فشلت بقية القارة في البناء على نجاحها.

المستثمرون بالاكتتابات الأوروبية يتكبدون خسائر كبيرة

مركز مالي أوروبي

ربما تكون "رويال داتش شل" قد انسحبت من هولندا إلى بريطانيا، لكنَّ غالبية الحركة المالية ذهبت في الاتجاه المعاكس منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إنَّ انتهاء وصول مدينة لندن غير المقيد إلى أسواق الاتحاد الأوروبي حوَّل أمستردام إلى أكبر مركز لتداول الأسهم في أوروبا العام الجاري بعدما أسست أمثال بورصة لندن وبورصة شيكاغو للخيارات مراكز قارية جديدة هناك.

وكان من الممكن أن يشكِّل نجاحاً لمرة واحدة؛ لكنَّ الزخم قد نشأ في مجال آخر. إذ كانت أمستردام من أوائل من تبنّى شركات "الشيكات على بياض"، وأطلقت شركة "داتش ستار كومبانيز وان" (Dutch Star Companies One) - أول شركة مدرجة في "يورونكست أمستردام" - ما يسمى بشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة بنفس الطريقة التي أطلقت بها "يونايتد إيست إنديا كومباني" (United East India Company) السفن، ومن هنا جاء الرقم القياسي للاكتتابات العامة الأولية في السوق الهولندية في عام 2021 (حتى 24 ديسمبر)، وجمعت الشركات 5 مليارات دولار - وهو ثاني أعلى مجموع سنوي في عشرين عاماً.

شركات التكنولوجيا الناشئة في أوروبا تجمع 100 مليار دولار خلال 2021

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

ازدهار أمستردام

إذا وجدت الأموال موطناً في أمستردام؛ فذلك لأنَّ المدينة مبنية جيداً، ولديها وسائل نقل واتصالات قوية، وهو ما ساعد في زيادة تأثيرات الشبكة التي تعزز التداول والمقار الرئيسية الجديدة للشركات.

وعلاوة على ذلك؛ فإنَّ اللغة الإنجليزية، اللغة المطلقة للتمويل، هي الملك، ويتم التحدث بها بشكل مباشر جداً، كما أنَّ مبدأ "bespreekbaarheid" أو القدرة على التحدث يشير إلى أنَّه يمكن ويجب التحدث عن كل شيء، والأمور ليست على هذا النحو تماماً في باريس.

كل هذا يجعل هولندا تبدو كأنَّها مركز متخصص في خلط الأوراق وحجز الصفقات، وعلاوة على ذلك؛ تزدهر الشركات الهولندية المحلية أيضاً في عالم ما بعد كوفيد، ويُبرز الأداء القوي لأسهم شركة "إيه إس إم إل" (ASML Holding NV) - الشركة الرائدة في سوق المعدات المتطورة لصنع أشباه الموصلات - وأسهم شركة معالجة المدفوعات "أدين" (Adyen) الإمكانات العالمية لشركات التكنولوجيا الواقعة في أوروبا.

أخبرني بيتر فان دير دو، أحد مؤسسي "أدين"، أنَّ مشهد الشركات الناشئة في أوروبا يلحق بركب الولايات المتحدة مع ازدهار الشركات الناجحة بعد تاريخ من التأخر.

وأشار إلى النجاحات التكنولوجية الهولندية مثل شركة "توم توم" (TomTom)، وتعد هولندا ثالث أسرع منظومة أوروبية نمواً لاستثمار رأس المال المغامر، وفقاً لشركة التحليلات "ديل رووم دوت كو" (dealroom.co).

منافسة قوية مع لندن

الآن نأتي للأخبار السيئة، ففي حين تتفوق أمستردام على نفسها؛ لكنَّها ما تزال صغيرة حقاً، وتتخلف عن باريس وفرانكفورت.

وتشتهر المدينة أيضاً بحدها الأقصى للمكافآت عند 20% من راتب الفرد، وهذا قد يكون سبباً لعدم وجود زيادة في عدد المصرفيين الأثرياء على أراضيها بين عامي 2015 و2019.

تتطلب طموحات أوروبا للتنافس مع بريطانيا التي ما تزال مهيمنة، ومع الولايات المتحدة وآسيا المتناميتين، الكثير من أمثال أمستردام.

لقد أضعف بريكست مدينة لندن - قال صاحب صندوق التحوط البريطاني بول مارشال، إنَّ سوق الأوراق المالية في بريطانيا أصبح مثل "موضع ركود عالمي" - لكنَّها ما تزال أكبر مركز مالي في أوروبا، إذ جلبت 121 عملية طرح عام أولي، و26.2 مليار دولار في عام 2021 (حتى 24 ديسمبر)، وشكلت أوروبا الغربية، باستثناء بريطانيا، 12% فقط من الاكتتابات العامة الأولية العالمية.

ومن الصعب أن تبتهج تماماً عندما تزداد الريادة العالمية للولايات المتحدة وآسيا في الوقت الذي يُقدِّر فيه مركز أبحاث "نيو فاينانشيال" أنَّ حصة الاتحاد الأوروبي في السوق قد تتقلص إلى حوالي 10% من النشاط المالي العالمي في العقدين المقبلين، وتحتاج القارة إلى مزيد من الإنفاق على الأبحاث والمزيد من الاستثمار، وأمستردام ليست استثناء.

اتحاد أسواق المال الأوروبية

إنَّ إحدى طرق الاتحاد الأوروبي للبناء على نجاح أمستردام هي في تكامل وربط أسواق الأسهم الوطنية الـ27 بشكل أفضل عبر "اتحاد أسواق رأس المال" المنتظر منذ وقت طويل، وقد يسمح توحيد القواعد عبر القارة، وتقليل الحواجز أمام الدخول إلى تحرير المزيد من مدخرات الأسر، وتشكيل تجمعات أكبر لرأس المال الاستثماري.

وقد تظهر المزيد من أمثال "أدين" و"إيه إس إم إل" بشكل طبيعي، بدلاً من الموضة الحالية للسياسة الصناعية من أعلى إلى أسفل التي تحابي المشاريع الكبيرة الفرنسية الألمانية على غرار "إيرباص".

وطُرحت فكرة اتحاد أسواق رأس المال منذ عقود، لكنَّ "بريكسيت" جعل الأمر أكثر إلحاحاً، ومن السابق لأوانه معرفة المدينة التي ستظهر كقائدة في مثل هذا السيناريو - ربما عاصمة كبيرة مثل باريس، أو ربما ولا واحدة على الإطلاق - وحتى ذلك الحين؛ فإنَّ أوروبا محظوظة بوجود أمستردام.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة