بعد طول انتظار، وضعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية خطة للتصدي لمشكلة شائكة تطال سوق الأوراق المالية، وهي كيف ومتى يمكن للأطراف الداخلية في الشركات -الذين حتماً لديهم معلومات أفضل من المستثمرين - أن يجروا عمليات تداول بطريقة قانونية في أسهم شركاتهم؟.
يعد المقترح جيداً، بقدر ما يصل إلى أفضل ما يمكن. بيد أنه يمكن فعل الكثير من أجل طمأنة المستثمرين المنتظمين على أن الأطراف الداخلية لا تحقق استفادة على حسابهم.
وفقاً للقواعد الحالية، توجد إمكانية لدى المسؤولين التنفيذيين والمديرين لتفادي تعرضهم لاتهامات مرتبطة بالتداول من الداخل بالمخالفة للقانون إلى حد كبير عبر إعداد جدول زمني يجري تحديده مسبقاً لعمليات المبيعات أو المشتريات، والمعروف باسم خطة "10بي5-1".
رغم ذلك، إذا نما إلى علمهم أن شركتهم قريبة من إتمام صفقة كبيرة أو الإبلاغ عن وجود بعض الأنباء السيئة، فما زالت توجد طرق كثيرة تمكنهم من استخدام ذلك النوع من الخطط للعمل وفقاً لهذه المعلومات. في استطاعتهم إعداد خطة لعملية تداول واحدة والتصرف بناء عليها خلال يوم العمل التالي. وفي استطاعتهم إعداد خطط متعددة، ثم إلغاء الخطط المسببة لحدوث خسائر في أي وقت. من الصعب على الجماهير إدراك طبيعة ما يجري، نظراً لوجود تفاصيل كثيرة مرتبطة بالخطط لا يجري الإفصاح عنها كما هو معتاد أو من الصعب اكتشافها.
فترة تهدئة
بدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات حالياً التحرك من أجل جعل مسألة وضع الخطط أكثر صعوبة. ستضع قاعدتها الجديدة المقترحة فترة تهدئة حددت مدتها ب 120 يوماً قبيل أن يجري تنفيذ أول عملية تداول- وهي فترة تكفي للتخلص من أي ميزة تتعلق بالمعلومات ربما تستفيد منها الأطراف الداخلية عند وضع خطة. ستقلص خطط التداول الفردية إلى خطة واحدة كل عام، ولن يجري السماح للمديرين التنفيذين بطريقة فعالة بوضع خطط متعددة في وقت متزامن. تعتبر كافة هذه التعديلات إيجابية. بيد أنه على صعيد نطاقات أخرى، خصوصاً الإفصاح العام، فإن الاقتراح الخاص بهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية يبقى قاصراً.
حالياً، عندما يضع مسؤول تنفيذي خطة من نوع "10بي5-1" أو ينهيها فالأمر يعود للشركة حيال اتخاذ قرار بشأن الكشف عن هذه الخطوة من عدمه. مثلاً، منذ عام 2004، كانت شركة "سيسكو سيستمز" تقدم بانتظام تقرير الإفصاح من نوع "8-كيه" حول هذه الخطط، بما يتضمن اسم المسؤول التنفيذي وعدد الأسهم والنطاق الزمني للمبيعات. بيد أنه مع بداية سنة 2018، امتنعت الشركة عن توفير ذلك المستوى من التفاصيل دون تقديم أي تفسير لذلك. في ظل عدم وجود أي قواعد رسمية، يمكن للشركة ومحاميها انتقاء واختيار ما يرغبون في كشفه.
متطلبات المقترح
سيكون من متطلبات المقترح الحديث للشركات أن تفصح عن الخطط في تقاريرها المالية ربع السنوية والتي يرمز لها ب"10-Q"، بجانب بعض المعلومات الإضافية (تتعلق مثلاً بعقود خيارات الأسهم في التقارير السنوية الخاصة بها المسماة "10- كيه". لا يعتبر ذلك أمراً جيداً بما يكفي. بيد أنه لكي يكون تقرير الإفصاح مفيداً فعلاً بالنسبة للمستثمرين، يتعين أن يجري الإفصاح بمجرد وضع الخطط أو عند عملية الإلغاء، وبموجب قواعد "8-كيه" مثلاً التي تتطلب تقديم الملف خلال 4 أيام عمل، حسبما أوصت اللجنة الاستشارية للمستثمرين الخاصة بهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.
لماذا انقلبت هيئة الأوراق المالية والبورصات على توصيات المستثمرين؟ حدث ذلك على الأرجح بغرض إرضاء الأعضاء الجمهوريين من بين المفوضين الخمسة لدى الوكالة، والذين أصدر أحدهم تصريحاً علنياً وهو إيلاد رويسمان، يقول فيه إن "هذه لم تكن هي القاعدة التي كنت سأقوم بكتابتها". حصل المقترح في النهاية على تأييد بإجماع الأصوات، وهو أمر نادر الحدوث في تلك الأوقات التي تشهد وجود انقسام سياسي. بيد أنه حتى تقارير الإفصاح المتواضعة المطلوبة من الممكن تخفيفها أو إلغاؤها عندما تبدأ شركات المحاماة الخاصة بالشركات في التدخل.
التاريخ القريب
التاريخ القريب لا يشجع. تمتعت لجنة الأوراق المالية والبورصات بطموح أكثر خلال سنة 2002، عندما عرضت مقترحاً يقضي بخضوع خطط "10بي5-1" لتقرير إفصاح يرمز له بـ "8-كيه". بيد أن معلقين كثيرين، تشمل شركات الوساطة الكبرى على غرار "تشارلز شواب"، اشتكوا من أن ذلك المطلب سيسفر عن حالة من "الإرباك للمستثمرين". احتج آخرون على أوراق العمل التي جرت إضافتها. أُسقطت الفكرة.
بما أنني قارئ نهم لتقارير ملفات الإيداع بهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، فقد اقترحت منذ فترة طويلة أن إفصاحاً أكثر وبطريقة أفضل سيعود بالفائدة على كافة المستثمرين، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى عمل أكثر بالنسبة للأفراد الذين يعدون تلك المستندات. تعد هذه المقترحات الأخيرة، بفرض أنها نجت من الضغوط التي تمارسها الشركات، خطوة على الطريق الصحيح. بيد أنهم ما يزالون لا يوفرون تقريباً معلومات تكفي من خلال النهج الذي يهم المستثمرين العاديين.