كيف تحدّد قيمة أسهم شركات إنتاج القنّب؟

من المؤكد أن للحشيش قيمة مرتفعة، ولكن من الصعب تحديدها. - المصدر: بلومبرغ
من المؤكد أن للحشيش قيمة مرتفعة، ولكن من الصعب تحديدها. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لا تجني شركات زراعة نبات القُنّب "الماريغوانا" إيرادات تُذكر، ولا يزال منتجهم غير قانوني في الولايات المتحدة التي تعد أكثر سوق مرغوبة بالنسبة لهم، إلا أن هذا لم يمنع المستثمرين والشركات العملاقة من إنفاق مليارات الدولارات لشراء حصص في هذه الشركات، أي أنهم يرون إمكانيات لنموها، ولكن السؤال هو كيف يحددون قيمة شركة تعمل في مجال إنتاج القنّب؟

شركة "ألتريا غروب إنك" (Altria Group Inc) الرائدة في إنتاج التبغ في الولايات المتحدة وصاحبة سجائر "مارلبورو"، أعلنت في شهر ديسمبر 2018 عن شرائها 45 بالمئة من شركة "كرونوس غروب إنك" (Cronos Group Inc)، إحدى شركات إنتاج القنّب التي يزداد عددها في كندا ومن بين الشركات ذات الأسهم المرتفعة في هذه الصناعة.

ولعل مثل هذه الصفقة التي بلغت قيمتها 1.8 مليار دولار جعلتنا نتساءل: كيف حددت شركة "ألتريا" هذا السعر؟ فمبيعات شركة "كرونوس" قبل الصفقة لم تتجاوز 4 ملايين دولار، وهو رقم لا يدل على جنيها أية أرباح على الإطلاق، ولم يصبح استخدام القنّب لأغراض ترفيهية قانونياً في كندا إلا قبل شهرين من عقد تلك الصفقة.

يعني هذا أن شركة "ألتريا"، التي تبلغ قيمتها السوقية 105 مليارات دولار والتي يندر إبرامها لصفقات مثيرة للانتباه، قد دفعت مبالغ ضخمة في شركة لا يكاد يكون لها نشاط تجاري يذكر في سوق حديثة.

وتتشابه هذه الخطوة مع ما قامت به شركة "كونستليشن براندز إنك" (Constellation Brands Inc) للبيرة والمشروبات الكحولية التي أنفقت 3.8 مليار دولار لزيادة حصتها في شركة "كانوبي غروث كورب" (Canopy Growth Corp) في عام 2018، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة "كانوبي غروث كورب" حينها إنه يطمح في أن تصبح شركته مثل محرك البحث "غوغل" (Google) ولكن في سوق إنتاج الحشيش، إلا أنه سيحتاج قبل ذلك لمضاعفة مبيعات الشركة.

رؤية النمو

النمو المتوقع لسوق القنّب دفع الكثير من المستثمرين إلى وضع أموالهم في شركات جديدة في السوق بالرغم من إيراداتها القليلة وعدم تحقيقها أية أرباح.

يسلس
يسلس

بالرغم من صعوبة تقدير القيمة الحالية لأصول من المتوقع أن تصبح ذات قيمة عالية في المستقبل، إلّا أن النظر إلى نماذج مماثلة في صناعات أخرى مختلفة من شأنه أن يساعد في إيجاد طريقة لتحديد القيمة، حتى لو كانت أنشطة هذه الشركات لا تشبه أنشطة شركات إنتاج القنّب بما يكفي للمقارنة بينهما.

ولنأخذ الشركات التي تعتمد على الموارد الطبيعية مثالاً، فهي تركز غالباً على المؤشرات غير المالية، إذ تحدد قيمتها بالنظر إلى قدرتها الإنتاجية والأصول الملموسة التي تملكها مثل وجود احتياطي نفط مؤكد لأنه يشير إلى الكمية المحتملة التي تستطيع الشركة المنتجة ضخها من حقولها.

ويمكن القول إن هذا المثال مشابه للطريقة التي يقيس بها المستثمرون قيمة شركات إنتاج القنّب، من حيث العدد الكبير من الكيلوغرامات التي يمكنهم إنتاجها ومساحات البيوت الزجاجية التي يملكونها.

إلا أن ما يعيب طريقة التقييم هذه هو تركيزها الشديد على عمليات سلسلة التوريد التي قد تنتهي بإنتاج السلع، ومحدودية تركيزها على القدرة الإنتاجية، وبهذا لا يمكنها أن تعكس ما يميّز شركة عن غيرها من الشركات التي دخلت السوق في وقتٍ مبكر.

كما أن حداثة هذه الصناعة تصرف الانتباه عما من شأنه أن يشكّل تحدياً عند التنفيذ. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار أسهم شركة "أفريا إنك" (Aphria Inc) بأكثر من 11 ضعفاً خلال الـ 5 أعوام الأخيرة، ولكن أعمالها تعطلت في الربع الأخير من عام 2018 بسبب نقص الإمدادات ومشاكل في التعبئة.

مراهنات كبيرة

ربما تكون سوق التكنولوجيا الحيوية مثالاً أفضل، فصفقات مطوري الأدوية تنطوي على مخاطرات ومراهنات كبيرة على نجاح المنتجات مستقبلاً، وربما كانت هذه المنتجات لا تحقق إيرادات الآن، ولكنها تستهدف أسواق محددة، ويتوقع أن يكون لها ميزة تنافسية تدفع المنافسة بعيداً عنها.

وبالنسبة للمستحضرات الدوائية، تتمثل هذه الميزة في الحصول على براءة اختراع تمنع وجود نسخ مقلدة من الدواء المصنع، وهذا ما تسعى شركات إنتاج القنّب الأكثر تطوراً إلى تحقيقه بطريقة ما، فرغم أنها لن تتمكن من الحصول على براءة اختراع بنفس الطريقة، لكنها تطمح لإنشاء ملكية فكرية وعلامات تجارية متخصصة تجذب شريحة معينة من العملاء، وتريد هذه الشركات أن تكون السباقة في إنشاء مثل هذه العلاقات مع العملاء.

ولا بد من تذكر أن هذه الصناعة ستتوسع إلى مجالات أبعد بكثير من مجرد بيع علب سجائر الحشيش، فهناك مجال لإنتاج مختلف أنواع المنتجات الاستهلاكية التي يروج ويسوق لها بأساليب مختلفة، مثل المشروبات الصحية ومستحضرات التجميل التي يضاف إليها مركب "كانابيديول" (Cannabidiol)، أو "سي بي دي" (CBD) اختصاراً، المستخرج من القنّب والذي لا يسبب نشوة مخدرة، وحتى المنتجات "الضارّة" مثل المأكولات التي تحتوي على القنّب، وصولاً إلى المنتجات التي لا يتعدى تأثيرها تأثير شرب كأس من النبيذ.

الانطلاق

تفوُّق استخدام القنّب لأغراض ترفيهية على الأغراض الطبية سيدفع الشركات إلى إنشاء علامات تجارية جذابة ومقنعة.

شلي
شلي

وعند النظر إلى الأمر من هذا المنطلق، فإن شركة "ألتريا" لا تملك مزارع للتبغ، لكنها تملك علامات تجارية ذات هوامش ربح مرتفعة تعتمد على شركات زراعة التبغ، لذلك عندما تدرس الشركة مستقبل صناعة القنّب، فهي لا تنظر فقط إلى الإنتاج بل تبحث عن إنشاء علامات تجارية متميزة يمكن توسيع نشاطها بالاستعانة بفريق يملك الخبرة اللازمة لتحقيق ذلك.

أما بالنسبة لـ "كرونوس"، فقد صرح الرئيس التنفيذي "مايك غورنشتاين" في آخر اجتماع لمناقشة الأرباح أن الشركة تحاول أن تتميز بإنتاج سجائر جاهزة للاستعمال، مضيفاً أن الابتكارات المرتبطة بالعلامة التجارية والكفاءة ستكون "وسيلة تميّز الشركة بها نفسها أكثر من مجرد زراعة القنّب".

وعند إدراك أهمية دور عملية بناء العلامة التجارية في المرحلة المقبلة من مراحل نمو صناعة إنتاج القنّب، سيكون من المفيد النظر إلى فِرَق الإدارة العليا لهذه الشركات ومعرفة خبراتهم السابقة في مجال تطوير العلامات التجارية و تجارة التجزئة.

ويبدو أنّ من المؤشرات الجيدة معرفة أن رئيس قسم التسويق لشركة "كرونوس" عمل سابقاً في شركة "بيبسيكو إنك" وشركة "مونديليز إنترناشونال إنك" (Mondelez International Inc)، وأن مدير استراتيجية البيع بالتجزئة في شركة "تيلراي إنك" (Tilray Inc) كان مسؤولاً تنفيذياً في شركة "ستاربكس كورب".

كما تملك شركة "غرين غروث براندز إنك" (Green Growth Brands Inc)، التي يقع مقرها في أوهايو وأونتاريو، مجموعة ممتازة من هؤلاء القادة، فرئيسها التنفيذي هو "بيتر هورفاث" الإداري السابق في "أمريكان إيغل آوتفيترز إنك" (American Eagle Outfitters Inc) و"فيكتوريا سيكرت" (Victoria’s Secret) و"دي إس دبليو" (DSW)، أما نوابه الرئيسيون فقد عملوا في شركات مثل " أبركرومبي آند فيتش إنك" (Abercrombie & Fitch Inc.) و"باث آند بودي وركس" (Bath & Body Works).

يؤكد وجود هؤلاء المديرين على أن الخبرة في مجال البيع بالتجزئة تعد ميزة فارقة في تطوير علامات تجارية مستهدفة، مثل العلامة التجارية "غرين ليلي" (Green Lily) التي تستهدف النساء و"كامب" (Camp) التي تستهدف الأشخاص النشطين والمغامرين.

ويبدو أن هذا التركيز على العلامة التجارية يؤتي ثماره، فعلى الرغم من أن القيمة السوقية لشركة "غرين غروث براندز" لا تعادل مثيلاتها من الشركات الكندية، إلا أنها نجحت مؤخرًا في عقد شراكة مع شركة "سايمون بروبرتي غروب إنك" (Simon Property Group Inc) من أجل افتتاح أكثر من 100 متجر للمنتجات التي تحتوي على الكانابيديول (CBD) في مراكز التسوق العملاقة، وستباع هذه المنتجات في 96 فرع من فروع " دي إس دبليو".

وقد تنجح التحركات التي تحدث في الولايات المتحدة في تحقيق النجاح مستقلاً، خصوصاً أن تقنين القنّب على نطاق أوسع أصبح أمراً محتملاً، وبالرغم من توجّه الأنظار حالياً نحو السوق الكندية الواعدة، يجب ألا ندع ذلك يحجب النظر عن السوق الحقيقية للقنّب في المستقبل.

التركيز على السوق الأمريكية

يفوق عدد سكان ولاية كاليفورنيا وحدها عدد سكان كندا، ما يفسر سبب اعتبار الولايات المتحدة سوقاً واعدة لصناعة الحشيش.

عدد السكان المقدر لعام 2018 في بعض الولايات التي سمحت السلطات القضائية فيها ببيع الحشيش

ساا
ساا

أما الشركات الكندية التي لاقت رواجاً في صفوف المستثمرين عموماً، فلا يمكنها المنافسة كثيراً فيما يتعلّق ببناء العلامة التجارية، بحسب ما أشارت إليه "بيثاني غوميز" (Bethany Gomez) محللة صناعة القنّب في شركة "برايت فيلد غروب" (Brightfield Group)، وذلك نظراً للأنظمة الصارمة المفروضة في كندا على حجم الشعار وغيرها من تفاصيل التعبئة والتغليف لمنتجات القنّب الموجودة في الأسواق، ما يحد من قدرة الشركة على التميّز في عرض علامتها التجارية.

وإذا كانت صناعة منتجات القنّب ستنمو بالقدر الذي يتمناه المستثمرون بغض النظر عن مكان بيعها، فسيتعين على الشركات جذب العملاء الذين لا يستخدمون منتجات الحشيش، بالإضافة إلى أولئك الذين يستخدمونها بين الحين والآخر. وهنا تأتي أهمية الابتكارات الجديدة في منتجات القنّب مثل المنتجات القابلة للأكل ومستحضرات التجميل، بل وتتفوّق على المنتجات القابلة للتدخين.

مستهلكون غير مولعون بالقنّب

لم يستهلك الكثير من الناس القنّب في الأسواق الأمريكية التي يسمح فيها بيعه للأغراض الترفيهية، ما يؤكد وجود فرصة نمو سوق أخرى مرغوبة.

يللا
يللا

ولعل الشركات التي ستبرز في عصر تقنين استخدام القنّب هي تلك التي تملك رؤية عن كيفية خلق الطلب على هذه المنتجات، سواء بصنع منتجات جذابة أو بتهيئة تجربة تسوق رائعة للعميل داخل المتجر، أو عبر استراتيجيات تسويق مغرية، ويجب أن تكون هذه الإمكانيات جزءاً مهماً في عملية تقدير قيمة الشركات الرائدة في إنتاج القنّب.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة