انتهى زمن "الاستحواذات القاتلة".. هكذا ستواجه الحكومات تَوحُّش أباطرة التكنولوجيا

الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مالكة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ - المصدر: بلومبرغ
الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مالكة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لسنوات، نمت "فيسبوك" وشركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى لتصبح تكتلات رقمية ضخمة من خلال إجراء ما يسمى بعمليات الاستحواذ القاتلة، وهي صفقات صغيرة للشركات التي يمكن أن تشكل يوماً ما تهديداً تنافسياً.

تُظهر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية بين المديرين التنفيذيين في "فيسبوك" أن الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرغ، وفريقه التنفيذي كانوا يرتجفون أمام لوحات مفاتيح حواسيبهم في عام 2012، حيث شاهدوا آنذاك "واتساب" ينمو ويسيطر على سوق تطبيقات المراسلة وأصبح بحسب تعبيرهم "أكبر تهديد واجهناه على الإطلاق". بعد ذلك بعامين، انقض "زوكربيرغ" بعرض قيمته 19 مليار دولار، ذلك العرض الذي كان جيداً لدرجة أنه لم يكن لمؤسسي "واتساب" أن يرفضوه.

لكن تلك الأيام باتت من الماضي. حتى عمليات الاستحواذ على الشركات الأصغر، بما في ذلك شراء "فيسبوك" لـ"جيفي" (Giphy)، أداة بحث مقاطع الفيديو والصور المتحرِّكة الممتدة المعروفة باسم "جيف" (GIF) - بقيمة 315 مليون دولار، في عام 2020، أصبحت الآن مهددة بالتفكك.

في يوم الثلاثاء الماضي، أمرت هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار في المملكة المتحدة شركة "ميتا بلاتفورمز"، التي تم تغيير اسمها مؤخراً، وهي الشركة الأم التي تحمل العلامة التجارية لشركة "فيسبوك"، ببيع "جيفي". و تعد هذه المرة الأولى التي يجبر فيها مُنظّم عالمي شركة تكنولوجيا كبيرة على إلغاء صفقة مكتملة. من جانبها قالت "فيسبوك" إنها ستستأنف ضد القرار.

أضرار مستقبلية

ظاهرياً، يبدو الأمر كما لو أن المملكة المتحدة تتعدى على شيء قديم وليس مهم. كلتا الشركتين لا تتخذ من الأراضي البريطانية مقراً لها، علاوةً على ذلك، من يهتم حقاً بصور "جيف"؟.

لكن "فيسبوك" هي أكبر شركة تواصل اجتماعي في العالم، و"جيفي" هي أكبر مزود في العالم لصور "جيف". وفيما يكاد أن يكون ضرباً من الجنون، أصبحت صور "جيف" هي الوقود الاجتماعي لمنصات مثل "فيسبوك" و"واتساب" و"سلاك" و"تويتر"، وباتت جزءاً مهماً من المفردات الرقمية التي يستخدمها المستخدمون الشباب. ضع في اعتبارك أنه لم يكن أحد يعرف حقاً مدى ضخامة "إنستغرام" عندما اشترته "فيسبوك" مقابل مليار دولار في عام 2012.

وقالت وكالة تابعة للمملكة المتحدة إنها تقضي على الصفقة لأنها قد "تضر في المستقبل بمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمعلنين في المملكة المتحدة". يمثل هذا تحولاً كبيراً في كيفية تدقيق بريطانيا في صفقات التكنولوجيا. غيرت "هيئة المنافسة والأسواق" في المملكة المتحدة (CMA) طريقة تقييمها للصفقات الرقمية في وقت سابق من هذا العام، وذلك عبر اتباع نهجين رئيسيين:

1- ستبدأ في النظر بشأن الكيفية التي يمكن أن يتم تشويه المنافسة بسببها في المستقبل، وليس فقط في الماضي. وهذا يعني، على سبيل المثال، أن الجهة المنظمة أمضت وقتاً أطول في النظر إلى خطط "جيفي" المستقبلية بشأن الإعلان المصور أكثر مما كانت ستفعله بخلاف ذلك.

2- لا ينبغي على الوكالة أن تُرجّح كفة تسوية الاندماج إذا كان هناك عدم يقين حول الحجم الذي يمكن أن تصبح عليه شركة رقمية ما.

سر التغيير

لماذا حدث هذا التغيير؟. كان عُمر الإرشادات السابقة 10 سنوات، وكانت بحاجة ماسة إلى التحديث. خلصت العديد من المراجعات والدراسات الأكاديمية المستقلة، بما في ذلك تقرير تاريخي لعام 2019 أعده الاقتصادي في جامعة "هارفارد" جيسون فورمان لحكومة المملكة المتحدة، إلى وجود نقص مزمن في الإنفاذ من قبل منظمي مكافحة الاحتكار.

على سبيل المثال، خلال السنوات العشر حتى 2018، قامت أكبر خمس شركات تكنولوجيا في العالم بأكثر من 400 عملية استحواذ، وسط القليل من التدقيق ولم يتم حظر أي منها، وفقاً للدراسة التي أعدها "فورمان". كانت شركات التكنولوجيا تتحرك بسرعة كبيرة، بينما كانت سلطات مكافحة الاحتكار مترددة.

لذلك قامت "هيئة المنافسة والأسواق" البريطانية بتعيين شركة استشارية اقتصادية خارجية لمراجعة عمليات الاستحواذ التي كانت هي نفسها قد وافقت عليها، مثل شراء "غوغل" لتطبيق "ويز" (Waze) الذي يوفر المعلومات عن طرق التنقل، مقابل مليار دولار في عام 2013، واستحواذ "فيسبوك" على "إنستغرام" في عام 2012. ووجدت الوكالة، أنها كانت محدودة للغاية في كيفية قيامها بتقييم صفقات شركات التكنولوجيا.

يمثل أمر "هيئة المنافسة والأسواق" الأخير خطوة مهمة نحو كبح عمليات الاستحواذ القاتلة التي استخدمتها شركات التكنولوجيا الكبيرة لتعزيز هيمنتها غالباً على حساب الشركات الناشئة التي تحاول التوسع. من الناحية النظرية، إذا كانت البيانات الشخصية إحدى فئات الأصول، فلا ينبغي أبداً السماح لـ"فيسبوك" بالحصول على "واتساب" و"إنستغرام". لا يعني ذلك فقط أن انقطاعاً واحداً قد يؤدي إلى تعطيل أدوات اتصال متعددة لمليارات الأشخاص، كما حدث في أكتوبر، بل إنه أعطى أيضاً "فيسبوك" قوة أكبر للقيام بالإعلانات المستهدفة مقارنةً بمنافسيها.

جرس إنذار

يجب أن يدُق الأمر الصادر عن الوكالة ناقوس الخطر داخل فرق الاندماج والاستحواذ التابعة لشركات التكنولوجيا الكبيرة. فاستحواذ شركة "إنفيديا" (Nvidia) على "إيه.آر.إم" (Arm Holdings) يبدو متزعزعاً إلى حد ما بفضل التدقيق الذي يقوم به المنظمون في المملكة المتحدة، و الذين يتحدثون "حرفياً كل أسبوع" إلى لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية حول الصفقة، كما أفادت "بلومبرغ" مؤخراً.

قالت السلطات الأمريكية إنها، أيضاً، تلقي نظرة فاحصة على صفقات التكنولوجيا الأصغر. وأي شخص أصبح يراهن على "تويتر" فجأة بسبب رحيل الرئيس التنفيذي جاك دورسي، يجب عليه أن يفكر بالأمر مرتين.

من المثير للاهتمام أن ديفيد ماركوس الرئيس الرفيع المستوى للعملة المشفرة في "ميتا"، استقال من منصبه الثلاثاء الماضي بعد مغادرة العديد من كبار المدراء التنفيذيين من المشروع المعروف سابقاً باسم "ليبرا". لطالما كانت الحكومات مستاءة من احتمال تنافس "فيسبوك" مع العملات السيادية عندما تم الإعلان عن المشروع في عام 2019. وتتوقع "فيسبوك" على الأرجح أن يكون رد فعل الحكومات أقوى الآن. فبعد كل شيء، لا تكمن القوة المطلقة للجهة التنظيمية في الإجراءات التي تتخذها بشأن الصفقات، ولكن في الصفقات التي لا يتم تنفيذها أبداً بسبب التهديد الذي تشكله.

ينظر المنظمون في كل قضية على أساس موضوعيتها الخاصة، لكن طريقة المملكة المتحدة الجديدة للنظر في كيفية تأثير صفقة ما على الأسواق المستقبلية تُظهر أنهم بدؤوا يسبقون شركات التكنولوجيا التي كانت، حتى الآن، صعبة التنظيم بشكل فعال بسبب سرعتها. مثلهم مثل الأطفال الصغار الذين يدركون فجأة أن والديهم صارمين، ستتعلم شركات التكنولوجيا الكبرى مما حدث لـ"ميتا" و"جيفي" وتبدء اتباع نهج حذر في عملها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك