تقوم "رويال داتش شل" بنقل مقر الشركة الرئيسي إلى خارج هولندا، وسط مخاوف من خسارة أمستردام بعض الزخم كونها أحد المراكز الرائدة في تداول الأسهم في قارة أوروبا.
لكن، لا داعي للقلق. فخلال العام الجاري فقط، شهدت المدينة عدداً قياسياً من الطروحات العامة الأولية ما يُرسخ مكانتها كعاصمة لطروحات شركات "الشيك على بياض" في أوروبا، إذ استقبلت نحو 40% من الإدراجات التي شهدتها المنطقة والبالغ عددها 32 طرحاً أولياً.
وتزامناً مع ذلك الزخم، ارتفع مؤشر "بورصة أمستردام" (AEX) بنسبة 27% ما يعادل ضعف المكاسب التي سجلها مؤشر "فوتسي" البريطاني، كما تجاوز كافة المؤشرات الرئيسية الأخرى في القارة.
يأتي صعود المؤشر بدعم من ارتفاع سهم عملاق المعدات والرقائق "إيه إس إم إل هولدنغ" بنسبة 84% ليسجل السهم أفضل أداء بين أسهم الشركات الكبرى في أوروبا.
وقد نمت القيمة السوقية للشركة التي تتخذ من فيلدهوفن مقراً لها بشكل كبير متجاوزة القيمة السوقية الحالية لشركة "إنتل" الأمريكية أكبر شركة تصنيع معالجات أجهزة كمبيوتر في العالم.
أقدم بورصة في العالم
يؤكد أداء أسهم العديد من الشركات الأخرى عودة أمستردام. حيث ارتفع سهم شركة المدفوعات "أديان" والمسؤولة عن معاملات شركات كبرى مثل "أوبر تكنولوجيز" و"ماكدونالدز" بأكثر من 10 أضعاف منذ طرح السهم للاكتتاب في 2018 لتصل القيمة السوقية للشركة في الوقت الحالي إلى نحو 84 مليار دولار.
يعتبر ازدهار "بورصة أمستردام" التي تأسست قبل 419 عاماً كأقدم بورصة في العالم انعكاساً للتحولات الواسعة التي تجتاح الأسواق الأوروبية، ومن بينها التحول الرقمي الذي تسارعت وتيرته بسبب جائحة كوفيد-19 والانقسام الذي تشهده الصناعة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي .
قال ستيفان بوغنا، الرئيس التنفيذي لشركة "يورونكست" التي تدير "بورصة أمستردام" إن أمستردام "بمعزلٍ عن تداعيات البريكست وترتبط بشكلٍ كامل بالاتحاد الأوروبي"، إذ توفر إمكانية الوصول للسيولة الهائلة المتاحة بكافة أنحاء القارة.
وأضاف بوغنا: " ازدادت جاذبية المدن داخل الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
قالت "شل" في 15 نوفمبر إن نقل مقر إقامتها الضريبي لبريطانيا وكذلك كبار المسؤولين التنفيذيين من لاهاي إلى لندن يمثل جزءاً من خطة عملاق النفط لإعادة الهيكلة.
ويأتي الإعلان بعد مرور عام على اختيار شركة المنتجات المنزلية مثل "أومو" و"لايف بوي" "يونيليفر" التي تنقسم ملكيتها بين بريطانيا وهولندا أن تصبح شركات بريطانية فقط.
ويمثل رحيل شركتين بذلك الحجم صدمة لأي سوق، ولكن زخم إدراجات شركات التكنولوجيا في "بورصة أمستردام" يجعل الوضع مختلفاً، حيث أصبحت شركات تصنيع أشباه الموصلات مثل "إيه إس إم إل" و"إيه إس إم" و" إيه إس إم إنترناشيونال" و"بي سيمي كوندكتور إنداستريز" تهيمن على البورصة الهولندية.
ملكة الإدراجات
شهد السوق زخماً كبيراً فيما يخص الإدراجات الجديدة. حيث استقبلت أمستردام 20 طرحاً أولياً في عام 2021، وجمعت الشركات 10.4 مليار يورو، جاءت ثلثها من شركات "الشيك على بياض" لتسجل البورصة بذلك أعلى معدل لها على الإطلاق وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، ما يشير لتفوق المدينة الهولندية على لندن التي فشلت في الحصول على موطئ قدم في سوق إدراجات هذا النوع من الشركات رغم إصلاح قواعدها لجذب مثل هذه الصفقات.
شركات "الشيك على بياض" تجد ضالّتها في أوروبا وبشروط أفضل
قال جيسون بالترويتز، المدير في منصة التداول "أو تي سي ماركيتس" ومقرها الولايات المتحدة والتي تمثل بوابة المصدرين الدوليين للأسواق الأمريكية: "تعد أمستردام نموذجاً فعلياً لمركز التكنولوجيا المالية حيث تتدفق إليها شركات جديدة ومثيرة".
يرى البعض تفوق أمستردام على لندن هذا العام والاستحواذ على الصدارة كمركزٍ لتداول الأسهم على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي أنه أحد أكبر التغيرات التي شهدتها الصناعة في عام 2021. ولكن يراها الأخرون مجرد عودة للتداول في الأسهم الأوروبية لمكانها الصحيح بعد "البريكست".
يقول باناغيوتيس أسماكوبولوس، رئيس الأبحاث في منتدى "نيو فاينانشيال" في العاصمة لندن، إنه قبل العام الجاري كان أكثر من ثلث عمليات التداول على الأسهم الأوروبية تتم في بريطانيا، وقد انتقل كل هذا تقريباً إلى القارة الأوروبية وكانت "أمستردام" الرابح الأكبر بفضل ارتفاع جودة خدماتها وتوجهها الليبرالي والإطار التنظيمي الجيد الذي يضاهي السوق في بريطانيا وكذلك الاستخدام الواسع للغة الإنجليزية.
قال نائب عمدة أمستردام فيكتور إيفرهاردت: "لا نركز على جذب الاستثمار الأجنبي في تداول الأسهم لكننا نرحب بهذه الشركات ونيسر لها الإجراءات عندما تقترب منا".
مركز مالي مهم
من المؤكد أن المدينة الهولندية لم تصبح وول ستريت، لكنها تتميز بالعديد من المزايا الأخرى بسبب كثرة راكبي الدراجات الهوائية والقنوات المائية الخلابة والمقاهي الشهيرة التي تبيع الحشيش إضافة إلى وجود سقف صارم للمكافآت.
ويفسر ذلك جزئياً انتقال بعض أجزاء أخرى من الصناعة المالية مثل الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى مراكز مالية مثل باريس وفرانكفورت ودبلن ولوكسمبورغ بعد "البريكست".
كذلك كان للوباء تأثير قوي على الصناعة. حيث يقول بوغنا من "يورونكست"، إن الأيام التي سبقت كوفيد-19 "كان هناك شيء سحري وفريد وخاص في وجود المحامين والتجار والمصرفيين – بيئة تشغيلية متكاملة- في مكان واحد حيث يتبادل الناس الكثير من المعلومات ثم يلتقون في الحانة بعد ساعات التداول، والآن قد انتهى مفهوم المدينة الواحدة باعتبارها المركز المالي الوحيد في أوروبا".
وأشار إلى أن أمستردام قد أصبحت بوابة رئيسية للسيولة الهائلة في أوروبا وقد لا تفتقد "شل" الأمريكية لفترة طويلة.