يخضع إصرار البنك المركزي الأوروبي، على تبني فرضية أن أسعار المستهلكين المرتفعة لن تستمر، للاختبار عدة مرات، بينما يهدد التضخم حالياً بفرض نفسه على أجندة اجتماع مقرر انعقاده خلال أسبوعين لتعديل الحوافز المرتبطة بالوباء.
كان الهدف من إطلاق الحوافز هو تسهيل المسار بعيداً عن الشراء الطاريء للسندات، وطمأنة المستثمرين في نفس الوقت بأن الدعم لن يتم إزالته فجأة. بدلاً من ذلك، قد تجد رئيسة البنك، كريستين لاغارد، أن التركيز قد تحول إلى التوقيت الذي قد يقوم فيه "المركزي الأوروبي" بتشديد السياسة النقدية، في الوقت الذي تشير فيه البنوك المركزية الرئيسية الأخرى إلى أنها تحتاج للتحرك للحد من التضخم.
أصرت "لاغارد" وزملاؤها على أن الأسعار المرتفعة مدفوعة بعوامل مؤقتة ستتلاشى قريباً مثل تكاليف الطاقة. على النقيض، تبنى رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، تحولاً متشدداً يوم الثلاثاء الماضي، مشيراً إلى أن كلمة "مؤقت" لن تستخدم بعد الآن لوصف ما يحدث.
قبل ذلك بساعات، تجاوز التضخم في منطقة اليورو كل التوقعات ووصل إلى 4.9%، وأيضاً سجل التضخم الأساسي الذي يستثني المكونات المتقلبة أعلى مستوى على الإطلاق في عصر العملة الموحدة، وفي نفس الوقت، يُغذي "أوميكرون" المتحول من فيروس كورونا، المخاوف بشأن المزيد من عقبات التوريد التي ترفع الأسعار أكثر، حتى قبل أن يحدد العلماء مخاطره الصحية.
وقال ستين جاكوبسن، مدير الاستثمار في "ساكسو بنك": "يخضع إصرار لاغارد على أن التضخم ظاهرة مؤقتة لضغوط حادة.. وتتصاعد الضغوط السياسية على المركزي الأوروبي للتحرك".
يظهر هذا الضغط بالكامل في ألمانيا، أكبر وأكثر اقتصاد معادٍ للتضخم تقريباً، حيث يتجاوز نمو الأسعار منطقة اليورو. وقال المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، لتلفزيون "بيلد" في مقابلة، إذا لم يهدأ الأمر كما هو متوقع، "يتعين علينا القيام بشيء ما"، دون تحديد أي إجراء قد ينتج.
تشديد السياسة
في أعقاب بيانات الأسعار الأسبوع الجاري، رفعت أسواق المال رهانها على تشديد المركزي الأوروبي للسياسة النقدية، وتنبأت برفع الفائدة على الودائع بمقدار 10 نقاط أساس بنهاية 2022، مقارنة بـ5 نقاط أساس يوم الاثنين الماضي.
ورغم أن "المركزي الأوروبي" يقر بأن التضخم سيستغرق وقتاً أطول من المتوقع في البداية للتراجع دون المستوى المستهدف عند 2%، إلا أنه يرى أنه لا حاجة لأي تحرك في الوقت الحالي، ويؤكد أن أوروبا في وضع مختلف عن الولايات المتحدة.
قال عضو المجلس التنفيذي للمركزي الأوروبي، فابيو بانيتا، في خطاب ألقاه مؤخراً إن حوالي أربعة أخماس ضغوط الأسعار في المنطقة تعكس صدمات متولدة في الخارج، وذكر أن الإنفاق على الخدمات لا يزال أقل بكثير من مستويات ما قبل الأزمة، ولا يظهر استهلاك السلع المعمرة "شيئاً مماثلاً للطفرة" التي شهدتها الولايات المتحدة، كما أن التضخم الأساسي أقل بكثير.
قال أناتولي أنينكوف، الخبير الاقتصادي في "سوسيتيه جنرال" في لندن: "يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن ينتظر وقتاً أطول بكثير من الاحتياطي الفيدرالي، للتأكد أننا نسير في نفس الاتجاه.. وعندما نرى التضخم يتسارع بشكل أكثر استدامة - مع وجود دليل حقيقي على ضغوط الأجور - فهذا هو الوقت الذي يتعين فيه على البنك المركزي الأوروبي أن يبدأ القلق".
لا تعطي جولات المساومة الأخيرة بشأن الأجور أي سبب خاص للقلق، حيث فازت ثاني أكبر نقابة في ألمانيا بزيادة نسبتها 2.8% الأسبوع الجاري في صفقة تنعكس على حوالي 3.5 مليون شخص.
عدم اليقين
فعلياً، يتعين على مسؤولي البنوك المركزية أن يتمالكوا أعصابهم، بينما يراقبون تباطؤ التعافي الاقتصادي العالمي، ويشاهدون نوبة أقوى وأطول من التضخم المرتفع تلقي بظلالها على الآفاق، حسبما قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير أمس الأربعاء.
مع ذلك، قد يفرض "أوميكرون" أكبر حالة عدم يقين، حيث إن هناك مخاوف من أنه سيدفع المستهلكين أكثر نحو مشتريات البضائع وبعيداً عن الخدمات، ما قد يزيد عقبات التوريد سوءاً ويرفع الأسعار.
وقال نائب "لاغارد"، لويس دي غويندوس، لصحيفة "ليزيكو" الفرنسية في مقابلة نشرت الثلاثاء: "هناك خطورة في ألّا ينخفض التضخم بالسرعة التي توقعناها".
قبل أسبوع، وقبل اكتشاف السلالة الجديدة التي هزت الأسواق العالمية، أشارت زميلته في المجلس التنفيذي، إيزابيل شنابل، إلى أن توقعات الأسعار آخذة في التحوّل، ووصفت المخاطر بأنها "تميل إلى الاتجاه الصعودي".
وقبل فهم المخاطر الصحية لـ"أوميكرون" بالكامل، فإن التحوّل في موقف "باول" أثناء شهادته أمام الكونغرس هو أكثر ما سيضع "المركزي الأوروبي" على الأرجح في دائرة الضوء.
وفي اجتماعه ديسمبر الجاري، من المقرر أن يحدد صناع السياسة المسار المستقبلي لمشتريات السندات، بعد النهاية المحددة لبرنامج الوباء في مارس، وهذا القرار كان ينظر إليه على أنه صعب ومثير للجدل حتى قبل أحدث التطورات.
وإذا كان التضخم قوي بما يكفي لتغيير رأي أقوى بنك مركزي في العالم، فقد يتوقع المستثمرون من البنك المركزي الأوروبي أن يحذو حذوه، وربما تكون مهمة "لاغارد"، التي عانت للتخلص من رهانات السوق على رفع للفائدة في 2022، قد أصبحت أكثر صعوبة لتوها.