يراهن تجار النفط على أن أسعار النفط الخام طويلة الأجل قد ترتفع بسبب نقص الاستثمار في الإمدادات المستقبلية.
منذ بلغت أعلى مستوياتها العام الماضي، انخفضت أكثر العقود الآجلة للنفط نشاطاً بنسبة 5% تقريباً. بالمقارنة، بالكاد تحركت تلك الخاصة بأواخر 2022 و2023، حيث بقيت أعلى من 70 دولاراً للبرميل.
يُشار إلى أن العقود القريبة قد تقلقلت بسبب الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتعزيز العرض، واحتمال حدوث رد فعل عنيف من "أوبك +"، فيما تتعزّز العقود اللاحقة نتيجة تضاؤل الاستثمار في الإنتاج وندرة المنتجين، الذين يبيعون العقود الآجلة المؤجلة للحفاظ على مبيعاتهم المستقبلية.
"أوبك": الإفراج عن احتياطيات النفط الإستراتيجية يضخم الفائض عالمياً
انحرف السوق خلال معظم الشهرين الماضيين باتجاه نقطة التباين الفائق بين السعر الحالي المرتفع والمستقبلي الأدنى، حيث تتحدث الصناعة عن منحنى شديد الانحدار يؤشر إلى نقص العرض. لكن في الأسابيع الأخيرة، كان هناك تحول أدى لتسوية هذا الهيكل، حيث يراهن المتداولون على أن الطلب القوي وانخفاض الاستثمارات في العرض الجديد سيبقي السوق أكثر ضيقاً لفترة أطول.
أعلى مما تتوقعون
قال مروان يونس، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "مسار كابيتال مانجمنت" (Massar Capital Management)، التي تدير نحو 970 مليون دولار في أسواق السلع والأسواق الكلية: "أعتقد أن أسعار النفط المستقبلية ستتجاوز الأسعار الفورية... حيث يمكن للعالم أن يزيل الكربون، إلا أن إغلاق مصادر النفط أسهل من تقليص الطلب. ستشهدون ارتفاع الأسعار بأعلى مما تتوقعون، إذا كان لديكم تحوط عادي للمنتجين".
بنقديته الوفيرة.. الأمير السعودي يصد بايدن ويرسل رسالة
تعبر هذه الآراء عن تعليقات مسؤولين في بعض أكبر البنوك، ودور تداول السلع في العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية.
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن في تلك الفترة ينسق الجهود العالمية للإفراج عن احتياطيات النفط الإستراتيجية، وهو ما حدث أخيراً الثلاثاء. ينتظر السوق الآن ليرى ماذا ستفعل أوبك وحلفاؤها رداً على ذلك، حين يجتمعون مطلع الشهر المقبل؟.
قال مايكل تران، المحلل في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets): "ما يزال معظم المشاركين في السوق الذين تحدثنا إليهم يميلون لأن يكونوا بناءين... على مدى الأسابيع العديدة الماضية بدا أن العديد ممن لم يرغبوا بالانشغال بتجاذبات بايدن السياسية يبتعدون عن المخاطر، ويخصصون المزيد من المخاطر على المدى الطويل".
100 دولار للبرميل
يظهر التباطؤ في الإنفاق في أرقام الصناعة. حيث انخفض عدد منصات التنقيب عن النفط والغاز عبر العالم بنحو 30% عما كان عليه قبل انتشار الفيروس. فيما عاد الطلب أخيراً لمستويات ما قبل الجائحة، وفقاً لمجموعة "فيتول"، مع العديد من المتداولين الرئيسيين الآخرين، الذين وضعوا الطلب في ملعب مماثل.
قالت مجموعة "ترافيغورا" (Trafigura)، إحدى أكبر شركات تجارة السلع الأساسية في العالم، إن الأسعار لشهري ديسمبر 2022 و2023 ما تزال رخيصة، حيث تبلغ نحو 70 دولاراً للبرميل، في حين أنها قد تصل إلى 100 دولار.
هل ينجح احتياطي النفط الإستراتيجي الأمريكي في خفض الأسعار؟
تعتبر الأسعار المستقبلية مهمة، لأنها تؤثر على وتيرة الإنفاق على العرض المستقبلي.
خطط أوبك
مع ذلك، فإن من الخطر الانجرار وراء نظريات نقص العرض التي تلوح في الأفق، وهي مصدر قلق في السوق طال أمده منذ عدة سنوات.
من المحتمل أن تقرر أوبك وحلفاؤها مع تباطؤ نمو الطلب، ومع نهاية العقد محاولة ضخ مزيد من النفط في وقت أقرب لتحقيق أقصى استفادة من مواردهم، بينما ما يزال الطلب قوياً، وفقاً لقول غريغ شيرناو، وهو مدير محفظة يركز على الطاقة والسلع في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management).
أوضح شيرناو بقوله: "إذا كنت في عالم يشهد تباطؤاً في نمو الطلب، خاصة بالنسبة للنفط الخام المكرر، فإن الافتراض بأن أعضاء (أوبك +) لا يعيدون النظر في كيفية تعاملهم مع احتياطياتهم، هو افتراض قد يشهد تعديلات في الوقت المناسب... نظراً لأن الاستثمار في الأصول طويلة الأمد يصبح أكثر تعقيداً، فمن المحتمل أن يكون السعر صعودياً"، حيث يصعب تقييم مخاطر الاستثمار في الأصول على المدى الطويل.
أثر التحوطات
يتعلّق الاتجاه الصعودي أيضاً بنشاط التحوط، أو عدم وجوده، لدى الشركات التي تضخ النفط.
سعى المنتجون مع بدء ارتفاع أسعار النفط الخام بنسبة 60% هذا العام بشكل مطّرد على تقليص دفاتر التحوط الخاصة بهم، ما يضمن تعرضهم للمدى الكامل لارتفاع السوق، بينما يعرضون أنفسهم أيضاً للخطر في حال انخفاضه.
أعلنت شركة "بايونير ناتشورال ريسورسز" (Pioneer Natural Resources) أنها لن تضيف أي تحوطات في المستقبل المنظور، بينما قالت شركة "كونتيننتال ريسورسز" (Continental Resources) أيضاً إنها غير محمية إلى حد كبير. وهو زخم لا يقتصر فقط على رقعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث قالت شركة "نبتون إنيرجي" (Neptune Energy) المنتجة في بحر الشمال إنها تحد من تحوطاتها أيضاً.
بعد الإفراج عن الاحتياطي.. أفضلية لأسعار النفط الأمريكي على خامات "أوبك+" في آسيا
الجدير بالذكر أن هذا يترك التجار يواجهون ضغوط بيع أقل عند شراء الجزء الخلفي من منحنى النفط، مقارنة بتقلبات الأسعار المدفوعة بالسياسة التي هيمنت على الأسعار الرئيسية منذ أواخر أكتوبر.
وكتب محللو "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) بمن فيهم، أمريتا سين، في تقرير لهم: "ستؤدي الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لخفض أسعار النفط الخام في المدى القصير، مع بقاء كل شيء على قدم المساواة، لارتفاع الأسعار العام المقبل. في حين أن الأسعار الفورية قد تكون متقلبة، فمن المرجح أن يتحرك الجزء الخلفي للمنحنى نحو الصعود عند الحاجة لإعادة ملء المخزونات".