دفع الارتفاع الكبير الذي سجّله التضخم في الولايات المتحدة، عديداً من شركات "وول ستريت" الكبرى إلى إعادة التفكير بشأن تغيير استراتيجياتها التي اعتمدت على السندات بديلاً في حالة تراجع الأسهم.
توقعت "باسيفيك لإدارة الأصول" (Pacific Investment Management)، عملاق الاستثمار في السندات، استمرار ضغوط الأسعار، التي اعتبرت في وقت سابق من العام أن التضخم "مزيف". كما توقعت "بلاك روك" (BlackRock) و"دبل لاين كابيتال" (DoubleLine Capital) رفع "الاحتياطي الفيدرالي" الفائدة العام المقبل بدلاً من عام 2023.
اقرأ أيضاً: تجاذبات رفع سقف الديون تنتج عرضاً غريباً لسندات الخزانة
أظهرت بيانات شهر أكتوبر ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي بنسبة 6.2% على أساس سنوي، أي أعلى من التوقعات، مسجلاً أسرع وتيرة ارتفاع على مدى 30 عاماً. وأكدت البيانات أن التضخم يمثل أحد أكثر المخاطر لعام 2021، وقد زاد من القلق انتهاء 5 سنوات من النمو المطرد والفائدة المنخفضة.
قال ألبرتو غالو، رئيس الائتمان في"ألجيبريس" (Algebris)، ومقرها لندن: "الجزء الخيالي في القصة القصيرة ينتهي".
اقرأ المزيد: أول خفض في بيع سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل منذ 2016
استطلعت "بلومبرغ" آراء كبار مديري الاستثمار بشأن طريقة التكيف مع فترة ارتفاع التضخم. وفي ما يلي تعليقاتهم:
نيكولا ماي.. محلل الائتمان السيادي في "بيمكو":
أرى أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن التضخم، وأتوقع انخفاض معدل التضخم ليقترب من أهداف البنك المركزي العام المقبل.
تأكد ارتفاع التضخم بشكل أكبر وأكثر استمراراً مما توقعنا نحن ومعظم المشاركين في السوق وباقي المحللين في بداية العام، لكننا ما زلنا نتوقع تباطؤاً كبيراً في الأرباع القادمة لعودة الارتفاعات، استجابةً للاختناقات في العرض، كما نتوقع زيادة وتيرة العودة إلى سوق العمل مع الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي.
اقرأ أيضاً: "مورغان ستانلي": التضخم يشكّل خطراً كبيراً على سندات الدرجة الاستثمارية
في الوقت الذي تزداد فيه حالة عدم اليقين بشأن التضخم، نتوقع احتواء تأثير ارتفاع الأجور على مستويات الأسعار، فيما ترتبط توقعات التضخم على المدى الطويل بمدى مصداقية البنوك المركزية التي اكتسبتها على مدار العقود القليلة الماضية. وبعد الدعم القوي الذي أظهرته الحكومة خلال الأزمة، يتعين عليها تشديد السياسة المالية في الأسواق المتقدمة بداية من العام المقبل، بهدف الحد من زخم الطلب بقيادة الحكومة.
إيلغا بارتش.. رئيسة قسم أبحاث الاقتصاد الكلّي في "بلاك روك":
نتوقع أن يتّخذ "الاحتياطي الفيدرالي" مساراً بطيئاً لرفع الفائدة، إذ نفضّل الأسهم والسندات المحمية من التضخم في الأسواق المتقدمة.
أغلب ارتفاعات التضخم الأخيرة يرجع إلى صدمات العرض الاستثنائية للغاية، والمرتبطة بعودة النشاط الاقتصادي بعد الوباء. وستُعالَج تلك الاختلالات تدريجياً خلال العام المقبل. لكن التضخم سيستقر عند معدلات أعلى من مستويات ما قبل كوفيد ومستهدف "الاحتياطي الفيدرالي" البالغة نسبته 2%، إذ نتوقع أن السياسة النقدية الجديدة للاحتياطي الفيدرالي ستدفعه للاستجابة بدرجة أقل لارتفاع التضخم مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك.
أتوقع أن يبدأ "الاحتياطي الفيدرالي" رفع الفائدة العام المقبل، لكن دورة التشديد النقدي الشاملة ستكون بوتيرة أقل قوة وسرعة عما كانت عليه في الماضي، وأقل أيضاً مما يعكسه تسعير السوق. نحن نفضل الأسهم في الأسواق المتقدمة على الدخل الثابت. ويدفعنا ارتفاع التضخم على المدى المتوسط إلى اتباع استراتيجية نخفّض فيها الوزن النسبي للسندات الحكومية الاسمية، ونزيد السندات المرتبطة بالتضخم.
غريغ وايتلي.. رئيس تداولات الخزانة في "دبل لاين":
نتوقع رفع "الاحتياطي الفيدرالي" الفائدة في 2022 بدلاً من 2023 بفارق مدة قصيرة مقارنة بالمتوسط القياسي للتوقعات.
نحن قلقون بشأن التضخم. قد تكون توقعات "بلومبرغ" للتضخم مرتفعة، لكننا نتوقع انخفاض التضخم العام المقبل. وفي حالة حدوث ذلك سيطمئن "الاحتياطي الفيدرالي" للاستمرار في سياسته النقدية. ولكن ليس من المؤكد أن نشهد ذلك الانخفاض العام المقبل، فالفترة قصيرة والأسعار قد تتحرك لأعلى من مستوياتها الحالية. لذلك لا نفضل شراء السندات المحمية من التضخم في الوقت الحالي، لأن أسعارها الحالية تبدو مناسبة مع توقعات هدوء وتيرة التضخم.
ألبرتو غالو.. شريك ومدير محفظة في "ألجيبريس":
أتوقع استقرار التضخم "هيكلياً" أعلى من مستهدف "الاحتياطي الفيدرالي" ومعدلات الفائدة قصيرة الأجل في الأسواق الناشئة وبريطانيا.
الجزء الخيالي في القصة القصيرة على وشك الانتهاء، والآن هو الوقت المناسب للتوقف عن التعرض لمراكز قصيرة الأجل والبيع على المكشوف. وبافتراض أن البنوك المركزية ستكون دائماً موجودة لدعم السوق، تبقى أسعار الائتمان الحالية مناسبة تقريباً، ولكن ذلك التوقع يعتمد على أن التضخم مؤقت.
في الوقت الذي تمثل فيه مخاطر الائتمان المحرك الرئيسي لعائدات السندات من الفئة غير الاستثمارية، فإنها سوف تتضرر من ارتفاع الفائدة نتيجة زيادة تكلفة إعادة التمويل. ويزيد ذلك الضرر ارتفاع أسعار العمالة والسلع. لدينا بعض المراكز الاستثمارية قصيرة الأجل في الأسواق الناشئة وبريطانيا، إذ تتعرض العوائد المرتفعة في الولايات المتحدة للخطر مع اضطرار "الاحتياطي الفيدرالي" إلى تسريع وتيرة التشديد النقدي، إذ لا يزال طلب المستهلكين قوياً.
فيكتوريا فرنانديز.. كبيرة استراتيجيي السوق في "كروسمارك غلوبال إنفستمنتس":
نتوقع ثبات الأجور والإيجارات، وسنخفض الوزن النسبي لبعض شركات التكنولوجيا الكبرى في محافظنا مع ارتفاع أسعار الأسهم.
نرى أن الأجور والإيجارات ستحافظ على مستوياتها بدعم من ارتفاع التضخم الذي سيدفعها إلى الارتفاع، خصوصاً في ظل المعاناة من نقص اليد العاملة. كما نتوقع ارتفاع أسعار الإيجارات عقب ارتفاع أسعار المساكن.
نركز في محافظنا للدخل الثابت على شراء السندات ذات الأجل القصير بالنسبة إلى معيارنا القياسي، وإذا استمرت توقعات التضخم في الارتفاع فقد نشهد ارتفاعاً في السندات طويلة الأجل. وعلى صعيد الأسهم، خفضنا تعرضنا لبعض شركات النمو التكنولوجي الكبرى، وفي المقابل زذنا استثماراتنا بشكل أكبر في بعض الشركات ذات القيمة المرتبطة بالدورات الاقتصادية.
ستيفن جين.. الرئيس التنفيذي لشركة "يوريزون إس إل جيه كابيتال":
ترجع ارتفاعات التضخم إلى عوامل استثنائية، وزيادة الاستثمار في الأصول تمثل تحوطاً جيداً.
توقف الذهب عن الارتفاع رغم ارتفاع التضخم، ما يشير إلى أن التضخم ليس مؤقتاً وغير حقيقي. أما الأصول الأخرى وخصوصاً العملات المشفرة فلا تزال تشهد زخماً، ما يشير إلى أن بعض المستثمرين يزيد من استثماره فيها بدلاً من الذهب باعتبارها أداة للتحوط ضد التحركات غير المحسوبة للبنوك المركزية. كذلك العقارات، تمثل تحوطاً جيداً في ظل بيئة الفائدة المنخفضة واحتمال تحويل المستثمرين استثماراتهم عن الأسهم والسندات.
ارتفاع التضخم مؤقت، لكنه ليس عابراً للغاية، لأن أسباب الارتفاع لن تستمر لأجل غير مسمى. ولذلك فإنّ ما تفعله البنوك المركزية، وليس التشديد بقوة في هذه المرحلة من الانتعاش، سيكون قراراً صحيحاً. لكن في حالة تحوّل التضخم إلى طبيعة تلقائية، إذ ترتبط الأجور بالتضخم الكلي، ستكون البنوك المركزية قد ارتكبت خطأً في سياستها النقدية بالتسامح مع ذلك الارتفاع المفاجئ، وفي هذه المرحلة نتوقع ألا يستمر التضخم على المدى الطويل.
جون بيلتون.. رئيس الاستراتيجية العالمية متعددة الأصول في "جيه بي مورغان لإدارة الأصول":
نتوقع نمواً اقتصادياً سريعاً، وزيادة الطلب على العرض، ما يدفع استمرار ارتفاع التضخم. ونفضل زيادة الوزن النسبي للأسهم في محافظنا.
نتوقع تراجع حدة بعض مشكلات سلسلة التوريد الأخيرة خلال الربعين المقبلين، كما نتوقع بشكل منفصل فرض بعض القيود على الأجور مع تحسن مشاركة القوى العاملة في سوق العمل. وبالتأكيد سيكون هناك بعض المخاطر، إذ من المرجح أن يستمر التضخم في بعض السلع الأساسية وبعض فئات الخدمات الأخرى.
نتوقع تراجع التضخم بوتيرة أسرع في عام 2022 من توقعات السوق الحالية، ما يسمح لمجلس "الاحتياطي الفيدرالي" بالانتظار لتحقيق هدفه الأقصى للتوظيف. وبشكل أشمل على مستوى العالم، نرى أن السياسة النقدية تجاوزت الحد الأقصى من التحفيز، مع اقتراب رفع الفائدة في عديد من الأماكن، ولكن من المحتمل أن تكون عمليات رفع الفائدة لبعض الوقت في المستقبل. ولا نزال نفضل المخاطرة وزيادة وزن الأسهم في محافظنا وخفض وزن السندات.