أدى السقوط الحر لليرة التركية لتحطيم جميع أنواع الأرقام القياسية، حيث أدت حملة الرئيس رجب طيب أردوغان المكثفة من أجل خفض أسعار الفائدة لإغراق البلاد في أزمة أعمق.
هبطت العملة التركية 15% إلى 13.4539 ليرة مقابل الدولار قبل تقليصها للخسائر. تعد سلسلة خسائر الليرة التي استمرت 11 يوماً هي الأطول منذ 20 عاماً، حيث فقدت ما يقرب من ثلث قيمتها منذ بداية نوفمبر فقط.
جاءت عمليات بيع الليرة في الآونة الأخيرة بعد أن دافع أردوغان عن مطالبه بتخفيض تكاليف الاقتراض التي أدت لارتفاع الأسعار وإحباط المستثمرين، ويشتكون من أن السياسة النقدية أصبحت غير عقلانية بشكل متزايد، ولا يمكن التنبؤ بها في دولة يتزايد فيها نفوذ الرئيس.
في حين تتحدث معظم البنوك المركزية عن تشديد السياسة النقدية لأن التعافي الاقتصادي عالمياً يغذي التضخم، خفضت تركيا الفائدة 4% منذ سبتمبر.
قالت إيما سماني، محللة سوق العملات الأجنبية في "مونكس أوروبا" (Monex Europe): "بالنسبة للمستثمرين، فإن تعليقات أردوغان تعني أمراً واحداً: لن يقف بجوارهم أحد حين يستمر التضخم بالتأثير على أصولهم... يمكن النظر لتعليقات أردوغان إلى حد كبير على أنها تخلٍ عن توخي الحذر وإشارة للأسواق أن دورة التيسير من غير المرجح أن تنتهي في أي وقت قريباً".
انتقادات واسعة
دافع أردوغان مساء الاثنين عن الإجراءات التي قوبلت بانتقادات شبه عالمية من اقتصاديين وحتى من المطلعين على بواطن الأمور، قائلاً إنها جزء من تحول طويل الأجل يعطي الأولوية للصادرات وخلق فرص العمل.
ينشغل أردوغان، الذي وصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق قبل انتخابات 2023، كثيراً بشؤون البنك المركزي.
أقال أردوغان المحافظين الذين فشلوا في الاستجابة لضغطه، ولجأ إلى الدين الإسلامي لتبرير خفض معدلات الفائدة، وسخر من "الاقتصاديين التابعين"، الذين يشككون في أقواله غير التقليدية بأن تكاليف الاقتراض المرتفعة هي سبب التضخم ولا تكبح ارتفاع الأسعار.
قال كريم روتا رئيس قسم السياسة الاقتصادية في حزب "المستقبل" المعارض، منتقداً سياسات أردوغان الاقتصادية: "كأنهم وضعوا طفلاً مسؤولاً عن محطة للطاقة النووية".
قال روتا، وهو مصرفي سابق في حديثه على قناة (Halk TV) المعارضة، إن ملايين الأتراك الذين يكسبون دخلهم بالليرة سيخسرون مع هذه السياسة.
رفع سعر الفائدة
دفع تراجع الليرة المؤسسات، بما فيها "سوسيتيه جنرال" و"غولدمان ساكس" للتنبؤ برفع أسعار الفائدة على الليرة في النصف الأول من 2022، رغم أن البعض يقول إن الأمر لن يحدث بهذه السرعة.
دفع إصرار أردوغان على خفض تكاليف الاقتراض تركيا إلى تجربة جديدة، حيث يتساءل العديد من المحللين عما إذا كانت التداعيات ستؤثر بشأن قبضته على السلطة.
يؤدي الانخفاض السريع في قيمة العملة لزيادة تكلفة السلع للمواطنين العاديين، حيث تضررت بشدة شعبية أردوغان بين قاعدته من الطبقة العمالية، ويشكل مخاطر على القطاع المصرفي.
وصف زعيم المعارضة التركية كمال كيليجدار أوغلو، الذي فاز حزبه بالسيطرة على إسطنبول وأنقرة بالانتخابات المحلية في 2019، أردوغان الثلاثاء بأنه "قضية أمن قومي أساسية لجمهورية تركيا... لقد حولتم الليرة التركية إلى عملة فاقدة للمصداقية... لقد عرضتم استقلالنا الاقتصادي للبيع".
لجأ أردوغان الأسبوع الماضي لتحريم الإسلام للربا في رده على النقاد القلقين من أن دورة التيسير ستؤدي لتفاقم التضخم، الذي اقترب من 20% في أكتوبر.
العائد على السندات
انخفضت السندات التركية بأكبر قدر بين الديون السيادية المقومة بالدولار بالأسواق الناشئة اليوم. قفز العائد على سندات تركيا الدولارية المستحقة في أبريل 2043 إلى 7.12%، أعلى مستوى منذ نهاية مارس.
كما قفزت سندات مصرف "أكبانك" (Akbank) المستحقة في يونيو 2031 إلى 7.98%، وهي أعلى نسبة منذ بيعها في يونيو.
شهدت السندات الدولارية لشركة الطيران التركية منخفضة التكاليف "بيغاسوس" (Pegasus Hava Tasimaciligi) المستحقة في أبريل 2026 أكبر انخفاض لها على الإطلاق.
كانت آخر مرة شهدت فيها الليرة سلسلة خسائر لفترة طويلة في 2001، عندما كانت البلاد تعاني من موجة التضخم المفرط والديون المتزايدة التي دفعت في النهاية بحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى مقاليد السلطة.
كتب جيسون توفي، كبير الاقتصاديين بقسم الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس" بلندن، من المؤكد أن البنوك التركية لديها احتياطيات رأسمالية كبيرة ينبغي أن تساعد في عزلها أو حمايتها عن تأثيرات ضعف سعر صرف العملة.
كما أدى انهيار الليرة لارتفاع أسواق الأسهم وقطاع العقارات وعزز صادرات البلاد.
قفز المؤشر الرئيسي لبورصة إسطنبول، بنسبة 1.7%، مواصلاً مكاسبه لليوم الخامس، حيث قام المستثمرون بتوجيه الأموال إلى الأسهم بدلاً من شراء العملات الأجنبية باهظة الثمن.