خلقت أزمة سوق العقارات في الصين، صعوبة أمام الحكومات المحلية للقيام بتخفيض ما يبلغ نحو 6 تريليونات دولار من الديون المخفية، على الرغم من أنَّ بكين أبدت تصميماً أكبر على شنِّ حملة إجراءات تنظيمية صارمة في مواجهة هذه المعضلة.
اقرأ أيضاً: مطوِّرو عقارات صينيون يتخبطون لجمع ملياري دولار يومياً
تعتزم كلٌّ من بكين وشنغهاي ومقاطعة غوانغدونغ، القيام بتجارب إلغاء الاستدانة من خارج الميزانية العمومية، وهو الإجراء المسموح به من قبل السلطات المحلية من أجل استخدامه في جمع تمويل لعمليات الإنفاق. وبرغم غياب التفاصيل؛ إلا أنَّه من المحتمل أن يجري طرح البرامج التجريبية أخيراً داخل ما يزيد على 31 منطقة أخرى من البلاد.
اقرأ أيضاً: تفاقم أزمات الإسكان في الصين مع هبوط الأسعار وركود المبيعات
أصبحت الحكومة المركزية تتمتع بجدية أكبر على صعيد التصدي للمخاطر المالية ذات الصلة بالديون، التي قامت على أنَّها مسألة "أمن قومي" خلال وقت مبكر من العام الجاري. يتعين على المسؤولين إحداث حالة من التوازن بين توجيه حملة لإصلاح هذه المعضلة، وجهود الحماية من خروج حالات التخلف عن سداد السندات التي بلغت مستوى قياسياً، وخروج تباطؤ الاقتصاد عن السيطرة.
يزيد من صعوبة الأمر وجود حالة تراجع في السوق العقارية؛ فقد هبطت مبيعات الأراضي، التي تشكِّل ما يصل إلى 40% من العوائد الخاصة بالحكومات المحلية، منذ شهر أغسطس الماضي، وهو ما أدى إلى خلق ضغوط على المالية العامة. وأطلقت وكالة "موديز إنفيستورز سيرفيس" تحذيرات من وجود احتمال حدوث تراجع في دخل مبيعات الأراضي، ومن الممكن أن تتحمل الحكومات المحلية عبء ديون أكثر، وليست أقل، بهدف تمويل مشروعات البنية التحتية.
اقرأ المزيد: الصين تسمح للشركات العقارية باستئناف إصدار الأوراق المدعومة بالأصول
فيما يلي استعراض للتحديات التي يقول خبراء اقتصاد على صلة بالحكومة، إنَّها تعترض جهودها لاستئصال الديون.
ما هو الدين الخفي؟
شرعت الحكومات المحلية، في ظل وجود ضغط لدعم النمو بعد الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008، في عمليات اقتراض لتمويل مشروعات البنية التحتية، في إطار حزمة التحفيز المالي في الصين بقيمة 4 تريليونات يوان (626 مليار دولار).
قبل صدور التشريع الجديد الخاص بالموازنة خلال عام 2015؛ لم يسمح للمسؤولين على مستوى المناطق بالاستدانة بطريقة مباشرة. عوضاً عن ذلك؛ حثتهم بكين على استخدام الشركات المملوكة للدولة التي يطلق عليها حالياً آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية (LGFVs)، للحصول على التمويل عبر قروض مصرفية، قبل السماح بإصدار سندات في وقت لاحق.
لا تكشف الميزانيات العمومية للحكومات المحلية عن تلك الديون، بيد أنَّه يجري تحميلها ضمان السداد بشكل ضمني من خلال المال العام. تمتلك البنوك المحلية غالبية الديون. ولذلك، أسفر تصاعدها على مدى سنوات عن وجود مخاطر أخلاقية، ومخاطر تتعلق بالنظام المالي.
يعدّ الدين الخفي إلى حدٍّ ما رمزاً لنموذج الصين القديم للنمو، الذي يقوم بطريقة واسعة على الاستثمار والتوسع المدفوع بالدين في المناطق الحضرية.
إلى أي مدى تعتبر هذه المعضلة كبيرة الحجم؟
على وجه التحديد، ينجم الكثير من هذه المعضلة عن حقيقة عدم وجود أسلوب للتثبت تماماً من قيمة الديون المتراكمة لدى الحكومات المحلية.
يضع صندوق النقد الدولي تقديراً لديون آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية يصل إلى 39 تريليون يوان (ما يعادل 6 تريليونات دولار) في عام 2020، في حين يقدّر "غولدمان ساكس" أنَّ قيمتها تصل إلى 53 تريليون يوان. باستعمال تعريف أقل اتساعاً؛ يبلغ حجم الدين بحسب تقديرات المؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية التابعة للدولة 15 تريليون يوان.
تتزايد صعوبة معضلة الديون في ظل التراجع الحاصل في قطاع العقارات. من جهة ثانية؛ أصبحت سندات آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية تتمتع بشعبية بين المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن، من خلال الأصول المدعومة من قبل الدولة في أعقاب هبوط سندات شركات التطوير العقاري المملوكة للقطاع الخاص. وعلى الجانب الآخر؛ تضمّ عدة آليات تمويل خاصة بالحكومة المحلية الأراضي بين أصولها الأساسية، ومن المحتمل أن يسفر تراجع مبيعات الأراضي عن إلحاق أضرار بقدرتها على سداد الديون المستحقة.
من الممكن أن تعوِّل بكين أيضاً على الشركات الحكومية لتقديم المساعدة في عملية تخفيف الضغط الواقع على سوق العقارات، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الصعوبة في تقليص الديون الخفية. هناك إمكانية لطلب المساعدة من الشركات المحلية التابعة للدولة، وآليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية، وذلك عبر شراء أراض أكثر، أو التدخل ببرنامج إنقاذ للشركات، في حال تطلب الأمر ذلك على سبيل المثال.
قال ماو جي، وهو أستاذ بجامعة الأعمال الدولية والاقتصاد، ويعمل في تقديم الاستشارات لوزارة المالية الصينية: " توجد مناطق كثيرة -خصوصاً تلك الواقعة في المنطقة الغربية النائية- كانت تعاني من بطء التصدي لهذه المعضلة، ومن الممكن أن يسفر ذلك عن تعطيل الجهود المبذولة ما لم يجرِ طرح برامج تجريبية من قبل الحكومة المركزية".
وأوضح: "يعتبر ذلك تحدياً منهجياً" للقيام بعملية تسوية الديون الخفية.. تحتاج كل من الحكومات المحلية والسوق إلى القيام بتعديلات ضخمة على الأسلوب الذي تعمل به".
كيف يمكن للمقاطعات الصينية التصدي لها؟
تسديد الديون من خلال الإيرادات المالية للحكومة
سدَّدت بعض المدن في مقاطعة غوانغدونغ ديون آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية عبر الاعتماد على الدخل العام، ومازال يعد ذلك واحداً من خيارات المقاطعة التي تعتبر مركزاً للتصنيع خلال برنامجها التجريبي، بحسب وين لايتشنغ، الأستاذ في "الجامعة المركزية للتمويل والاقتصاد". كما أشار ماو إلى أنَّ مقاطعة غوانغدونغ من المحتمل أن تقوم بالتخلص من ديونها الخفية خلال سنتين.
تسديد الديون من خلال بيع آلية الدين الخاصة بالحكومة المحلية أو الأصول أو الأسهم التي تعود للحكومة
قال تسوي تشيجوان، الذي يعمل أستاذاً في معهد المحاسبة الوطني في بكين، التابع لوزارة المالية، إنَّ ذلك من الممكن أن يسهم في زيادة كفاءة استخدام الأصول لدى الحكومات المحلية، برغم أنَّ مواردها ستصبح أقل.
تسديد الديون من خلال عائدات المشروعات وأرباح آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية
قال وين، إنَّ ذلك من الممكن أن يكون متاحاً في مواقع محدودة على غرار شنغهاي، إذ إنَّ غالبية المشروعات التابعة لآليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية هي مشروعات خاصة بالرفاه العام وذات عائدات محدودة.
تحويل آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية إلى مؤسسات حقيقية موجودة في السوق
سينجم عن ذلك تحويل الديون الخفية إلى ديون شركات، إذ تتحمل آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية أعمالاً إضافية هادفة للربح، على غرار مشروعات المرافق والتشييد عوضاً عن المشروعات الخاصة بالرفاه العام.
إحلال سندات إعادة التمويل محل الديون الخفية
جرى بيع سندات من هذا النوع يصل إجماليها إلى 688 مليار يوان حتى نهاية شهر أكتوبر الماضي، بغية تسديد الديون الموجودة في الوقت الرهان، بحسب شركة "جي أف سيكيوريتيز" (GF Securities). برغم ذلك؛ من المقرر أن تكون عملية إصدار السندات محدودة جراء وجود سقف ديون حكومية، وربما تجري في مدينتي بكين وشنغهاي، علاوة على مقاطعة جيانغسو بصفة أساسية، بحسب شركة "تشاينا إنداستريال سيكيوريتيز" (China Industrial Securities).
اللجوء إلى إعادة الهيكلة أو إشهار إفلاس آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية
في حين لم تشهد آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية أية حالة تخلّف حتى الوقت الحالي، إلا أنَّ مقاطعات تشمل "جيانغسو" و"يونان"، ستقوم بإعادة هيكلة أو تصفية آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية التي لم يعد في مقدورها السداد. من جهته، قال كوي، إنَّ حدوث حالات إشهار للإفلاس ربما يكون الثمن الذي من الضروري القيام بدفعه لأجل تنفيذ عملية إصلاح لبعض من آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية، في حين يتطلب الأمر من الصين في الوقت ذاته توفير الحماية من قيام السلطات المحلية بأي عملية "تهرّب ينجم عنها ضرر" من تسديد الديون.
ما الذي جرى إلى حد الآن؟
سعت الصين إلى إحكام سيطرتها على الديون الخفية على مدى العقد الماضي. وفي الآتي نقدم استعراضاً لبعض نماذج النجاح في مناطق مختلفة:
- دمجت مقاطعة شانشي حوالي 30 شركة تشييد طرق سريعة في مؤسسة واحدة، وهي تلك المؤسسة التي وقعت اتفاقاً خاصاً بإجراءات الحصول على قروض جديدة مع البنوك، بالإضافة إلى تخفيض مدفوعات الفائدة.
- تعتبر شركة "شنغهاي إس إم آي هولدينغ" (Shanghai SMI Holding) أحد أقدم النماذج الناجحة لعملية إصلاح آليات التمويل الخاصة بالحكومة المحلية، بحسب ما ذكره ماو.
- سدَّدت منطقة "لياوزنينغ" في شمال شرق مدينة شنيانغ، مبلغاً قدره 15 مليون يوان من الديون المستحقة عليها من خلال أصول لديها في سنة 2019.
- سدَّدت مقاطعة "دوولون" في منغوليا الداخلية مبلغاً وصل إلى 600 مليون يوان من الديون الخفية باستخدام حيازاتها من الأصول.
- أسست الجهات المسؤولة سوق سندات محلية في سنة 2015 بهدف إبعاد عمليات التمويل عن ديون آلية التمويل الخاصة بالحكومة المحلية غير الشفافة على نحو أشد.
- من أجل تحقيق الاستمرارية، ستتوسع برامج التجارب العام المقبل على الأرجح لكي تشمل مدناً إضافية في المناطق ذات النمو الأقل، على غرار المقاطعات الواقعة في غربي البلاد، وفقاً لـ"تشانغ يي تشون"، عضو الجمعية الصينية للمالية العامة والذي أضاف أنَّه برغم وجود تحديات، ستنجح البلاد في التخلص من الديون الخفية كافةً مع حلول سنة 2035، وربما يكون بإمكان المناطق التي تتمتع بموارد مالية أفضل تحقيق ذلك الهدف مع حلول سنة 2025.
- قال تشانغ: "سيجري تسديد ما يقرب من نصف حجم الديون، على أن يجري نقل النصف الثاني من الدين إلى الميزانية العمومية".