بعد أسبوع حافل في وول ستريت شهد ارتفاع توقعات التضخم إلى أعلى مستوياته خلال عقد من الزمن، بدأ مديرو المحافظ ينظرون إلى احتمال أكثر خطورة من أي وقت مضى، ألا وهو ارتفاع متواضع في العائدات يتسبب في خسائر تُقدَّر بمليارات الدولارات.
حيث يأتي ذلك نتيجة تعرض المستثمرين للمدة، وهو مقياس رئيسي للمخاطر لحاملي السندات يقترب من مستويات قياسية. وحتى القفزة بنصف نقطة مئوية في العائد من هنا إلى ما يقرب من متوسط ما قبل الجائحة في عام 2019، ستكون كافية لتدمير الصناديق من جميع النطاقات. وهو تهديد له تداعياته على فئات الأصول، بدءاً من الأسواق الناشئة وصولاً إلى أسهم التكنولوجيا عالية الارتفاع.
وما من شكٍ في أن هذا السيناريو يحدق في وجه المستثمرين بعد أن ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات مقابل مستويات الذروة التي بلغتها في عام 2021 هذا الأسبوع وسط رهانات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في رفع تكاليف الاقتراض العام المقبل.
فضلاً عن ذلك، فإن احتمال حدوث خسائر فادحة هو إرث من الميل نحو الاقتراض طويل الأجل خلال عصر أسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً.
وكلما زادت المدة، زاد انخفاض الأسعار لكل درجة في العائدات. وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة وحدها: فالخطر عالمي لأن تهديدات التضخم دفعت العديد من البنوك المركزية إلى اتخاذ موقف يتبنى أسعار الفائدة الأعلى.
رياح معاكسة
في هذا الصدد، قالت باربرا آن برنارد، مؤسِّسة صندوق التحوط "وينكريست كابيتال": "تعد الأسعار المرتفعة مخاطرة نظامية الآن، حيث إن الأسعار المرتفعة هي رياح معاكسة لكل شيء، باستثناء البنوك. كما أن الخطر يكمن في حال استمرار التضخم عند هذه المستويات حيث سيكون النمو بطيئاً للغاية".
كما أن إجماع وول ستريت هو على عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، والتي لامست 1.7% هذا الأسبوع، لتصل إلى 2% سنوياً من الآن. وهذا من شأنه أن يضعها في نطاق متوسطها البالغ 2.14% لعام 2019. وقد ارتفع المعدل بالفعل بنحو نصف نقطة منذ أوائل أغسطس.
علاوةً على ذلك، أدى الارتفاع إلى تساؤلات حول الأسهم. حيث تكون الحساسية للأسعار الأعلى ضمن الأسهم أكبر بالنسبة للشركات التي تتوقع تدفقاتها النقدية في المستقبل. وهذا يترك شركات التكنولوجيا أكثر عرضة للخطر. كما أن العديد من الأصول الخطرة معرضة للخطر، بما في ذلك ديون الشركات التي تقل عن درجة الاستثمار.
باول: الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ تخفيف شراء السندات.. والتضخم سينخفض
خسائر كبيرة
وفي عالم السندات، لن يستغرق الأمر ركوداً بالحجم الذي شهدناه في عام 1994، وهو عام سيئ السمعة لمستثمري الديون، حتى تكون الخسائر كبيرة.
فمع زيادة العوائد بمقدار نصف نقطة، سيتكبد مؤشر بلومبرغ للخزانة الأمريكية خسائر تزيد على 350 مليار دولار، بالنظر إلى ما يقرب من 10 تريليونات دولار من الديون التي يتتبعها والزيادة في مدتها خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
وستبلغ الضربة لمؤشر بلومبرغ العالمي الكلي البالغ 68 تريليون دولار - والذي يشمل سندات الشركات والسندات المورقة لكل من الأسواق المتقدمة والناشئة - حوالي 2.6 تريليون دولار.
في هذا الصدد، قال ألبرتو غالو، مدير محفظة في "ألجيبريس إنفستمنتس": "الكثير من الأصول الخطرة باهظة الثمن بسبب انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية. ومع محاولة البنوك المركزية التطبيع، فسيتغير هذا الواقع".
يُشار إلى أن المدة زادت مع قيام الحكومات والشركات ببيع المزيد من الديون طويلة الأجل ومع انخفاض أسعار الفائدة – حيث تملي حسابات السندات أن الديون ذات توزيعات الأرباح (الكوبونات) المنخفضة تزيد من مخاطر المدة. وفي الوقت نفسه، تسببت الإغاثة من الجائحة في تضخم أعباء الديون.
أمنيات انخفاض التضخم
بالطبع، هناك معسكر يتوقع تراجع العائدات العام المقبل. حيث ترى هذه الفئة أن حدة التضخم تخف، كما تُشير إلى القوى التي تؤثر على النمو، مثل التركيبة السكانية. كذلك يؤكد مراقبو السوق هؤلاء أيضاً على أن الاحتياطي الفيدرالي سيحتفظ بحيازاته الضخمة من السندات، حتى بعد أن يبدأ في تقليص المشتريات.
في الوقت الحالي، فإن المراهنين على الهبوط هم الصاعدون. وقد انخفض مؤشر بلومبرغ للخزانة الأمريكية بنسبة 3.3% هذا العام حتى 21 أكتوبر، وهو في طريقه لتكبد أكبر خسارة سنوية منذ عام 2009.
وقد جسّد مايكل غيد من "أتاك روتيشن فاندز" روح العصر في ملاحظته هذا الأسبوع؛ والتي جاءت تحت عنوان: "السندات فاشلة - فكروا في البدائل التكتيكية".
حيث يبدو أن المستثمرين يفعلون ذلك بالضبط: فقد أظهر أحدث استطلاع شهري لمديري الصناديق من "بنك أوف أمريكا كورب" أنهم الأقل تخصيصاً للاستثمار في السندات على الإطلاق.
جدال التضخم المؤقت
وفي الحقيقة، فإن مسألة ما إذا كان التضخم المتسارع سيثبت أنه مؤقت هي في قلب الجدل الدائر في سوق السندات. وتنبع مخاطر ارتفاع العوائد طويلة الأجل أيضاً من تحول سياسة الاحتياطي الفيدرالي للسماح للتضخم بالتصاعد لدعم سوق العمل.
كما يصدر الأسبوع المقبل تحديثاً لمقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي، والذي ارتفع بوتيرة سنوية بلغت 4.3% في أغسطس، وهو أعلى معدل منذ أكثر من عقد. ومن المقرر أيضاً صدور تقرير من المفترض أن يظهر تباطؤاً حاداً في النمو في الولايات المتحدة في الربع الأخير.
ومن المحتمل ألا يكون المعلم الكبير التالي للسندات بعيد المنال. حيث اتفق صانعو السياسة الفيدرالية الشهر الماضي على نطاق واسع على أنهم يجب أن يبدؤوا في خفض شراء السندات الشهرية في منتصف نوفمبر أو منتصف ديسمبر وسط مخاوف متزايدة بشأن التضخم. وفي حين يتوقع المسؤولون انحسار التضخم المرتفع، فهناك الكثير من عدم اليقين حول التوقعات.
من جانبه قال هيو غيمبر، المحلل الاستراتيجي العالمي في "جيه بي مورغان لإدارة الأصول": "يُنظر إلى السندات الحكومية الأساسية تاريخياً على أنها مصدر رئيسي للتنويع في محفظة متعددة الأصول، واليوم هي مصدر رئيسي للمخاطر".