بهجة ومرح، ثم نشوة غير محدودة وانطلاق يغمر المتفائلين المتحمسين الذين يزيدون جرأة في كل مرة تحلق فيها العملة المشفرة إلى مستوى قياسي جديد.
تماسكت أسعار بتكوين عند نحو 64650 دولاراً للوحدة الساعة 11:30 في تعاملات "هونغ كونغ" اليوم الخميس، بعد ارتفاعها ارتفاعاً صاروخياً إلى رقم قياسي جديد في ليلة واحدة.
ولامست أكبر العملات الرقمية قمة جديدة بلغت نحو 67 ألف دولار للوحدة يوم الأربعاء، مدعومة بانطلاق ناجح لأول صندوق مؤشرات متداولة لعقود بتكوين الآجلة بالولايات المتحدة – وهو ثاني أكثر صناديق المؤشرات المتداولة صخباً عند انطلاقه، ويمثل خطوة أخرى نحو ارتقاء العملة من أطراف قطاع الخدمات المالية إلى جاذبية السوق الرسمية.
ارتفعت أسعار العملة المشفرة بنحو 120% في عام 2021 – وبعض المتحمسين لها يتوقعون ارتفاعها مرة أخرى إلى 100 الف دولار.
قمم تاريخية
وبقدر سمعة بتكوين السيئة بسبب التقلبات العنيفة في أسعارها، فإن قدرة العملة المشفرة ليس على الانتعاش والتعافي فحسب، وإنما أيضاً على بلوغ قمم تاريخية جديدة مرة تلو أخرى، أربكت وأذهلت المتشككين، مانحة أنصارها المتحمسين مزيداً من البهجة والحماس.
دخلت بتكوين عام 2020، وقد أصبحت الأصل الأفضل أداءً خلال الأعوام العشرة السابقة؛ وارتفعت بنسبة تزيد على 300% خلال العام الماضي، وكانت في ارتفاع مستمر في أوائل العام الحالي أيضاً قبل أن تتدهور في فصل الصيف، عندما تسببت مخاوف الأجهزة الرقابية من الولايات المتحدة وحتى الصين في انهيار العملة المشفرة إلى أقل من 30 الف دولار.
ثم بدأت بتكوين في الانتعاش بعد ذلك إذ تخطى المستثمرون مختلف قرارات الحظر والقيود التي خرجت من الصين وأصبحت أكثر تفاؤلاً إلى درجة أن أي ضوابط رقابية متشددة من الولايات المتحدة لن تستطيع أن تخنق أسواقها.
ولعب استخدام العملة من قبل بعض المستثمرين كوسيلة للتحوط ضد التضخم دوراً كبيراً في صعودها مع ارتفاع أسعار المستهلك في مختلف أنحاء العالم.
والآن، مع ارتفاع الطلب على صندوق "بروشير بتكوين استراتيجي"، مما يعزز توقعات المستثمرين بمزيد من إقبال المؤسسات الاستثمارية على العملة المشفرة، يرى المدافعون عن العملة الرقمية أنها سوف تسجل أرقاماً قياسية أخرى قريباً.
دفعة قوية من المؤسسات
تقول سادي راني، المؤسسة المشاركة لدى شركة ماكارا الإلكترونية للاستشارات: "مشاعر الثقة الآن مرتفعة للغاية في هذا القطاع".
وأضافت في مقابلة مع برنامج "كويك تيك ستوك" على قناة "بلومبرغ": "هناك قوة دفع كبيرة وراء عملة بتكوين".
تزايد الحماس في بعض أرجاء وول ستريت: فكان "بنك أوف نيويورك ميلون" و"غولدمان ساكس غروب" و"مورغان ستانلي" من بين البنوك والشركات التي طرحت تقديم خدمات مرتبطة بالأصول المشفرة.
وقالت دون فيتزباتريك، رئيس شركة "سوروس لإدارة الصناديق" لشؤون الاستثمار، إن شركتها تحتفظ ببعض العملات المشفرة التي "أصبحت أصولاً رسمية شائعة".
كما يمكن الآن أن تحسب لويد بلانكفين، الرئيس السابق لبنك "غولدمان ساكس غروب"، من بين أولئك الذين افتتنوا بهذا النوع من الأصول.
في مقابلة مع برنامج "فرونت راو" في تليفزيون "بلومبرغ"، قال بلانكفين: "أشياء كثيرة في هذا العالم نجحت نجاحاً فظيعاً" معلناً عن تقبله للأصول المشفرة.
وأضاف بلانكفين: "أن تخرج فقط وتقول إن سوقاً تتجاوز قيمتها حالياً تريليوني دولار أمريكي، وتواجه كل هذه العراقيل من الأجهزة التنظيمية والرقابية، والتي لا تعجب عدداً كبيراً من الناس، الذين سوف يستمتعون إذا رأوا دمارها، لا يبدو في أي يوم من الأيام أن هذه السوق ستحتضر–ولا نقول إنها ستنتعش".
عوائد ضخمة
وعلى أساس متوسط معدلات العائد على مدى الأعوام الثلاثة الماضية في عدد من الأصول، من بينها أسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة – مثل "فيسبوك" و"أبل" –علاوة على أسعار الذهب، يرى الباحثون لدى منصة "فوريكس ساجيست" في تقرير لهم أن بتكوين يمكن أن تبلغ قيمتها السوقية 5 تريليونات دولار مع بداية عام 2024. وذلك استناداً على متوسط معدل نموها السنوي الذي يبلغ 103.5%.
ليه وولد، هي الرئيسة التنفيذية لشركة "فالكيري إنفستمنتس"، والتي كانت من بين الشركات التي تقدمت مع "بروشيرز" بطلب إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية للموافقة على طرح صندوق مؤشرات متداولة يقوم على العقود الآجلة لعملة بتكوين.
وتقول وولد، إن الخطوة التالية لبتكوين تعتمد على كمية الدعم الذي يمكن أن تتلقاه فوق مستوى 65 ألف دولار للوحدة.
كانت التعاملات على العملة المشفرة فيما سبق تميل إلى البيع بعد تسجيل ارتفاعات جديدة سعياً من جانب المتعاملين إلى جني الأرباح. فإذا استطاعت أن تتماسك فوق هذا المستوى، سوف تتجه كل الإشارات بعد ذلك نحو الارتفاع لمستويات أعلى.
100 ألف دولار
أضافت ليه: "إذا استمرت هذه القوة الدافعة وراءها، من الممكن تماماُ أن يبلغ سعر العملة 80 ألف دولار للوحدة. وأعتقد أن مستوى 100 ألف دولار خلال العام الحالي مستوى متفائل جداُ، غير أن كل شيء ممكن ولن يكون مفاجئاً إذا ارتفعت إلى ذلك المستوى".
بل إن بعض المحللين، الذي يسعون إلى تحليل فرص وحركة بتكوين اعتماداً على نماذج التحليل الفني للرسوم التوضيحية، يتوقعون بالفعل مستهدفات تتجاوز 100 ألف دولار للوحدة.
يقول توم لي، من شركة "فاندسترات غلوبال أدفايزرز" إن صندوق مؤشرات بتكوين قد يجذب إليه تدفقات بقيمة 50 مليار دولار في السنة الأولى لتداوله. ويتوقع أن تصل قيمة بتكوين نفسها إلى 168 ألف دولار للوحدة.
ومن أكثر التوقعات جرأة – أو على الأقل الأكثر شيوعاً – هو الذي أعلنه مايكل سايلور، نصير البتكوين الشهير الذي يتمتع بمهارة استثمارية لا يضاهيها إلا ذكاؤه الإعلامي. وقد وعد سايلور، الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروستراتيجي"، بتنظيم حفل لمؤيدي عملة بتكوين إذا وصل سعرها إلى 100 ألف دولار للوحدة.
الحذر لا يزال مطلوباً
ومع ذلك، إذا كان التاريخ يدل على شيء، فبعض الحذر له ما يبرره، فقد تتراجع أسعار بتكوين في الأيام المقبلة.
شهدت العملة موجة بيع بعد اللحظات المؤثرة، ومنها لحظة إدراج عقود بتكوين الآجلة في "بورصة شيكاغو التجارية" للمشتقات في ديسمبر 2017، وإدراج منصة "كوين بيس غلوبال" في بورصة "ناسداك" في أبريل من العام الحالي، كما قالت نويل أشيسون، رئيس تحليل الأسواق لدى "جنيسيس غلوبال تريدينغ".
وفي هذه المرة، ربما يترتب على أي إحباط بشأن صندوق المؤشرات المتداولة لعقود بتكوين الآجلة بعد موجة صعود في البداية إلى حركة تصحيحية.
قالت أشيسون: "ومع ذلك، حتى لو حدثت موجة بيع للعملة، فلا يرجح أن تستمر أو أن تأتي بعمق الحالات السابقة بسبب النقطة التي بلغناها في دورة السوق. ففي الحالتين السابقتين، كانت السوق هشة وتبدو عليها دلائل الاستنزاف – حالة السوق في هذه المرة مختلفة".
