صعد الألمنيوم إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008 بعدما أدت أزمة الطاقة المتفاقمة إلى الضغط على إمدادات المعدن كثيف استهلاك الطاقة، والذي يدخل في صناعة كل شيء من علب البيرة إلى أجهزة أيفون.
يمزح المطَّلعون على أمور الصناعة بالقول إن الألمنيوم أساساً عبارة عن "قالب من الكهرباء"، حيث يستهلك إنتاج كل طن من المعدن 14 ميغاواط/ ساعة تقريباً من الطاقة، وهو ما يكفي لتشغيل منزل متوسط في المملكة المتحدة لأكثر من ثلاث سنوات.
وإذا افترضنا أن صناعة الألمنيوم التي يصل إنتاجها إلى 65 مليون طن سنوياً دولة؛ فستحتل هذه الدولة المرتبة الخامسة بين أكبر مستهلكي الطاقة في العالم.
الارتفاع الجنوني في أسعار الألمنيوم يحمل بين طيّاته أزمة طاقة طاحنة
تضييق صيني
بسبب هذا، كان الألمنيوم أحد الأهداف الأولى في جهود الصين للحد من الاستخدام الصناعي للطاقة.
وحتى بعد انتهاء أزمة الطاقة الحالية، فرضت بكين حداً صارماً على السعة المستقبلية للإنتاج، مما يَعِد بإنهاء سنوات من التوسع المفرط، ويثير احتمالية وقوع عجز عالمي كبير.
وحالياً، مع صعود تكاليف الطاقة عبر آسيا وأوروبا؛ بات هناك خطر متزايد لتقليص المزيد من الإمدادات.
ارتفع الألمنيوم بنسبة تقارب الـ2.5%، ليصل بذلك إلى 3040 دولاراً للطن في بورصة لندن للمعادن، اليوم الإثنين، وهو أعلى مستوى له منذ يوليو 2008.
مخاوف شركات الألمنيوم من نقص الإمدادات ترتفع مع استمرار جنون الأسعار
أما فيما يخص المستثمرين الذين يتطلعون إلى المراهنة على ارتفاع الأسعار في المستقبل، تقدم عقود خيارات بورصة لندن للمعادن طريقة رائجة ومنخفضة المخاطر.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كان المستثمرون يشترون حقوق شراء بأسعار جنونية تصل إلى 4 آلاف دولار للطن، وفقاً للمتداولين النشطين في السوق، كما يراهنون بنشاط على أن الأسعار يمكن أن تتجاوز هذا المستوى بكثير، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
تحركات سعرية حادة
قال كيث وايلدي، رئيس قسم التداول في شركة "رومكو ميتلز"، الذي يتداول خيارات في بورصة لندن للمعادن منذ أكثر من 20 عاماً: "يبدو الأمر إلى حد كبير مثل لعبة صندوق تحوط أساسية".
وأضاف: "ما يستعدون له هو اضطراب كبير في السوق، وتحركات حادة في السعر".
مع استعداد قطاع المعادن العالمي للتجمع في لندن خلال الأسبوع السنوي لبورصة لندن للمعادن، استمرت علامات الضغط على صناعة الألمنيوم في الارتفاع.
وأعلن مجلس الدولة الصيني (مجلس الوزراء)، يوم الجمعة الماضي، أنه سيسمح برفع أسعار الطاقة في محاولة لتخفيف أزمة الطاقة المتفاقمة.
صناعة التكييف تستخدم الألمنيوم بدل النحاس بعد ارتفاع سعره
وفي هولندا، ذكرت هيئة الإذاعة الهولندية أن شركة "ألديل" (Aldel) المنتجة للألمنيوم ستحد من إنتاجها بداية من هذا الأسبوع نتيجة لارتفاع أسعار الكهرباء.
أيضاً، تم تجميد نشاط عدد من مصانع الألمنيوم في الصين، ومن المحتمل أن يكون إنتاج البلاد قد بلغ ذروته بالفعل، على الأقل في المدى القصير، حسبما أكده مارك هانسن، الرئيس التنفيذي لشركة "كونكورد ريسورسز ليمتد" للتداول، التي يقع مقرها في لندن.
وأضاف هانسن أنه مع وجود عجز في السوق، والحاجة إلى تحفيز الاستثمار في إنتاج جديد خارج الصين، يمكن أن تصل الأسعار إلى 3400 دولار للطن في الأشهر الـ12 المقبلة.
ضربة محتملة
في المرحلة التالية، يقول المتداولون والمحللون إن المستثمرين يترقبون تعرض صادرات الألمنيوم الصينية لضربة محتملة. ففي ظل الضغط على إنتاج الصين وازدهار الطلب، كانت البلاد تستورد كميات أكبر من أي وقت مضى من المعدن بصورته الأولية.
رغم ذلك، لا تزال الصين تصدر كميات ضخمة من الألمنيوم شبه الجاهز، وتدعمها التخفيضات الضريبية في ذلك جزئياً.
قال جيمس لوك، مدير صندوق السلع الأساسية في شركة شرودرز، في مكالمة هاتفية من لندن: "نظراً لحدة نقص الطاقة والقيود التي شهدناها، لا يبدو منطقياً أن تقوم الصين بتصدير هذا الحجم من منتجات الألمنيوم كل شهر". وأضاف: "إنها مُصدِّر صافٍ لموارد الطاقة بشكل أساسي".
تقول مجموعة من جهات التحليل الاقتصادي بما في ذلك "غولدمان ساكس غروب"، إن هناك احتمالية لقيام بكين بتقليص أو إزالة تخفيضات ضريبة القيمة المضافة على الصادرات، لإبطاء تدفق المعدن خارج حدودها.
مع احتمال استمرار الصين في استيراد كميات ضخمة من الألمنيوم خلال العام المقبل، وذلك قد يتسبب في معاناة بقية العالم من نقص شديد، ويزيد من خطر حدوث ارتفاع حاد في الأسعار.
دفعة إضافية
بشكلٍ منفصل، حصلت الأسعار على دفعة إضافية، اليوم الاثنين، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً لمكافحة إغراق الأسواق بلفائف الألمنيوم المسطح المستوردة من الصين، على الرغم من استبعاد الاتحاد لبعض استخدامات المعدن الرئيسية، بما في ذلك استعمال المعدن في تصنيع علب المشروبات والسيارات والطائرات.
ضغوط على المصانع
تقليدياً، كانت زيادة مثل التي وقعت هذا العام ستدفع المنتجين في أماكن أخرى من العالم إلى فتح المصانع القديمة والتفكير في ضخ إمدادات جديدة. لكن رغم ذلك، أدت الزيادة الأكبر في تكاليف الطاقة إلى وضع ضغوط على عاتق المصاهر، وقد تجعل عمليات إعادة التشغيل صعبة.
على سبيل المثال، إذا تعرض مصهر في ألمانيا لأسعار طاقة التحميل الأساسية خلال شهر واحد؛ فسيتعين عليه دفع حوالي 4 آلاف دولار مقابل الطاقة اللازمة لإنتاج طن من المعدن، وهو ما يفوق أسعار الألمنيوم الموجودة حالياً بفارق كبير.
قال إيون دينسمور، رئيس أبحاث الألمنيوم الأولي والمنتجات في شركة "سي أر يو"، عبر مكالمة هاتفية من لندن: "سيكون سوق المعادن العالمي في عام 2022 أكثر ضيقاً من أي وقت مضى". وأضاف: "لا يمكن لبقية العالم تسليم هذه الكميات إلى الصين إلى أجل غير مسمى".