شركة وساطة تداول العملات المشفرة التي تعتبرها إدارة بايدن عنصراً مفصلياً في فورة حديثة لبرنامج الفدية (رانسوم وير) هي شركة مسجلة قانونياً في جمهورية التشيك، لكن يبدو أن لا مكتب لها هناك. قد تكون الشركة تمارس نشاطها في أعلى ناطحة سحاب في موسكو رغم عدم إدراجها ضمن قائمة شاغليه. برزت المنصة الشهر الماضي حين أصبحت أول بورصة عملات مشفرة تدرجها الولايات المتحدة في القائمة السوداء، فيما تحاول الحكومات وقف مزيد من الهجمات.
فيما تنفي الشركة أي دور في الموجة الأخيرة من الجرائم الإلكترونية، يقول الخبراء إنها مثال رئيسي على ركن غامض من هذه الصناعة سمح للقراصنة بالازدهار عبر إتاحة غسل عائدات رقمية غير مشروعة بملايين الدولارات باستخدام وسطاء "متداخلين" يتعاملون مع بورصات أكبر لتمرير التعاملات.
بورصة العملات المشفرة "سوكس" (Suex OTC) هي منصة تعاملات تسمح لمتداولي العملات المشفرة بشراء وبيع العملات الرقمية. تتهمها الولايات المتحدة بالخلط بين تجارة العملات الرقمية المشروعة وبين التحويلات غير القانونية من عصابات برامج الفدية، ما يسمح لهذه العصابات بغسل الأرباح التي حصلوا عليها من هجمات كتلك التي شلّت مستشفيات وشركات ومناطق تعليمية وحتى خط أنابيب رئيسي للوقود في الولايات المتحدة. تزعم وزارة الخزانة الأمريكية أن "سوكس" لعبت دوراً أساسياً في مساعدة القراصنة على غسل وصرف ما نهبوه. غالباً ما يدفع الضحايا الفدية بواسطة "بتكوين" قبل تحوليها إلى عملة تقليدية.
ركن خفي
قال تود كونكلين، مستشار نائب وزير الخزانة: "هناك ركن خفي غير مشروع تشكل في هذه المنظومة... لم نطهر بعد هذه المنظومة بشكل كامل. نحن بالتأكيد نواصل التحقيق في التبادلات والشركات الوسيطة المتداخلة الأخرى، مثل (سوكس)".
تعاملت "سوكس" منذ 2018 على الأقل بتحويل حيازات العملة المشفرة داخل مكاتب بسيطة في موسكو وسانت بطرسبرغ وربما في الشرق الأوسط، وفقاً لشركة "تشاين أناليسيس" (Chainalysis)، وهي شركة أدلة جنائية متخصصة بتتبع حركة العملات الرقمية تضم قائمة عملائها وكالات اتحادية أمريكية.
سُجلت "سوكس" قانونياً في جمهورية التشيك، لكن يبدو أنه ليس لديها مكتب هناك، حسب "تشاين أناليسيس"، حيث سجلت عنوانها الرسمي في مبنى عادي يقع في المدينة القديمة للعاصمة براغ، حيث يوجد متجر لبيع الملابس ومتاجر تحف في الطابق الأرضي، والعديد من الوحدات السكنية ومكتب محاماة. يتخصص مكتب المحاماة الموجود في العنوان الذي تم تسجيل "سوكس" فيه بخدمات التأسيس وحوكمة الشركات. نفى شخص من الشركة رد على مكالمة من "بلومبيرغ" معرفة "سوكس" وأنهى الاتصال.
برج وشركتان
يبدو أن الشركة تعمل فعلياً في برج الاتحاد الشرقي المكون من 97 طابقاً في موسكو، حسب "تشاين أناليسيس". لا يوجد دليل عام للمستأجرين عند المدخل، ويمنع موظف الاستقبال دخول أي شخص دون دعوة.
فيما أن اسم "سوكس" غير مدرج في هذا العنوان وفقاً لإدارة المبنى، فإن شركة تسمى "آرت أوف ويب" (Art of Web) وتضم إيغور بيتوخوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة "سوكس" وأكبر مساهم فيها، مدرجة في هذا العنوان.
لم يستجب بيتوخوفسكي من "سوكس" لطلبات الحصول على تعليقه. نفى في منشور حديث على "فيسبوك" أنه أو شركته ساعدا بغسيل أموال قراصنة، وتعهد "بالدفاع بحزم عن اسمي في التقاضي" في الولايات المتحدة، على حد تعبيره. كما كتب: "أؤمن بالعدالة المستقلة وآمل أن أعود للحياة الطبيعية في أقرب وقت ممكن". لم يتسن العثور على مسؤولين آخرين في "سوكس" بهدف الحصول على تعليقهم.
بعد وضع "سوكس" على قائمة وزارة الخزانة للكيانات الخاضعة للعقوبات، يُحظر على الشركات والأفراد المقيمين في الولايات المتحدة إجراء أي معاملات معهم. فيما لن تفعل هذه العقوبات الكثير لفضح "سوكس" للسلطات القانونية في الشطر الآخر من العالم، تأمل إدارة بايدن أن يثني ذلك ضحايا برامج الفدية في الولايات المتحدة عن دفع الفدية بسرعة لحل محنتهم.
عبر آخرين
لا يبني عادةً وسطاء كمثل "سوكس" أنظمة البرامج الخاصة بهم لتنفيذ عمليات تداول العملات المشفرة. بدلاً من ذلك، يتعامل هؤلاء المشغلون عبر بورصات العملات المشفرة لدى جهات خارجية. رفضت وزارة الخزانة تحديد البورصات التي تعتقد أن "سوكس" استخدمتها باستثناء قول إنها "عدة" بورصات. دعا المنظمون على مستوى العالم إلى قوانين وآلية تنفيذ أكثر صرامة تلزم بورصات التداول جمع البيانات لتحديد هوية عملائها عند إجراء التداولات.
تلقت "سوكس" حتى الآن ما لا يقل عن 160 مليون دولار على شكل بتكوين من مصادر غير مشروعة وعالية الخطورة منذ 2018، حسب "تشاين أناليسيس". إن صح ذلك، فإن نحو 40% من سجل معاملات "سوكس" المعروف مرتبط بنشاط القراصنة، بما في ذلك ما يقرب من 13 مليون دولار من بعض مجموعات برامج الفدية الأكثر شهرة "ريوك" (Ryuk) و"كونتي" (Conti)، كما تقول "تشاين أناليسيس".
تبين وجود عدد من مجموعات برامج الفدية في روسيا ودول أخرى تقول الولايات المتحدة إنها وفرت لهم ملاذاً آمناً. حذر الرئيس جو بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة يونيو من استمرار الهجمات، لا سيما على البنية التحتية الحيوية. لكن قال نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بول أباتي هذا الشهر إن العصابات الإلكترونية لا تزال "تعمل في البيئة المتساهلة التي أنشأتها هناك".
غض البصر
ما لم يتضح هو مدى إدراك "سوكس" أنها تستخدم لغسيل الأموال، وما إذا كانت ببساطة تغض الطرف عن السلوك غير القانوني من خلال عدم التحري عن عملائها بعناية أو إن كانت الولايات المتحدة قد أخطأت بتصنيف "سوكس" على أنها وسيط غير شرعي، كما يدعي رئيسها التنفيذي.
بينما تنفي قيادة الشركة أي علاقة بالعصابات الإلكترونية ونشاطها غير القانوني، كتب مكسيم كوربانغالييف، الذي يصف نفسه على "لينكد إن" بأنه المؤسس المشارك لشركة "سوكس" عن مدى السرعة التي يمكن للعملاء البدء بها في التداول "دون إرسال مستندات طويلة ومملة واجتياز عمليات فحص لا تنتهي".
"كوين بيس" تتخلى عن وعد زائف بدعم العملات المستقرة بالنقد
أُزيل هذا المنشور الذي قدمت شركة "تي آر إم لابس" (TRM Labs) للاستخبارات المختصة بسلاسل الكتل "بلوكتشين" صورة عنه، لكن لم يتضح متى نشره كوربانجالييف.
يجري العديد من الخدمات التي تعمل مع البورصات فحوصات "اعرف عميلك" للتحقق من هوية العميل. لكن آري ريدبورد، رئيس الشؤون القانونية والحكومية في "تي آر إم لابس" وهو مدعي اتحادي سابق ومسؤول سابق لدى وزارة الخزانة، قال إن "سوكس" لا تفعل ذلك، واصفاً "سوكس" بأنها منصة "تبادل طفيلية". أضاف: "الفرق بين هؤلاء و(سوكس) هو أن (سوكس) جزء من اقتصاد الظل المشفر الذي يزدهر من خلال تخطي ضوابط الامتثال المناسبة"، مضيفاً أن العقوبات ضد "سوكس" تظهر أن "الحكومة الأمريكية ستلاحق التبادلات غير الخاضعة للتنظيم".
كعك وشاي
تقول "تي آر إم لابس"، إن "سوكس" تواصلت مع عملائها عبر تطبيق "تلغرام" إلى حد كبير، وقبلت عملاء جدداً عبر إحالات من مصادر تثق بها. كانت التعاملات تتم فقط في مكاتب "سوكس"، حيث تفاخرت في إحدى إعلاناتها بأنها تقدم لعملائها الكعك والشاي. تقول "تي آر إم": "يبدو أن "سوكس" تجري تعاملاتها بشكل حصري تقريباً في صفقات عالية القيمة، إذ كان الحد الأدنى المقبول لمعاملاتها 10 آلاف دولار". ثم تنفذ "سوكس" تعاملات العملاء عبر بورصات أخرى، على الأرجح دون علم هذه البورصات بالمصادر التي حصلت "سوكس" منها على الأموال.
تأتي الإجراءات الأمريكية ضد "سوكس" في أعقاب جهود أخرى لمحاسبة وسطاء العملات المشفرة على النشاط غير المشروع.
أغلقت منصة "بي تي سي-إي" (BTC-e) في 2017 بعد أن اتهمت الولايات المتحدة المواطن الروسي ألكسندر فينيك بالإشراف على منصة كان يستخدمها مجرمو الإنترنت لنقل العائدات الرقمية غير المشروعة دون تعريف أو تحقق. يُزعم أن "بي تي سي-إي" تعاملت مع بعض البتكوين التي ظهر أنها تتبع إلى نفس مجموعة القرصنة الروسية المتورطة باختراق رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وفقاً لشركة "إليبتيكس" (Elliptic) للتحليل الجنائي المتخصص في "بلوكتشين". سلمت اليونان فينيك إلى فرنسا، حيث حُكم عليه في ديسمبر بالسجن خمس سنوات في سجن فرنسي.
تتبع المصدر
تشير بيانات "تشاين أناليسيس" إلى أن "سوكس" عالجت أكثر من 50 مليون دولار من الأموال غير المشروعة نيابة عن "بي تي سي-إي" ومستخدميها بعد إزالة "بي تي سي-إي"، بما في ذلك بعض التحويلات التي جرت حديثاً هذا العام.
لطالما شعرت وكالات إنفاذ القانون بالقلق من إمكانية استخدام أعمال العملات المشفرة لغسل الأموال ولأغراض إجرامية. لكن اتضح أنه يمكن تتبع معظم العملات المشفرة، حيث يتم تسجيل جميع المعاملات التي تحدث خارج البورصات المركزية على السجل الرقمي، الذي يسمى عادةً "بلوكتشين". يستخدم المنظمون وسلطات إنفاذ القانون بنشاط مثل هذه الخدمات للقبض على الجهات الفاعلة السيئة في جميع أنحاء العالم. كانت "سوكس" مجرد أحدث شركة تُضبط وهي تقوم بهذه الممارسات.
رغم إنكار "سوكس"، فإنه من شأن حملة وزارة الخزانة على الأقل مؤقتاً، أن تضيق على الخطوط غير المشروعة لعمليات تحويل العملات الرقمية، حسب قول توم روبنسون، المؤسس المشارك لشركة "إليبتيكس".
بيّن روبنسون: "هذا يعني مكاناً واحداً أقل بحوزة عصابات برامج الفدية لصرف أرباحهم، رغم أنه لا يزال هناك الكثير من الطرق الأخرى التي يمكنهم من خلالها فعل ذلك... بالنسبة لعمليات تبادل العملات المشفرة، فهذا يعني زيادة أهمية التأكد من أنها لا تغسل عوائد جرائم. يواجهون الآن احتمال فصلهم حقيقةً عن النظام المالي السائد إن كانوا يمكّنون الجناة".