سلَّطت أزمة الطاقة في الصين الضوء على عيوب واحدة من أهم أولويات الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهي قضية أمن الطاقة، والتي ربما يكون لها نتائج ذات تأثير على منظومة الطاقة على مدى سنوات مقبلة.
من المحتمل أن تضطر البلاد إلى اتخاذ خطوات كبيرة باتجاه إعادة هيكلة شبكتها وسوق الكهرباء لديها، علاوة على تعظيم احتياطياتها من الوقود، وإضافة مزيد من مصادر الطاقة المتجددة التي تتمتع بالمرونة، إذا أرادت تفادي تكرار حدوث الفوضى التي تجتاح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
قال ميشال ميدان، مدير برنامج أبحاث الطاقة الصينية في معهد "أكسفورد إنستيتيوت فور إنريجي ستاديز": "كل هذه الأشياء من المرجح حدوثها، وسيحدث انتعاش هائل بمجرد استقرار الأمور المتعلقة بهذه الأحداث".
في السطور التالية نستعرض بعض خيارات القرارات التي تستطلعها بكين:
تحرير الأسعار
نجمت الأزمة الراهنة عن قرار إغلاق محطات توليد كهرباء نتيجة خسائر فادحة في عمليات شراء الفحم مرتفع الثمن بجانب البيع في سوق كهرباء تخضع لإجراءات تنظيمية شديدة. وجرى وضع نظام التسعير المعمول به حاليا في عام 2019 فقط، عندما تم استبدال مقاييس الكهرباء الثابتة ليحل محلها نموذج هجين يوفر قدرا من المرونة نسبيا، لكنه يبقى أقل بكثير من نظام معدلات التسعير العائمة المطبق في مناطق أوروبا والولايات المتحدة.
اقرأ أيضا: الصين تحتاج إلى مزيد من الطاقتين النووية والمائية لسدّ عجز الكهرباء
تدرس مقاطعة "هونان" خطة لتجربة منظومة تسعير مرتبط بتكاليف استخدام الفحم بداية من شهر أكتوبر. وزادت مقاطعة "قوانغدونغ" من الرسوم على الاستهلاك بهدف تحفيز توفير مزيد من المعروض من الكهرباء. وتدرس البلاد رفع الأسعار على المستخدمين الصناعيين، غير أن العقبة الهائلة أمام تنفيذ مزيد من التحرر هي "الضربة المحتملة" للمستخدمين في نهاية السلسة الإنتاجية والبائعين، بما في ذلك شركات التصنيع.
قال كو نانان، رئيس قسم أبحاث الصين في "بلومبرغ إن إي إف": "ربما تتوافر إمدادات كهرباء بما يكفي في حال حررت الصين سوق الكهرباء، إلا أن ارتفاع تكاليف توليد الكهرباء من المحتمل أن يؤثر على الاقتصاد المحلي أيضا".
الربط بين الشبكات
يمكن أن يؤدي تعزيز عملية الربط لشبكات الكهرباء بين المناطق المختلفة إلى تخفيف حدة النقص المحلي. وقامت شركتا التشغيل الرئيسيتان للشبكة في الصين سريعا بمد خطوط للكهرباء عبر مسافات طويلة في جميع أنحاء البلاد، لكن تبقى الحاجة إلى تنفيذ مزيد من الأعمال، وتمثلت الشركتان في "ستيت غريد كورب أوف تشاينا" (State Grid Corp of China) المسؤولة عن عملية الإشراف على أكثر من 80% من البلاد، في الوقت الذي تتعامل فيه شركة "تشاينا سازرن غريد" (China Southern Grid Corp) مع خمس مقاطعات في منطقة الجنوب.
اقرأ أيضا: أزمة الطاقة العالمية تترك الصين في مواجهة مزيد من نقص الكهرباء
من جهته، قال ديفيد فيشمان، وهو مدير في شركة "لانتاو غروب" (Lantau Group)، وهي شركة متخصصة في استشارات الطاقة، إن هناك انقطاعا كبيرا يحدث في الوقت الراهن بعمليات الربط، سواء من ناحية الربط المادي أو من ناحية عمليات التنسيق، بين مناطق مختلفة في البلاد، وأحيانا يحدث ذلك في داخل نفس المقاطعات، كما أن تبادل الكهرباء في داخل المقاطعات يعد مسألة نادرة.
أوضح "فيشمان" قائلا: "هذا يفسر وجود مشكلات لديك، حيث يتوافر لجزء من البلاد الكثير من الكهرباء، في حين لا يحصل جزء آخر على أي كهرباء". وتابع: "كلما يكون لديك مزيد من الربط الكهربائي، كلما كنتَ قادرا على توزيع الإمدادات بكفاءة أكبر. لذلك توجد حاجة لتوفير استثمارات إضافية في خطوط كهرباء الجهد العالي جدا وتوفير مزيد من خطوط الكهرباء المحلية".
التحول الأخضر
أظهرت أزمة نقص الطاقة على مستوى العالم، بالنسبة للبعض، مخاطر التخلي عن الوقود الأحفوري قبل أن يكتمل نمو مصادر للطاقة المتجددة. في الصين "من المحتمل أن تكون الحكومة أشد حذرا إلى حد ما إزاء إحالة محطات توليد الكهرباء بالفحم إلى التقاعد".
وفي ظل الظروف الراهنة، أصبحت الصين مُجبرة على التنقيب عن الغاز والفحم وسط حرب مناقصات عالمية، الأمر الذي يكشف فوائد أمن الطاقة، التي توفرها طاقة الرياح المحلية والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية. وربما ما تحتاجه الصين، علاوة على خطط البلاد لزيادة كميات ضخمة من الطاقة النظيفة، هو ضخ استثمارات في مجال تخزين مرِن على غرار الطاقة المائية المتدفقة أو البطاريات الكبيرة، بهدف السيطرة على تقلبات تدفقات الطاقة من المصادر المتجددة.
اقرأ أيضا: تعهدات الصين بتقليل الانبعاثات وعود"زائفة" وخطط قد لا تُنفَّذ
وقال لوري ميليفيرتا، كبير المحللين لدى مركز أبحاث الطاقة النظيفة والهواء: "أظهرت الشهور الأخيرة أن الصين والعديد من الاقتصادات الأخرى عُرضة لمخاطر أسعار الوقود الأحفوري، كما عززت من قضية التحول إلى مصادر طاقة ذات صفر انبعاثات كربونية".
التخزين
قال "فيشمان" المسؤول في شركة "لانتاو" إنه بالرغم من طفرة الطاقة المتجددة في الصين، إلا أن استخدام الفحم لن يختفي في أي وقت قريب، وكشفت أزمة شهر سبتمبر الماضي عن وجود مشكلات خطيرة في إدارة إمدادات الوقود والاحتياطيات. تنخفض المخزونات في محطات الطاقة على نحو هائل في ظل ارتفاع الأسعار حتى قبل وصول فصل الشتاء.
تتمثل إحدى سُبل الحد من هذا النقص في استنساخ نجاح تجربة احتياطيات النفط الاستراتيجية عن طريق تعزيز وملء المرافق المخصصة لتخزين الفحم المملوكة للحكومة في جميع أنحاء البلاد. ولا يمثل ذلك دعما تلجأ إليه في أوقات الاحتياج في المستقبل فحسب، بل إن صفقات الشراء التي تهدف لزيادة المخزونات خلال فترات كساد الطلب يمكن أن تقدم مساعدة للشركات العاملة في المناجم أيضا.
اقرأ أيضا: كيري يضغط على الصين لخفض المزيد من غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030
يجري العمل على خطط لتنفيذ برامج على هذا المنوال. وبعد انقطاع التيار الكهربائي في فصل الشتاء الماضي، شملت الخطة الخمسية للبلاد حتى عام 2025، بندا يتعهد بتعزيز الطاقة الاستيعابية للاحتياطي من الفحم. وفي شهر يونيو الماضي، أعلنت الحكومة أنها تسعى إلى رفع تلك المخزونات إلى 600 مليون طن، وهو ما يعادل نحو 15% من الاستهلاك السنوي.